دول الخليج تمنع رعاياها فهل أدّى فشل صدامات الوسط إلى تفجير عين الحلوة؟
كتب المحرر السياسي
ليس صدور تحذير الرعايا الخليجيين من زيارة لبنان بالأمر البسيط عندما تتلاقى عليه حكومات السعودية والكويت والبحرين، فالحكومات المعنية لا تستقي معلوماتها من مصادر إعلامية، ولبنان ليس بلداً نائياً لا يعنيها، فترتجل قراراً بهذا الحجم لمجرّد تداول أنباء مثيرة عن وضعه الأمني تحسّباً للأسوأ، الحكومات المعنية موجودة بقوة في لبنان عبر سفاراتها وعلاقاتها واصطفافاتها، وليست مجرد منفعل يتلقى الأحداث بل فاعل يشترك في صناعتها. وقرار منع السفر لرعاياها هو أحد أمرين، إما تقدير مبني على ما تعلمه عواصم هذه الحكومات من سقوط لجدار الحماية الدولي الذي منع اهتزاز الاستقرار في لبنان طوال سنوات الأزمة السورية المستمرة، وأجبر فرقاءه المختلفين على تشكيل حكومة الأضداد، أو أنّ القرار رسالة تريد الإيحاء بأنّ الوضع في لبنان مضطرب أمنياً، لفتح أبواب ضغط سياسي تحت هذا العنوان، وترك الباب مفتوحاً لتداعيات أمنية عبر قوى تقيم اعتباراً للموقف الخليجي ويكفي قرار منع سفر الرعايا لإطلاق يدها، وفي الحالتين فالقرار يثير الشك والريبة حول مستقبل الاستقرار في لبنان.
على إيقاع سماع اللبنانيين للقرار الخليجي كان التفجير الأمني الذي لم ينجح في مواصلة إشعال وسط بيروت، يشتعل في مخيم عين الحلوة، وتصل أصداء الاشتباكات إلى ما بعد مدينة صيدا، وبين جولة وجولة مساع تنجح ومساع تفشل لوقف إطلاق النار، والاشتباكات تراكم احتقاناً ينمو ويكبر بين حركة فتح والمجموعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، وسط معلومات متداولة عن قرار لدى الفريقين بالحسم العسكري.
عازف بيانو ينقل أصابعه من نقطة إلى نقطة على مدرج العزف، أم تقاطع صدف، في لحظات التحوّلات الكبرى والاستحقاقات الكبرى التي غالباً ما تفرض فيها الخيارات الكبرى وفقاً لمعادلة الفوضى أو…؟
هل أدّى فشل تأمين استدامة المواجهات في وسط بيروت، لجعلها الفتيل المشتعل لتأمين التفجير في عين الحلوة بديلاً، ريثما يجهز مكان جديد بعنوان جديد أو يعود التفجير إلى عنوان التظاهرات ريثما تنضج الاستحقاقات الكبرى والخيارات الكبرى؟
في المقابل كان اللقاء التقليدي لحوار عين التينة بين تيار المستقبل وحزب الله، بنكهة خاصة في ظلّ التجاذبات والتطورات التي شهدتها البلاد، وجاء الكلام التقليدي الذي يمكن في ظروف مختلفة أن يكون عادياً بقيمة خاصة هذه المرة عبر تأكيد الفريقين على حق التظاهر السلمي، والتمسك بحفظ الأمن، والدعوة إلى قيام الدولة بمسؤولياتها، ما يعني أن لا أزمة بين الفريقين قد تهدّد وحدة الحكومة من جهة، أو توتر الشارع وفقاً لخط الانقسام التقليدي بينهما.
أسعار الشركات الفائزة أعلى من أسعار شركة سوكلين
تتجه الأنظار اليوم إلى جلسة مجلس الوزراء التي تنعقد على ضوء تحذير رئيس الحكومة تمام سلام أول من أمس من أن الحكومة إن لم تكن منتجة فلا لزوم للانعقاد بعدها، وعلى وقع تظاهرات حملة «طلعت ريحتكم» في عطلة الأسبوع الفائت في رياض الصلح ضد أزمة النفايات التي أفضت عروض المناقصات في شأنها، لاتخاذ قرارات ينذر أنها ستكون بداية أزمة جديدة، جراء المحاصصة التي أفضت إلى فوز شركة «جهاد العرب» بمناقصة النفايات في منطقة البقاع بسعر 148.95 للطن، في حين فازت شركة «الجنوب للإعمار» التابعة لرياض الأسعد بمناقصة النفايات في الشوف وبعبدا وعاليه بسعر 115 للطن، وفازت شركة «ورد» التابعة لشريف وهبي بمناقصة الجنوب للنفايات بسعر 151 للطن، وفازت شركة «سايفكو اندفكو» بمناقصة النفايات في المتن وكسروان وجبيل بسعر 171.6 دولار أميركي للطن، وفازت شركة «لافاجيت» بمناقصة النفايات في بيروت التابعة لأنطوان أزعور بسعر 168.63 دولار أميركي للطن الواحد، وشركة «باتكو» في الشمال بسعر 189.3 للطن.
وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن أسعار الشركات الفائزة في العروض المالية لمناقصات النفايات هي أعلى من أسعار شركة سوكلين. واستغربت كيف تقبل الدولة التي تعاني عجزاً مالياً أن تقبل أسعار الشركة الفائزة بهذه الطريقة. وطالب رئيس مجلس النواب نبيه بري بإعادة النظر بمناقصات ملف النفايات نظراً للأسعار المرتفعة وتحميلها الخزينة أعباء إضافية كبيرة وإلا إلغاء المناقصات بالكامل.
القرارات بالأكثرية
وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» «أن جلسة مجلس الوزراء لن يكون على جدول أعمالها غير بند النفايات وإنماء عكار»، لافتة إلى «أن المناقصات تندرج ضمن قرار الحكومة ومن المفترض أن تقر لإنقاذ الناس وليس لإنقاذ الحكومة». وشددت المصادر على «أن رئيس الحكومة سيتخذ القرارات بالأكثرية وليس بالإجماع.
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» أن اليوم «سيظهر كل شيء حيث سيتم البحث في تأمين مطامر في الدرجة الأولى، ولن تطرح أي قضايا أخرى خلال الجلسة، لا آلية العمل ولا التعيينات العسكرية».
في المقابل أكد وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب «أنه لا يمكن أن يكون شريكاً في الموافقة على مناقصات ازداد فيها الهدر العام تحت ضغوط مفتعلة من قبل المستفيدين داخل السلطة كانوا أو خارجها».
المراسيم العادية تفترض توقيع كل الوزراء في غياب الرئيس
ورفض وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش في حديث إلى «البناء» استباق الأمور في ما يتعلق بالموافقة على المناقصات. وأشار إلى «أن حزب الله والتيار الوطني الحر وحزب الطاشناق وتيار المردة لم يوقعوا على المراسيم في مجلس الوزراء منذ أن حددنا «أن الأولوية في جلسات مجلس الوزراء هي للبحث في آلية العمل الحكومي»، لافتاً إلى «أن المراسيم العادية تفترض توقيع كل الوزراء في غياب رئيس الجمهورية، مضيفاً «ما يقوم به الفريق الأخر مخالف للدستور».
عون: لضرورة احترام الدستور
وفي السياق نفسه اتصل رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بالبطريرك الماروني بشارة الراعي ورئيس حزب الكتائب السابق أمين الجميل ورئيس حزب القوات سمير جعجع، للتشاور في المراسيم المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية، وضرورة احترام الدستور بإعلانها ونشرها. وأكد عون للبطريرك الراعي بحسب ما علمت البناء» «أن إصدار المراسيم تجاوز لمكون أساسي في الدولة، وللدور المسيحي ومن غير الجائز السكوت عنه». وتوجه للبطريرك بالقول: «المفروض أن تكون المدافع الأول عن حقوق المسيحيين التي ينص عليها الدستور وأن لا تقبل بتهميش مكون أساسي وأن لا تقبل بانتهاك صلاحيات رئيس الجمهورية». كذلك دعا جعجع والجميل إلى تحمل المسؤولية أمام الشعب والتاريخ ورفض التهميش الحاصل للمسيحيين». وعلمت «البناء» من مصادر كتائبية أن الرئيس الجميل أكد للعماد عون «أننا حريصون على الإجماع والتوافق في مجلس الوزراء لكننا في الوقت نفسه حريصون على قضايا الناس، وأن التعطيل لا يجوز وأن وزراء حزب الكتائب سيسهلون آلية اتخاذ القرارات».
وكان لافتاً أمس تأكيد وزير الداخلية نهاد المشنوق من السراي الحكومية «أن لا انتخابات نيابية قبل انتخاب رئيس للجمهورية ولا أحد يبيع الناس الأوهام والأحلام، هذا الأمر لن يحدث، ويجب أن يكون واضحاً للجميع، الأمر الطبيعي لاستعادة النصاب الدستوري هو انتخاب رئيس للجمهورية بتوافق جميع اللبنانيين وليس فرضاً من جهة سياسية على كل الجهات السياسية».
استياء حكومي من دعم السفير الأميركي المتظاهرين
في موازاة ذلك، دعت حملة «طلعت ريحتكم» إلى اعتصام ينفذ في السادسة مساء السبت في مكان يعلن عنه لاحقاً لاسقاط مناقصة فض عروض النفايات.
واعتبرت في مؤتمر صحافي أن «المناقصة وما رست عليه باطل، ولفتت إلى أن «وضع مجلس الوزراء يده على الصندوق البلدي المستقل يجعل المناقصات سلباً للمال العام وكل من شارك فيها مشارك في عملية السطو».
وأكدت الحملة أن «السلطة صعدت في أعمال العنف لتشويه التحرك واستعجلت بتنفيذ الصفقة المشبوهة من خلال فض العروض الحاصل منذ دقائق. وأعرب السفير الأميركي ديفيد هل عن حزنه العميق حيال مشاهد وتقارير الإصابات التي وقعت في التظاهرات التي جرت خلال نهاية الأسبوع، والتي عبّر من خلالها المجتمع المدني اللبناني النابض بالحياة عن إحباطه إزاء الشلل السياسي الذي أبقى لبنان أسيراً لفترة طويلة جداً، معلناً تأييده إجراء تحقيق دقيق والمساءلة وضبط النفس. وجدد هِلْ في الوقت نفسه بعد اجتماعه مع رئيس الحكومة تمام سلام التأكيد على دعم الولايات المتحدة القوي لجهود رئيس الحكومة للمضي قدماً بالتوافق السياسي حتى تتمكّن الحكومة من العمل على العديد من القضايا الملحة.
وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» «أن الحكومة لم تكن مرتاحة لتصريحات السفير الأميركي الذي كان من المفروض أن يبدي حرصاً على قوى الأمن الداخلي والجيش وليس فقط المتظاهرين، وأن أحد الوزراء أبلغه انزعاج رئيس الحكومة».
وأكد حزب الله وتيار المستقبل في جلسة الحوار السابعة التي عقدت في مقر الرئاسة الثانية أمس الحرص على حرية التعبير والتظاهر السلمي في إطار القوانين والأنظمة المرعية، ودعم مؤسسات الدولة في حماية الاستقرار الداخلي وحفظ الأمن والمؤسسات العامة والأملاك الخاصة .
وشدد المجتمعون على أولوية الحوار والتفاهم بين مختلف الأطراف لمعالجة الأزمات، وعلى ضرورة تحمل الدولة لمسؤولياتها في القضايا التي تهمّ المواطنين.
ولفت قائد الجيش العماد جان قهوجي إلى «أن الجيش لن يتهاون مع المخلين بالأمن أو المندسين بين المتظاهرين الذين يسعون إلى حرف التظاهرات السلمية عن مسارها ومطالبها المشروعة، بهدف النيل من هيبة القوى الأمنية تمهيداً لإثارة مناخات الفتنة والفوضى في البلاد».
الاشتباكات في مخيم عين الحلوة
ومن بيروت إلى الجنوب، حيث توسعت رقعة الاشتباكات في مخيم عين الحلوة بين حركة فتح والإسلاميين المتشددين لتطاول مختلف محاور المخيم ما أدى إلى سقوط قتيل هو الضابط في حركة فتح فادي.خ وقد نقلت جثته إلى مستشفى الراعي في صيدا إضافة إلى 3 جرحى، اثنان نقلا إلى مستشفى الهمشري في صيدا والثالث إلى مركز لبيب الطبي في صيدا.
وترافق ذلك مع قيام الإسلاميين المتشددين بشن هجوم على مراكز حركة فتح على محورين البركسات وبستان القدس. واستخدمت قنابل مضيئة وقذائف الهاون للمرة الأولى وسجلت حركة نزوح كبيرة من المخيم باتجاه مدينة صيدا.