رانيـا أبـو خيـر… كنا ننتظر منك الكثير
ل.ن
الدكتورة رانيا أبو خير التي خسرناها باكراً جداً، وتشيّع اليوم في بلدتها «ضهور الشوير» وسط حزن عارم، سيحكى عنها الكثير، لما تميزت به من حضور أكاديمي في وطنها، والعالم.
بعض التعريف عن هذا الحضور كنا أوردناه بتاريخ 13/12/2011 عندما كنت أتولى مسؤولية عمدة شؤون عبر الحدود، نعيد تعميمه منضمين الى جميع أهالي ضهور الشوير، والى جميع الذين عرفوها متجلية في الكثير، بالحزن العميق على رحيلها الباكر.
تقديم درع الجامعة اللبنانية الى الدكتورة رانيا أبو خير
قدم رئيس الجامعة اللبنانية، الدكتور عدنان السيد حسين، درع الجامعة الى الستاذة في قسم الجغرافيا في كلية الآداب الفرع الثاني الدكتورة رانيا بو خير، في حضور ممثل أساتذة الكلية الدكتور عصام خليفة وأمين السر العام محمد البابا ورئيسة المصلحة الادارية المشتركة ريتا وهبه، في مكتبه في الإدارة المركزية للجامعة في المتحف، تقديراً لإنجازاتها وتسلمها الأسبوع الفائت الجائزة الفرنكوفونية للعام 2011 للباحثين الشباب في اختصاص العلوم والطب بين متبارين من 90 دولة فرنكوفونية موزعة في أوروبا واميركا وآسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط والمحيط الهندي وأفريقيا وجزر الكاريبي.
نالت هذه الجائزة تتويجاً لمسيرتها البحثية المميزة من خلال نشر 50 بحثاً في مجلات علمية ذات مؤشر تقويميّ عالٍ فئة أولى وسيرة ذاتية استثنائية وأعمال بحثية ذات تأثير كبير على تنمية المجتمعات وتطوّرها.
وأكد السيد حسين ان حصول الدكتورة بو خير على هذه الجائزة أمر نعتزّ به ويثبت أن لدى الجامعة اللبنانية أهلية ومستوى أكاديمي رفيع بعكس ما يشاع عن أنها فقدت أهليتها وأصبحت مجمعات طائفية، لافتاً الى تميّز طلاب كليات الطب العام وطب الأسنان والصيدلة والهندسة الموحدة، إضافة الى زملائهم في العديد من الكليات الأخرى التي أثبتت جدارتها عالمياً.
الجدير ذكره أن الدكتورة رانيا كانت ألقت كلمة قيمة في معرض «أنطون سعاده: العرزال إن حكى» الذي أقيم في ضهور الشوير في آب الماضي، والى جانبه أقيمت أمسية شعرية وفنية شارك فيها الشاعران مهدي منصور وأدهم دمشقي، والمطربة جنفياف يونس، والعازفان على العود مازن أبو حمدان وروجيه متى.
هنا أبرز ما جاء في كلمة الدكتورة رانيا أبي خير:
« يوم احترف الإبداع أبناء أرضنا المقدّسة، ملأوا شرايين الأرض نبضاً، فأسكنوا الكلمة عرشاً يليق بها.
ويوم تُكْتَبُ أسماؤنا في سجلّ الحياة، نصيرُ كلمة : هي العقل والروح فينا، بها نسمو، ومعها يطيب عيشٌ، ويحلو زمان.
تنتابني الليلة رهبة، ورغبة.
أمّا الرهبة، فهي الوقوف إلى منبر يأنس بأسياده ولست من أسياد المنابر.
ولأن الزمن يمضي، مغمض العينين، لا يصغي الى رجاء، ولا يستجيب لنداء، فإن رغبتي، البوح بما حملته مع الزمن من توق الى الكفاح، وشوق الى النجاح، فاخترت أن أحصن نفسي، بأحلام الانتصار على الفراغ، وأستجيب طائعة لنداء الحياة: أن أملأ الزمن زرعاً وجنى، وفي الجنى عز وكرامة، فخر وزهو وشهامة.
ومع وجع البحث عن الحقائق، وأمل الوصول إلى نتائج حاسمة، ومع تعاقب المحطات، وتعدد مواقع المسؤولية، كانت قناعتي تزداد رسوخاً، بأن القضية، صارت أعمق وأبعد من حدود الطموحات الشخصية، وقد بلغت معي توقاً شديد الإلحاح الى المساهمة في تطوير المجتمع الذي أنتمي اليه، وهو مجتمع، أثرى الإنسانية، فكراً، وفلسفة، وانتماء حضارياً الى الحياة.
ألسنا جميعاً أبناء الأرض التي اختارها الله موطنا لأنبيائه؟
ألسنا جميعاً أبناء فضاء، تطيّب بأنفاس العباقرة والمبدعين؟
ألسنا جميعاً أبناء الأمة التي رواها أنطون سعاده، بفكره، قبل ان يرويها بدمه.
يستحق شعبنا أن يرتوي من منابع حضارته، أن يسمو بحاضره، متآلفاً مع سمو تاريخه… ولئن ابتلينا بأمراض الجهل والتعصب، وقد عطلت سبل الترقي، ومسارات النهضة المجتمعية والحضارية… فإن زمن اليقظة آت، ولن يبقى الشعب الذي أرهقته الأزمات، مستسلماً لغرائزه، منقاداً بغير وعي الى مصير، يرسمه له الآخرون، فيتحكمون في إرادته، ويشتتون أحلامه، ومن ثم يستثمرون إبداعاته الحضارية، ويتركون له فتات استغلالهم الوحشي.
واذ أقف اليوم امامكم مكرمة، فإني أشعر، وأعتقد بقوة، أنّ التكريم، لا يستهدف فرداً بعينه، بقدر ما يستهدف مساراً من مسارات النهضة المجتمعية والإنسانية، ذلك أن الانفعال والارتجال يجافي التطور الحقيقي في زمن العولمة… وإن شئنا مواكبة العصر، فما من سبيل الى ذلك إلا مواجهة الحقائق بالأبحاث العلمية، ووضع الخطط التنفيذية لها، وصولاً الى تبنّي مشاريع تطبيقية، تتصدى للمشاكل الآنية المستحكمة في جميع حياتنا العامة، وتؤهل شعبنا، ليستحق انتماءه الحضاري والإنساني.
ولعل فرادة المناسبة، اليوم، وريادتها تكمنان في مبادرة لؤلؤة الجبل ضهور الشوير ممثلة بمديرية الشوير في الحزب السوري القومي الاجتماعي التي أوجّه إليها والى منسق المعرض المهندس سعادة كريّم كلّ الشكر، واحتضان بلديتها، ورئيسها الأستاذ الياس أبو صعب، ومشاركة ورعاية فعاليات علمية وسياسية، أذكر منهم النائب الأمين مروان فارس، الأمين ربيع الدبس، الدكتور أسعد رياشي ممثلاً رئيس لجنة خريجي الجامعات الفرنسية في لبنان الدكتور وليد عربيد… لعلّ الفرادة والريادة تكمنان في أنهم اختاروا جميعاً توجيه رسالة صادمة، لسياسة الاستخفاف بقدرات الشباب، وطاقاتهم الخلاقة، وتوجيه رسالة دعم وتشجيع للعقول الناشئة، التي تمردت على التفاهة، واندفعت في ميادين الفكر، متخطية نوازعها الصغرى، الى رحاب نجاحاتها الكبرى.
باسمي وباسم الشباب الذي اعتقد أنّي امثّله، أتوجّه بالشكر والتقدير لكم جميعاً وأخصّ بالذكر مديرة مديرية الشوير السيدة انتصار خنيصر، ومقدمة هذا الحفل الأستاذة ريما أبي خير، كما أتوجّه عبركم الى الشعب الذي يرفض الاستسلام، ويأبى الانهزام، وشكرا لكم «.
كتب عنها في «النهار» يومذاك كل من الدكتور عصام خليفة والدكتورة أمل ديبو.
الدكتور خليفة: « لقد بكرت في الرحيل أيتها العبقرية الواعدة، أيتها العالمة المليئة بالفرح والطموح والمشاريع المستقبلية، أيتها الباحثة الاستثنائية التي فرضت حضورها العالمي حينما نالت جائزة العلماء الشباب من بين 96 مرشحاً من الدول الفرنكوفونية. يا أميرة الشوير التي نشأت في كنف بيت متواضع، واختزلت في ثقافتها العلمية والإنسانية تراث عروس الجبل اللبناني، وكانت استمراراً لسلوى نصار واسد رستم وسائر الكبار الذين انجبتهم هذه البلدة العريقة. لا أزال احتفظ بالملف الضخم الذي يتضمن سيرتك العلمية المرموقة عندما أودعتيني إياه كممثل للأساتذة في كلية الآداب 2 ، في مواجهة جهل وتآمر الحاسدين الذين حاولوا عدم إعطائك لقب الأستاذية، بينما الاتحاد الأوروبي وأعرق الجامعات ومراكز البحوث تشرفت بإعطائك هذا اللقب، واستعانت بخبرتك لمناقشة أطروحات الدكتوراه وتقويم البحوث. ولا أزال أذكر ضحكتك العالية عندما أجبرناهم على التراجع والإقرار بحقك الطبيعي».
والدكتورة أمل ديبو: « تماماً كما في يوم تجمعّنا فيه حولك قبل عامين في اللقاء الأرثوذكسي مع الحركة الثقافية في إنطلياس وجمعية أهل القلم! يومذاك أعلناك كوكبًا من نار ونور، تلهبين العقول باسم الحقيقة العلمية، وتغالين في الدقة، تتوثّبين الى ما وراء المرئي والمفهوم لتكتشفي كنه الحقيقة. اعتززنا بك، وكلّنا أمل فيك، فيما رحت ترفعين اسم لبنان عاليًا في محافل العلم الدولية. ورغم المعاناة والجور والظلم، كافحتِ وحدك مفتخرة بانتمائك الى الأرض الشويريّة ومعتصمة بحبل الإيمان الأرثوذكسي المستقيم للرأي الذي كان يلهمك نبلاً واعتزازًا «.