لا تعويل على موقف رسمي عربي يدين العدوان الصهيوني على سورية
هشام الهبيشان
يتساءل بعض من الذين تابعوا تداعيات العدوان الصهيوني الأخير على الدولة السورية، المتمثل بسلسلة الغارات الصهيونية الأخيرة على مدينة القنيطرة السورية وما سبقها من عمليات إجرامية قامت بها المجاميع الإرهابية بحق سورية الوطن والإنسان والمدعومة من الكيان الصهيوني وأدواته الاقليمية والعربية من القامشلي مروراً بحلب إلى حمص ودرعا واللاذقية إلخ… عن سرّ غياب موقف عربي «رسمي» يدين على الأقل ما يقوم به الكيان وأدواته بحق سورية الوطن والإنسان والتاريخ والجغرافيا، ولكن بعض هؤلاء المتسائلين عن غياب هذا الموقف العربي الرسمي، لا يدركون حتى الآن حقيقة أن بعض الأنظمة العربية الرسمية هي شريك فعلي للصهاينة وللغرب بمشروع تدمير الدولة السورية بكل أركانها، وهم شركاء فعليون كذلك بضرب قوى المقاومة المعادية للكيان الصهيوني.
لقد أسقطت مجموعة الحروب الصهيو اميركية، الأخيرة التي استهدفت منطقتنا، وآخرها الحرب الأخيرة المفروضة على الدولة السورية ومجموع قوى المقاومة بالمنطقة الكثير من الأقنعة التي تقنعت بها بعض الأنظمة الرسمية العربية والأنظمة المتأسلمة بمنطقتنا، التي يخفون خلفها حقيقة عمالتهم الواضحة للمشروع الصهيو- أميركي، الذي يستهدف منطقتنا وشعوبها وثرواتها وحضارتها وعقيدتنا الإسلامية بشكل خاص والمسيحية الشرقية بشكل عام.
لهذا، فان الحديث القديم الجديد عن عمالة بعض هذه الأنظمة للمشروع الصهيو – أميركي، في المنطقة هو حديث قديم قدم اغتصابهم لعروش اغتصبوها وكراسٍ لم يستحقوها، والكثير من المثقفين والمؤرخين العرب يعلمون كيف وصل الكثير من هؤلاء لكراسيهم، وعلى حساب مقايضات قذرة عكست بجملة ما تعكس حالة الارتهان للمشروع الصهيو – اميركي الذي تعيشه الامة اليوم.
وفي آخر فصول عمالة هذه الأنظمة هو مشاركتها الواضحة بمسار التدمير الممنهج للدولة السورية بكل أركانها، ومحاولة ضرب قوى المقاومة بالمنطقة بالشراكة مع الكيان الصهيوني، والكل يعلم أن بعض الأنظمة العربية والمتأسلمة بالإقليم لها دور كبير بهذا التدمير الممنهج للدولة السورية، ولا يخفى على أحد بهذه المرحلة مدى التلاقي بين مشاريع الأنظمة الرجعية والمتأسلمة العربية والإقليمية مع المشروع الصهيو – الأميركي، على الأرض السورية، فجميع هذه المشاريع التقت على هدف واحد وهو إسقاط الدولة السورية بكل أركانها، لتضييق الخناق على قوى المقاومة بالمنطقة، كتمهيد لإسقاط المنطقة ككل بحالة الفوضى، لخدمة المشاريع والأهداف المستقبلية للكيان الصهيوني بمنطقتنا، ومن ناحية أخرى ستستفيد هذه الأنظمة الرجعية والمتأسلمة من حالة الفوضى ككل، بتثبيت أعمدة أركان حكمها بعد أن شارفت على الانهيار.
ومن هنا يظهر واضحاً مدى تلاقي وتقاطع المشروع الصهيو -أميركي، ومشروع الأنظمة الرجعية والمتأسلمة فوق الجغرافيا السورية، فالصهاينة كان لهم دور بارز بهذه الحرب المفروضة على الدول السورية، وهم بهذه الحرب استطاعوا أن يحققوا ما عجزوا عن تحقيقه منذ عقود، وهو الوصول إلى نشر الفوضى والدمار الممنهج بالدولة السورية، ومن خلال ذلك بحسب رؤية الصهاينة وحلفائهم، سيتم تضييق الخناق على قوى المقاومة بالمنطقة، وخصوصاً بعد أن انجزوا مخططهم بضرب وحدة واستقرار وقوة العراق ولبنان، وكل ذلك موجود برؤيتهم الاستراتيجية لطبيعة مستقبل المنطقة ككل، وأشير إلى كل ذلك بوثيقة كيفونيم «الإسرائيلية» الصادرة عام 1982 والتي تحدثت عن أطر عامة يجب ان يعمل بها قبل إعلان قيام دولة «إسرائيل» الكبرى، فتدمير سورية ونشر الفوضى بها هو جزء من مشروع كبير يستهدف تسهيل قيام دولة «إسرائيل» الكبرى على أنقاض الدول التي يجرى تدميرها بشكل ممنهج بهذه المرحلة وسورية جزء من هذه الدول.
أميركا بدورها فقد اختارت سورية لتكون هي النواة لانطلاق مشروعها الهادف لضرب وإسقاط مجموعة أهداف فحربها بالمنطقة وبنصف العالم الآخر الذي منطقتنا جزء منه هي حرب طويلة ولا تتوقف عند حدود سورية، بل ستشمل قوى المقاومة الأخرى بالمنطقة وروسيا كهدف مقبل وإيران وكوريا الشمالية والصين التي بدأت رياح الفوضى الخلاقة الأميركية تحرك بعض من فيها أخيراً، وستمتدّ لإركاع قوى اقتصادية وهي الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل، وبنك الأهداف الاميركي مليء بالأهداف الأخرى بهذا العالم، ولكن الرؤية الأميركية تعتمد على إسقاط هدف تلو الآخر بالاعتماد نوعاً ما على نظرية أحجار الدومينو.
من جهة أخرى، نستطيع أن نقرأ بوضوح مدى تماهي المشروع الرجعي العربي والمشروع المتسلم مع المشروع الصهيو -أميركي، فبعض الأنظمة الرجعية والأنظمة المتأسلمة بالمنطقة باتت متيقنة من حتمية سقوطها شعبياً بسبب سياسات الفساد والإفساد التي تمارسها هذه الأنظمة القمعية على شعوبها، ولذلك اتجهت إلى بناء استراتيجية استخباراتية تهدف إلى نشر الفوضى المذهبية والعرقية والدينية وتغذية الحروب الدينية والتحشيد المذهبي، وتمويل الجماعات المتطرفة بالدول المحيطة لضمان استمرار بقاء هذه الأنظمة المتأسلمة والرجعية بسدة الحكم، فكلما طالت حالة الفوضى بالإقليم كلما طالت فترة حفاظهم على عروشهم وعلى كراسيهم.
ختاماً، يمكن القول، لكلّ من يتساءل عن مواقف غائبة لأنظمة عربية أو متأسلمة تشجب أو تدين الهجمة الصهيونية الشرسة على قوى المقاومة بالمنطقة، فالإجابة هنا لمن يتساءلون عن لأسباب غياب المواقف المنددة بالهجمة الصهيونية، هو أن بعض هذه الأنظمة الرجعية والمتأسلمة هي شريكة للكيان الصهيوني وداعمه له بهذه الهجمة، والرهان الوحيد في هذه المعركة «المصيرية» التي تخوضها قوى المقاومة مع هذه المشاريع التي تستهدف الأمة كل الأمة هو فقط على قوى المقاومة وقوة وتماسك الجيش العقائدي العربي السوري، وقوة ومتانة التحالفات الإقليمية والدولية للدولة السورية مع قوى المقاومة بالإقليم، فهذه القوى بمجموعها ساهمت «مرحلياً» بصد هذا المشاريع، الهادفة إلى اغراق كل الجغرافيا العربية والإقليمية بحالة الفوضى، ولكنها لم تجهز عليها للآن فتلاقي وتقاطع مشاريع بعض الأنظمة الرجعية العربية والأنظمة المتأسلمة والتقاؤها مع المشروع الصهيو-أميركي، تحتاج لوقت وعمل «طويل» حتى يتمّ استئصال سمّها بشكل كامل لأنها لن تنتهي إلا بقطع رأسها المدبّر لها وهو الكيان الصهيوني وحلفائه أينما وجدوا.