الجعفري يوضح الوقائع ويُثبت الحقائق
أكد الدكتور بشار الجعفري مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة استعداد الحكومة السورية للاستمرار في التعاون مع الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع مواطنيها المتضررين من الأزمة أينما كانوا دونما تمييز.
وشدد الجعفري في كلمة له خلال جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي اليوم وخصصت لمناقشة تقرير الأمين العام الدوري حول تنفيذ قرارات المجلس 2193 و2165 و2191 على أن إدخال المساعدات يجب أن يتم وفق مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية للمساعدة الإنسانية في حالات الطوارئ وفي مقدمها احترام السيادة السورية.
«البناء» تنشر هنا النص الكامل للبيان وذلك نظراً لاهميته:
بداية أود أن اغتنم هذه الجلسة لأعبر عن ترحيب حكومة بلادي بتعيين السيد ستيفن أوبراين، وكيلاً للأمين العام للشؤون الإنسانية، وأتمنى له النجاح في تنفيذ المهام الجسيمة الموكلة إليه، خصوصاً أننا نعيش في زمن تعصف به موجة عارمة من الفوضى والتطرف والإرهاب… إرهابٌ تسبب في جرائم غير مسبوقة بحق شعوبنا وساهم في خلق أزمات إنسانية في العديد من الدول… إرهابٌ تغذى على سوء تقدير في الحسابات السياسية لدى بعض الحكومات فكانت الضحية شعوبنا نحن… إرهاب يدمر الحضارة والتراث الثقافي كما حصل في مدينة نمرود الآشورية في العراق وفي مدينة تدمر التاريخية في سورية، حيث طاولت يد الإرهاب معبد «بعل شمين» التاريخي وأحد أبرز علماء الآثار في العالم، وهو السوري خالد الأسعد.
وأود أن أشير هنا إلى أننا نعتبر بأن زيارة السيد أوبراين إلى سورية ولقاءاته مع المسؤولين السوريين، وزيارته إلى حمص، إنما تشكل فاتحة طيبة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح بغية تعزيز التعاون الشفاف مع الأمم المتحدة في المجال الإنساني، خصوصاً أننا نشعر بالارتياح للأفكار التي طرحها السيد أوبراين حول الارتقاء بأجواء التعاون بن الحكومة السورية ومكتب الأوتشا. ونحن نتطلع إلى استمرار التواصل معه للبناء على نتائج زيارته إلى دمشق لما فيه خير السوريين. وأكرر هنا التأكيد على استعداد الحكومة السورية على الاستمرار في التعاون مع الأمم المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع مواطنيها المتضررين من الأزمة أينما كانوا دونما تمييز، وذلك وفقاً لمبادئ الأمم المتحدة التوجيهية للمساعدة الإنسانية في حالات الطوارئ التي أرساها قرار الجمعية العامة رقم 46/182، وفي مقدمها احترام السيادة السورية ووحدة أراضيها، وانطلاقاً من الالتزامات الناجمة عن خطط الاستجابة الموقعة مع الحكومة السورية.
السيد الرئيس،
إن هذا التعاون والالتزام من قبل الحكومة السورية هو جزء صغير فقط من صورة الوضع الإنساني في سورية فلا يمكن التعامل مع هذا الوضع المؤلم بمعزل عن خلفيات التدخل السياسي والعسكري والاقتصادي الخارجي في المشهد السوري، لأن هذا التدخل الخارجي كان السبب في بروز وتغذية وانتشار واستمرار ظاهرة الإرهاب في سورية والمنطقة، وهو السبب في إعاقة التقدم على المسار السياسي بالتالي فإن هذا التدخل هو السبب الرئيسي في نشوء واستمرار الأزمة الإنسانية التي تعيشها بعض المناطق في سورية، الأمر الذي يعني أنه لا يمكن تحسين الوضع الإنساني في شكل ملموس وحقيقي ومستدام من دون وقف هذا التدخل الفظ في شؤوننا الداخلية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وتصفية تجلياته المتمثلة بدعم الإرهاب وإعاقة تقدم المسار السياسي وفرض إجراءات قسرية أحادية الجانب على الشعب السوري فمن البديهي أن المعاناة الإنسانية لا يمكن لها أن تنتهي تماماً بمجرد تقديم بعض المساعدات الإنسانية في هذه المنطقة أو تلك، على رغم إدراكنا التامّ لضرورة تقديم هذه المساعدات وأهمّية دورها في تخفيف معاناة مواطنينا في المناطق المتأثرة. وقد أثبتت تطورات الأحداث صحة طرحنا هذا فعلى رغم كل الجهود الإنسانية المبذولة لم يتم تخليص السوريين المحتاجين من معاناتهم بعد، ولم يتم السماح للاجئين والنازحين السوريين المهجرين بفعل الإرهاب بالعودة إلى بيوتهم وأعمالهم وحياتهم المعتادة، ولم يتم توفير الأمن والطمأنينة لهم ولأطفالهم إلا في المناطق التي أعاد الجيش السوري لها الأمن والأمان بعد دحر الإرهابيين منها وتلك الأماكن التي تمت فيها مصالحات وطنية محلية، وقد أثبتت هذه المصالحات من جديد أن السوريين قادرون على الجلوس مع بعضهم البعض وحل مشاكلهم بأنفسهم إذا ما توقف التدخل الخارجي في شؤونهم، وإذا تم إلزام حكومات الدول الراعية للإرهاب بوقف سياساتهم الدموية تلك.
السيد الرئيس،
لا يمكن للبعض، بما في ذلك دول أعضاء في هذا المجلس الموقر، أن يستمر في الاختباء وراء ما يسميه «المعارضة المسلحة المعتدلة» لتبرير استخدامه للإرهابيين والمتطرفين كأداة لتنفيذ أجنداته السياسية في سورية وفي دول أخرى، خصوصاً أن الممارسات الإرهابية لهذه «المعارضة المعتدلة» قد افتضح أمرها للقاصي والداني فما يسمى «جيش الإسلام» الإرهابي المرتبط بالسعودية يمطر العاصمة دمشق بمئات القذائف العشوائية- وهذا تحدث عنه السيد أوبراين مشكوراً- وما يسمى «جيش الفتح» المرتبط بتركيا وقطر يمطر، بدوره، مدينة حلب وقرى إدلب بمئات القذائف العشوائية، هذا في حين يعيث ما يسمى «لواء اليرموك» المرتبط بالأردن و«إسرائيل» فساداً وتخريباً في جنوب سورية. والسؤال هنا: هل قصف المدنيين في دمشق وحلب في شكل عشوائي يعدّ إحدى ممارسات «المعارضة المعتدلة»؟ حيث أمطر، على سبيل المثال فقط، هؤلاء «الحمائم المعتدلون» دمشق ومحيطها بـ 92 قذيفة صاروخية يومي 23 و24 آب الجاري مما أدى إلى عشرات الخسائر في أرواح المدنيين الأبرياء. والغريب هنا أن البعض في هذا المجلس يدعي الحرص على أرواح المدنيين السوريين إلا أنه لم ينبس ببنت شفة إزاء هذه الجرائم ولم نسمعه يرفض ويستنكر ويعقد الاجتماعات الطارئة لإصدار بيانات الإدانة! باستثناء البيان المشكور الذي صدر حول ما جرى في تدمر- تماماً كما فعلوا عندما تم قطع المياه عن دمشق وحلب لأسابيع من قبل هذه «المعارضة المسلحة المعتدلة» التي ربما تعتبر هذا الفعل الشأن وأعمال الخطف والقتل والتعذيب والسبي من أفعال الاعتدال والتحرك السلمي على طريق الديمقراطية والحرية! ثم لماذا يتم تشريع وجود ما يسمى «معارضة مسلحة معتدلة» في سورية فقط من دون غيرها من الدول؟ لماذا تم تخصيص السوريين بهذا الاختراع المسمى «معارضة مسلحة معتدلة» فها نحن نشهد حملة في الاعلام الغربي للترويج لفصائل مسلحة في سورية أعلنت ولاءها لتنظيم لقاعدة، على أنها «معارضة معتدلة» مثل ما يسمى «حركة أحرار الشام» الإرهابية والتي امتدحت أداءها صحيفة «نيويورك تايمز» يوم أمس واعتبرتها حليفاً مثالياً للولايات المتحدة الأميركية في سورية… وهذا هو العدد الذي ظهر فيه المقال باللغة الانكليزية وهو يقول أن هذا التنظيم الإرهابي هو «حليف مثالي للولايات المتحدة».
السيد الرئيس،
إن الحديث عن القذائف العشوائية التي تستهدف المدنيين في عدد من المدن السورية، يقودني إلى الحديث عن واجبات الحكومة السورية الدستورية ومسؤولياتها الوطنية في حماية مواطنيها من آفة الإرهاب والتطرف، والاتهامات التي يدفع بها البعض ضد الحكومة السورية باستهداف المدنيين في مدينة دوما أو غيرها. فلا يمكن للحكومة السورية، أو أي حكومة مسؤولة في هذا العالم، بما فيها حكومات بلادكم الموقرة، أن تقف مكتوفة الأيدي بينما يقوم الإرهابيون باستهداف المدنيين الآمنين في مدنهم بالقذائف العشوائية كما يجري في دمشق وحلب وغيرها من المدن السورية، إذ لا بد من الردّ على مصادر إطلاق القذائف التي يطلقها الارهابيون، وبذلك فإن الجيش السوري يتصرف وفقاً للقانون الدولي لمحاربة الارهاب وحماية المدنيين من خطر هذه القذائف، وهو بذلك لا يقتل المدنيين كما يدعي البعض زوراً وبهتاناً، بل من يقتل المدنيين هو من يستخدمهم كدروع بشرية في دوما وفي غيرها من المناطق في سورية.
السيد الرئيس،
من جديد تضمن تقرير الأمين العام المعروض أمامنا عدداً من الفجوات والمغالطات، وقد قمنا بتوجيه رسالتين متطابقتين إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام بهذا الخصوص. ولكنني سأكتفي الآن بالإشارة إلى أن الجانب الأممي قد قدَّمَ 48 طلباً فقط لتسيير قوافل مساعدات، خلال الفترة الممتدةِ من 1 كانون الثاني ولغاية 30 حزيران 2015، وقد مُنحت الموافقة للجانب الأممي على 34 طلباً، وليس على 20 طلباً كما ذكر التقرير، في حين لم ينفذ الجانب الأممي حتى الآن حوالى 10 موافقات على رغم صدور هذه الموافقات في شهري نيسان وحزيران. ونشير هنا إلى أن الحكومة السورية قد وافقت على إدخال مساعدات إغاثية إلى مدينتي حرستا ودوما في ريف دمشق وإلى الفوعة وكفريا في إدلب وإلى كل المناطق التي يضمن الوضع الأمني فيها سلامة العاملين في المجال الإنساني، علماً بأن الحكومة السورية تدرس حالياً الطلبات الموجودة لديها مع الأخذِ في الحسبان اعتباراتٍ عدة في مقدمها الوضع الأمني على الأرض، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها الفعليين، وضمان عدم وقوعها في أيدي الجماعات الإرهابية.
وفي الختام أود أن أشير إلى أنه وبعد زيارة السيد أوبراين إلى سورية، تمت الموافقة على جميع طلبات التأشيرات التي قدمت إلى وزارة الخارجية إضافة إلى طلبات التمديد لجميع إقامات موظفي مكتب الشؤون الإنسانية التابع لمكتب المنسق المقيم.
السيد الرئيس،
لدي ملاحظة ختامية تتعلق بوجود مخالفة قانونية غير مقبولة في تقرير الأمين العام حول تطبيق القرارين 2139 و2165، وهذه المخالفة تتمثل باستخدام التقرير لعبارة «المجموعات المسلحة من غير الدول» لوصف المجموعات المسلحة الإرهابية المصنفة من قبل مجلس الأمن ككيانات إرهابية مثل «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرهما من الفصائل الموالية لهما والمرتبطة بتنظيم القاعدة. فلا يمكن اعتبار الإرهابيين في سورية «مجموعات مسلحة من غير الدول» لأن هذا التعبير حيادي بالمطلق ويخالف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب.
وأود أن أجدد ترحيبنا بالسيد أوبراين وأن أعبر عن استعدادنا لمواصلة العمل معه لتأدية هذه المهمة النبيلة لتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين من شعبنا.