قالت له
قالت له: أراك شديد الحرص على مناقشة الأشياء بجدّية على رغم مرور زمن طويل بيننا، كأننا نتعارف اليوم، أو كأنك قرأت كتاباً جديداً تعلّمت منه الجديد، وجئت تطبّق قواعده علينا. والأرجح أن صديقاً روى لك تخيّلاته عن علاقة حبّ يدّعي أنها الواقع وصدّقت بعدما أعجبت، فصارت المرأة في الحبّ عندك آلة إرضاء للرجل، وكتلة بلا قلب ولا روح، ولا حاجة للدفء والحنان، إنما كفقّاسة البيض، مهمتها الوقوف تأدباً واحتراماً لمقامه الجليل، وإشعاره أنها تموت عند قدمية كلّ حين، والتغزل بأطراف أظافره وقَصّة شعره وعقدة ربطة عنقه، ولون سيارته. وإلا فهي تُهين طقوس الحبّ. فكيف إذا انتقدت بعضها؟
فقال لها: ألا تشعرين أن شحنة الغضب في داخلك نحوي أبعد من مجرّد ما تصفينه بتطلباتي الغريبة؟ وأنّ ما لديك من انتقادات يطاولني من رأسي إلى أخمص قدمي؟ وأن تغزّلي بأظافرك وقَصّة شعرك ولون سيارتك وربطة شالك قد حصل، وهو ما قمتِ باستعارته للتهكم بتساؤلي عن سرّ غيابك المتكرّر عن محاضراتي، وتوقيع ديواني الجديد، وهما عندي وكانا عندك أهمّ من التوصيف بالأظافر وقَصّة الشعر. وكأنك تريدين تأليهاً للأنوثة في الحبّ وتحقيراً للرجل كآلة غزل لم أطلبه. وتتذرّعين به تنصلاً من اهتمام كنت تبدينه وتتمنعين عنه. ما يقول إنّ من تغير هو أنت ومن يتخفّى وراء اللغة العالية يخفي كعباً عالياً، وعندما يصير في الحبّ لأحد الحبيبين علوّ كعب يصير على الآخر أن يربط أزرار الجاكيت، ويستدير وبحزن. أظن أننا نسير على هذا الطريق.
فقالت: المرأة خُلِقت للدلال لا للحساب. والرجل الذي لا يكتفي بالحبّ بمقدار ما يصله يبحث عن آلة. والمرأة خجل وغنج في الحبّ، وعندما تصير تحت الحساب تصير موظفاً في شركة صيرفة. فيحصل الرجل على ما يريد لكن الحبّ يكون قد مات.
فقال: قبل أن يموت الحبّ، وقبل أن نُدخله غرفة العناية، أظن نقاشنا علامة الإصابة بالحمّى. فلندعه يرتاح وبعدئذٍ نسأله إن تعافى. أو نستعدّ لمراسم الدفن. ومضى فبكت وتنهدت وقالت: ربما أنت على حق، لكن الفراق محزن، فلا تظنّ دمعي أكثر من أسف لما كان، لا ندماً على ما سيكون. فقد صرنا ضيفين ثقيلين كحوارات الخصوم في البرامج السياسية. ومضيا يديران ظهريهما، وكلّ في اتجاه يمشي متثاقلاً!