وهم الانتصار…
جمال العفلق
لم يتردّد ما يُسمّى إعلام إعلان «الجزيرة» و«العربية» وتصريحات ما يُسمّى بـ«الائتلاف السوري» من اسطنبول في إطلاق التصريحات تباعاً ومن خلال تصوير مواقع معينة وبتلاعب واضح في زاوية التصوير لا يجيدها إلاّ شخص خبير، كانت تنقل من سجن حلب أو من الزواية التي توحي سيطرة العصابات على موقع السجن، بل زاد الغرق في الوهم والإيهام بأنّ العصابات حرّرت السجناء الذين كانوا فرحين بتحريرهم!
هذه الروايات التي تكرّرت على أسماعنا عشرات المرات، أكد إحداها بيان لما يُسمى بـ«الائتلاف» من خلال نشرته الإعلانية. والغريب في الأمر أنّ «الائتلاف» الذي يقول إنّ «الجيش الحرّ» الذي يُسمّيه بـ«القوة العسكرية للثورة» كان يعلم تماماً أن عملية السيطرة على السجن أو «تحريره» بحسب تعبيرهم يقودها شيشانيّ من الإسلاميين المتشدّدين!
هنا يُفرض سؤال يلحّ على كلّ وطني شريف؟
إذا كان القائد المسؤول عن الاستيلاء على السجن هو شيشانيّ، فما هي علاقته بالثورة وقوى الثورة التي لطالما تشدّق إعلام الائتلاف بأنهم سوريون، ولطالما أنكر الإعلام المعادي لسورية وجودهم، وإذا صادف
أن ألقي القبض على بعضهم، أو قامت مجموعة منهم بقتل مجموعة أخرى تحت اسم الردّة أو الاختلاف على مناطق نفوذ، نُسبت هذه المجموعة على الفور الى النظام!
لو قبلت جدلاً بأنّ هذه المجموعات هي من صنع النظام، فمن يمثل «الائتلاف» إذن؟ وما هي قوته العسكرية على الأرض؟
هذا السؤال الذي بات مكرّراً يقودنا الى سؤال آخر: أيّ جماعات معتدلة تريد الولايات المتحدة دعمها عسكرياً؟
حتى اليوم، المناطق كلّها التي استعادها الجيش لم نر فيها إشارات تدلّ على أنّ ما يُسمّى بـ«الجيش الحر» هو الذي كان يسيطر عليها، بل إنّ بيانات الانسحاب التكتيكي تصدر دوماً باسم كتائب إسلامية تتبع إما لـ«داعش» او لـ«جبهة النصرة» بشكل رئيسي، ولكتائب متفرّقة آخرها كتيبة هذا الشيشاني الذي تعهّد بالسيطرة على سجن حلب، وكانت النتيجة استعادة الجيش السجن، ولم تستسلم حاميته وسطرت أروع صور الصمود والصبر.
اليوم، بعدما رأينا جميعاً فك الحصار عن سجن حلب سنحتاج بالتأكيد إلى سنوات كي نفهم ما حققه أبطال السجن لو أردنا أن نوثق دورهم خلال ثلاثة عشر شهراً.
من المفارقات الجميلة انّ فك الحصار تزامن مع فيتو مزدوج روسي صيني ارتفع في مجلس الأمن في وجه مشروع يؤكد مدى حقد الغرب على الشعب السوري. كانت فرنسا تحلم بأن يُمرّر هذا المشروع الذي يعتقد الحالمون أنه مشروع مثالي لأجل الإنسانية، لكن حقيقته تفيد أنه مجرّد مناورة مكشوفة أراد الغرب من خلالها أن يقدم نفسه على صفحات صحفه وإعلامه وعلى صفحات الصحف الصفراء التي تناولت الخبر على أنه عمل إنساني غربي لحفظ دماء السوريين الذين يُقتلون يومياً برصاص الغرب، من خلال دعم مفضوح لجماعات دموية لا تدرك لماذا تقتل أصلاً، إنما تنفذ ما يُطلب منها…
إنه جزء بسيط من وهم الانتصارات التي تبثها قنوات أمسى الإعلاميون فيها مجرّد ممثلين يؤدّون أداورهم بلا فهم، وبعضهم يعرف تماماً أنه يكذب لكنه يُغرق في التمثيل من خلال برنامجه الأسبوعي الذي يدعي فيه أنه يعبّر عن «الرأي والرأي الآخر»!
هل وصل جمهور «الائتلاف» ـ اذا كان لديه جمهور ـ إلى أنّ كلّ ما كان ينشر من انتصارات هو مجرّد كذب تصنع فبركاته في مكاتب وغرف نوافذها سوداء، وترسل عبر الأثير لتستقرّ في عقول الواهمين بأنّ الجيش السوري يمكن كسره؟
سوريّ مقيم في أبو ظبي
نشر في هذا الحيّز من عدد يوم أمس الثلاثاء مقال الزميل نورالدين الجمال بعنوان: «زيارة كيري ودلالات التوقيت»، ولكن بتوقيع آخر نتيجة خطأ تقني، لذا اقتضى التصويب والاعتذار.