هل يتمدّد التعطيل من المجلس إلى الحكومة؟

هتاف دهام

تدور سلسلة الرتب والرواتب في حلقة مفرغة. لا مؤشرات توحي بإقرارها في الأمد القريب، لا سيما أنّ المسألة ليست في الأرقام والنفقات والإيرادات، إنما تكمن في التجاذبات السياسية الحاصلة، والتي يبدو أنها لن تنتهي إلا مع انتخاب رئيس للجمهورية.

يتحيّن فريق 14 آذار أن تسنح له الفرصة لتعطيل عمل المجلس النيابي. بعد استقالة الرئيس نجيب ميقاتي هرع هذا الفريق إلى مقاطعة المجلس بحجة أنّ الحكومة حكومة تصريف أعمال، وها هم اليوم يقاطعون بحجة الشغور الرئاسي الذين يتحمّلون في الدرجة الأولى مسؤوليته، غير آبهين أنّ تعطيل المجلس سيعقبه تعطيل لحكومة المصلحة الوطنية التي حظيت بموافقة الكتل الاساسية. قرّروا تعطيل المجلس مهما كلف الأمر.

لم يفاجئ عدم انعقاد جلسة مناقشة وإقرار سلسلة الرتب والرواتب أحداً ممّن تكبّد عناء الحضور الى المجلس النيابي باكراً، وممّن قاطع وامتنع عن الحضور إلى المجلس بداعي عدم إقرار السلسلة.

إقرار السلسلة لم يكن وارداً في حسبان أحد. إذ حضر إلى الجلسة أمس 55 نائباً من الوفاء للمقاومة، التحرير والتنمية، التغيير والإصلاح، الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب البعث العربي الاشتراكي، واللقاء الديمقراطي، والنائب نقولا فتوش.

ارتأى النائب وليد جنبلاط أمس عدم الحضور، موفداً 4 من نواب اللقاء الديمقراطي، ومستخدماً وسطيته في السلسلة أيضاً، لجهة عدم حضور كامل أعضاء كتلته، فيما كانت مشاركة لافتة للنائبة بهية الحريري التي خرجت عن إجماع كتلتها، لجهة تأييدها إقرار السلسلة وإعطاء الأساتذة حقوقهم والدرجات الست مع التقسيط، وكان لافتاً أكثر تصريحها حين نفت علمها بما قرّرته كتلة المستقبل أول أمس قائلة: «إنها لم تحضر اجتماع الكتلة». دخلت الحريري إلى القاعة ثمّ غادرتها فور فقدان النصاب، كحال المرشح للرئاسة هنري حلو. حضر أيضاً النائب روبير غانم فقط ليؤكد أنه لا يجوز إقفال باب المجلس النيابي، وأنه لن يشارك في الجلسة لأن السلسلة خطرة وتتطلب إجماعاً وطنياً لأنّ نتائجها قد تكون كارثية.

جلسة الأمس تمايزت عن الجلسات السابقة لجهة أنّ رئيس المجلس نبيه بري دخل إلى القاعة العامة على رغم عدم اكتمال النصاب، بعكس المرات السابقة، ربما لإدراكه أنّ ما يجري يستهدف تعطيل المجلس، لا سيما أنّ النقاش الذي دار أول أمس مع الرئيس فؤاد السنيورة والنائب بهية الحريري، قدم رئيس المجلس خلاله تصوراً شاملاً عن الواردات، ولمزيد من الاحتياط وافق الرئيس بري على حسم 10 في المئة من قيمة السلسلة، وعلى رغم ذلك خرج رئيس كتلة المستقبل وشن هجوماً على السلسلة التي لا يريد إقرارها، من دون إعطاء موقف واضح من مشاركته أمس.

وأكد رئيس المجلس من القاعة العامة أنّ رئاسة المجلس هي أول من حافظت على الميثاقية وليست في حاجة إلى دروس من أحد، معتبراً انّ الهدف الأول والأخير انتخاب رئيس ولكنه لا يمرّ على «جثث» المؤسسات الأخرى.

وإذا كانت الجلسة أظهرت عمق الأزمة والمشكلة الحاصلة، فإنّ أداء 14 آذار يطرح عدة أسئلة: هل هذا الأداء بتعطيل المؤسسات سيعجّل بانتخاب رئيس للجمهورية؟ أم سيساهم في المزيد من التأزم مع الحديث عن بداية انهيار في النظام السياسي؟ هل سيُسهّل ذلك من إجراء الانتخابات النيابية؟ أم سيجعل التمديد أمراً واقعاً؟

طارت السلسلة بخلفية سياسية إلى حين. طُيّرت على رغم التوازن بين النفقات والواردات، ففيما تكاليفها تقارب الـ2100 مليار ليرة، فإنّ الواردات المتاحة هي في حدود 1352 مليار ليرة، أضيفت اليها امكانية تأمين حوالى 400 مليار ليرة على الأقل من خلال زيادة التعرفة على الكهرباء فوق الـ500 كيلوات، و5 في المئة TVAعلى السلع الكمالية، زيادة بعض الضرائب والرسوم على الاملاك البحرية وتسوية مخالفات البناء.

كرة النار

الجلسة التي لم تعقد رمت كرة النار في أيدي وزير التربية الياس بو صعب الذي توجه إليه رئيس المجلس بالقول: «إنّ الامتحانات الرسمية لا تسير بهذه الطريقة التي تقومون بها، وانتبهوا أن تذهبوا بالبلد الى نقطة اللاعودة». وضع الجميع بو صعب في «بوز المدفع» مع هيئة التنسيق النقابية. بدا كلام الرئيس بري لبو صعب وكأنه رفع غطاء عنه أمام هيئة التنسيق. رفع بري الجلسة إلى الخميس في 19 من الشهر الجاري، ودخل الى مكتبه الذي تحوّل إلى خلية نحل، والتقى وزير التربية بحضور وزير المال علي حسن خليل. جرى نقاش حول الكلام الذي أدلى به بري في القاعة العامة، فأوضح رئيس المجلس لبو صعب موقفه لجهة أن تُجرى الامتحانات الرسمية بطريقة جدية وغير مشكوك بها، ففشل الامتحانات الرسمية في مركز واحد يعني فشلها في كلّ لبنان، وتمّ الاتفاق على ان يواظب بو صعب على إجراء الاتصالات مع هيئة التنسيق لإجراء الامتحانات يتولى أساتذة مراقبتها من دون أن يكون هناك خلل. اللقاء أعقبه تصريح لوزير المال علي حسن خليل كان بمثابة دفع لوزير التربية بعدما فهم كلام بري بطريقة مغلوطة، أكد فيه أنّ رئيس مجلس النواب يرفض إحداث أي خدش في صدقية الامتحانات الرسمية. ورأى أنّ الأهمّ هو مصلحة الطلاب وسمعة الشهادات الرسمية.

في اللقاء لم يتراجع بو صعب عن موقفه لجهة إجراء الامتحانات في موعدها الخميس المقبل. رفض وزير تكتل التغيير والاصلاح تأجيل الامتحانات واعتبر في تصريح له أنّ حلّ إقرار سلسلة الرتب والرواتب يتمّ بالسياسة وعلى الجميع التفاهم على مخرج.

يوازي بو صعب بين مطالب هيئة التنسيق ومصلحة الطلاب، كثف في الساعات الماضية من اتصالاته للوصول إلى حلّ لا سيما انّ الرئيس بري أكد له في اللقاء انه لن يتصل بأحد من هيئة التنسيق وأنّ عليه هو القيام بذلك. ولما كان التفاوض مع هيئة التنسيق لم يفضِ الى توافق في شأن تأجيل الامتحانات يومين، حيث بقيَ الوزير مصراً على موقفه، أجرى رئيس مجلس النواب نبيه بري اتصالين بالوزير بو صعب، إلا أنّ الأخير بقي متشبثاً برأيه، إلى أن عاد ووافق على التأجيل يوماً واحداً بناء على طلب هيئة التنسيق التي كانت قد اتخذت موقفا بالإضراب يوم غد الخميس.

وإذا كانت الامتحانات الرسمية خطفت الأضواء، فإنّ النواب الذين سارعوا إلى الاستعراض السياسي والمزايدات السياسية لجهة أهمية إقرار السلسلة بطريقة متوازنة وضرورة إجراء الامتحانات في موعدها إنقاذاً للطلاب. لم يمرّ تصريح للنواب الذين تعاقبوا على الكلام من دون استبدال كلمة الامتحانات بالانتخابات، باتوا وكأنهم يهلوسون بالانتخابات الرئاسية، بحيث تغلب لديهم العقل الباطني.

الحكومة ترمي الكرة على الآخرين

حضر نواب المستقبل أمس جمال الجراح، غازي يوسف، أحمد فتفت والنائب القواتي انطوان زهرا الى المجلس النيابي لعقد مؤتمر صحافي، في محاولة تبريرية لمقاطعتهم المتعمّدة للجلسة، مشيرين إلى أنّ وزير المال رفض الجلوس معهم ولم يعطِ الأرقام الصحيحة. وأشار يوسف الى أنّ «الحكومة تحمّل النواب مسؤولية الوصول الى القرار في السلسلة كمن يرمي كرة النار على الآخرين».

ضارباً عرض الحائط التوازن بين النفقات والواردات الحاصل، رأى الجراح «أنّ أرقام السلسلة غير عادلة وتؤثر في شكل سلبي في عدد كبير من اللبنانيين مما يزيد التضخم في لبنان ما ينعكس سلباً على النمو الاقتصادي».

إصرار من المستقبل على قلب الحقائق

في المقابل، رأى وزير المال علي حسن خليل أنّ مقاطعة الجلسة لا تستهدف فقط السلسلة بل تعطيل المجلس النيابي، واعتبر أنّ بعض زملائه يصرّون على قلب الحقائق ويتحدثون أمام الإعلام عكس ما يتحدثون عنه في الدوائر المغلقة. وشدّد خليل على استعداده لمناقشة الأرقام بالتقصيل، لافتاً الى أنه لن يقبل أي صيغة لا تؤمّن توازناً مالياً بين الواردات والنفقات.

ولفت خليل الى تعاطيه الجدي والمسؤول للوصول الى تغطية متوازنة للسلسلة نافياً رفضه الجلوس مع أحد، وأكد أنّ «الأرقام التي طرحها شفافة وتعكس الوضع بين النفقات والواردات».

وردّ خليل على كلام نواب المستقبل بشأن الموازنة العامة التي تسجل وفقاً للتقديرات عجزاً بقيمة 7669 مليار ليرة لبنانية، فأشار إلى «أنّ العجز الأساسي هو في تغطية كلفة الدين وتراكم القرارات على عقود من الزمن».

كيف يمكن خصخصة الجيش؟

واعتبر رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان «انّ المشكلة ليست مشكلة أرقام بل مشكلة خيارات، فإما ان نحرص على كادر بشري في الدولة وإما أن نرفضه ونذهب إلى أساليب أخرى ومنها الخصخصة، لكن ليس على حساب الدولة اللبنانية. فكيف يمكن خصخصة الجيش، ومن هو المسؤول عن مؤشر التضخم إلى 121 في المئة، أليست السلطة التنفيذية؟ أم انّ المسؤول هو المواطن اللبناني»!

وأكد النائب نبيل نقولا «انّ جميع الاتهامات التي توجّه إلينا خصوصاً من قبل هيئة التنسيق النقابية وعلى رأسها حنا غريب ونعمة محفوض هي اتهامات مرفوضة ولن نقبل بها»، مشدّداً على «أننا مع إجراء الامتحانات الرسمية في مواعيدها التي أعلنت عنها وزارة التربية يوم الخميس المقبل». وأوضح نقولا «ان توقيف مرفق عام في هذا الشكل أمر غير مقبول والطلاب ليسوا لعبة ورهينة بين يدي غريب ومحفوض».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى