معارك «عين الحلوة»… سيناريو «يرموك لبناني»!

يوسف الصايغ

هدوء مشوب بالحذر يعيشه مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، بعد جولة القتال الأخيرة قبل أيام، إذ لم يصمد اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمّ التوصل إليه في وقت سابق، ما يثير المخاوف من تكرار سيناريو انهيار الاتفاق الحالي، وعودة المواجهات، في ظلّ معلومات تؤكد أنّ ما يجري في المخيم ليس مجرد اشتباكات شبيهة بما كان يحصل من جولات اقتتال على مدى الأشهر السابقة، إنما مدخل للسيناريو المرسوم للمخيم بضوء أخضر من جهات إقليمية داعمة للمجموعات التكفيرية داخل عين الحلوة، والتي كانت بمثابة خلايا نائمة في انتظار تلقيها إشارة البدء بتنقيذ الخطة المرسومة لها، لتهجير أبناء المخيم أسوة بما حصل في مخيم اليرموك في دمشق. ما يشكل محاولة لتصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة من جهة، وتحويل المخيم إلى بؤرة للمجموعات الإرهابية من جهة ثانية.

تشير مصادر قيادية في القوى الإسلامية الموجودة داخل مخيم عين الحلوة لـ«البناء» إلى أنّ موقف حركة فتح ضبابي إزاء ما يحصل مؤخراً داخل المخيم من تطورات أمنية منذ اغتيال أبو طلال الأردني. وتلفت إلى أنّ اللقاء الأخير بين القوى الإسلامية و«فتح» أثمر عن اتفاقات جيدة. وتؤكد المصادر عدم وجود أيّ مشروع إسلامي داخل المخيم، لا سيما بالنسبة إلى القوتين الأساسيتين على مستوى «عصبة الأنصار» و«الحركة الإسلامية المجاهدة»، «لا بل يعمل الجانبان على حفظ أمن المخيم ومنع أيّ انفلات أمني، وهو ليس لمصلحتنا كقوى إسلامية».

وإذ تلفت المصادر إلى أنها اعترفت بشرعية «فتح» خلال اجتماع في السفارة الفلسطينية قبل مدة، خصوصاً انها جهة معترف بها دولياً، تنفي ما يُحكى عن مشروع لطرد «فتح» من المخيم، وتجدّد تأكيدها أنّ اغتيال أبي طلال الأردني يعتبر جريمة بكافة المقاييس، وهو مُدان من قبل الحالة الإسلامية داخل المخيم. وحول الربط بين الأحداث داخل المخيم وبين توقيف الإرهابي أحمد الأسير، تؤكد المصادر أنها نأت بنفسها منذ البداية عن الارتباط بالأسير ومشروعه. وعند اندلاع أحداث عبرا التزمت القوى الإسلامية داخل عين الحلوة الحياد. وتختم المصادر مؤكدة لـ«البناء» أنها على تنسيق تام مع الأجهزة الأمنية اللبنانية، لا سيما مع استخبارات الجيش اللبناني.

من ناحيته، يرى مسؤول «الجماعة الإسلامية» في منطقة صيدا بسام حمود في تصريح لـ«البناء» أنّ مشروع إنهاء القضية الفلسطينية يمثل العنوان العريض لما يحدث في مخيم عين الحلوة. والذي بدأ منذ أحداث نهر البارد مروراً بمخيم اليرموك وحالياً في عين الحلوة. وفي المقابل يرفض ربط ما يحصل في المخيم بعملية توقيف أحمد الأسير من قبل أحد الأجهزة الأمنية التابعة للدولة اللبنانية.

وعلى صعيد ما يحكى عن وجود مخطط للجماعات التكفيرية داخل المخيم للسيطرة عليه، يعتبر حمود أنّ هناك تضخيماً إعلامياً للأمور، والوضع داخل عين الحلوة ليس كما يصوّره البعض، «لكننا لا ننفي وجود جماعات متفلتة داخل المخيم لكنها تابعة لكافة القوى والفصائل وليست محصورة بالقوى الإسلامية فقط، وهذه المجموعات تنفّذ أجندات معينة خدمة لجهات معروفة».

كذلك يرفض مسؤول الجماعة في صيدا ما يشاع بأنّ أحداث عين الحلوة هي ردّ على إنجازات المقاومة، لا سيما على صعيد معارك الزبداني الأخيرة، ويدرجها في سياق «الإشاعات اللبنانية» بحسب وصفه. معتبراً أنّ الموضوع بعيد كلّ البعد عن هذا السيناريو. مجدّداً التأكيد أنّ ضرب القضية الفلسطينية هو العنوان الأساسي لأحداث عين الحلوة. داعياً أصحاب العقول النيّرة إلى وأد الفتنة الحاصلة.

في سياق متصل، يعتبر أمين سرّ لجنة المتابعة الفلسطينية عبد مقدح في حديثه لـ«البناء» أنّ الاقتتال داخل المخيم جريمة كبرى. وما حصل مؤخراً من مسلسل اغتيالات أو محاولات اغتيال لعدد من الكوادر مرفوض ومستنكر. «لكننا نرفض في المقابل الردّ على الاغتيالات بشكل عشوائي عبر قصف الأحياء والمدنيين وتهجيرهم من منازلهم، فذلك لا يصبّ الا في خدمة العدو الصهيوني».

ويلفت إلى أنّ لجنة المتابعة اتفقت مؤخراً على نشر قوة أمنية في الأحياء التي شهدت مواجهات مسلحة في محاولة لإعادة الهدوء والأمن. لكن التطورات الأمنية أدّت إلى تجدّد المواجهات بين فتح والقوى الإسلامية.

وحول الهدف من مواجهات عين الحلوة يرى مقدح انها مرتبطة بما حصل في مخيمي البارد واليرموك في سياق تصفية حق العودة، من خلال استهداف عاصمة الشتات في عين الحلوة، ويتابع: «هذا مرتبط بمسألة سياسية كبيرة جداً، لذلك كلّ من يقصف المخيم ويهجّر أبناءه يخدم مشروع تصفية القضية الفلسطينية».

ويختم مقدح مؤكداً أنّ القوى الإسلامية داخل المخيم جزء من لجان المتابعة على الصعيدين السياسي والأمني التي تضمّ 17 فصيلاً، لكن هناك أطرافاً في القوى الإسلامية وفي حركة فتح لا تصغي لأحد وتتصرف بشكل غير مسؤول.

وعتبر رئيس بلدية صيدا السابق الدكتور عبد الرحمن البزري في تصريح لـ«البناء» أنّ الاشتباكات التي يشهدها مخيم عين الحلوة إنما تستهدف بالدرجة الأولى حق اللجوء، فالمخيم بات يشكل العنوان الأول لحق العودة على صعيد كافة الدول المحيطة بفلسطين المحتلة بعد القضاء على المخيم الرمز في اليرموك، وبالتالي أيّ محاولة للقضاء على عين الحلوة هو عامل خطير على مستوى القضية الفلسطينية وتحويل أبناء المخيم إلى مجموعة سكان يفتقدون قضيتهم الأساسية المتمثلة بحق العودة إلى الأراضي المحتلة، إذ يستفيد العدو حالياً من الصراع العربي ـ العربي من أجل شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين، في ظلّ انقسام العالم العربي إلى معسكرات متقاتلة مع بعضها.

من جهة ثانية، يلفت البزري إلى انعكاسات أحداث عين الحلوة على مدينة صيدا وجوارها. ويعتبر أنّ صيدا ستمنع تصفية عين الحلوة لأنه أمانة في أعناق أبنائها، وهناك خشية من اتساع رقعة المواجهات بحيث تطاول طريق الجنوب الذي يعتبر الطريق الوحيد المؤدّي إلى فلسطين المحتلة عبر جنوب لبنان. وبالتالي هذا يعتبر هدفاً استراتيجياً، والخطر يكمن في أن تطاول المواجهات داخل المخيم صيدا والجوار، مؤكداً أنّ مدينة صيدا تعتبر صمام أمان للقضية الفلسطينية، وهذا من الإرث التاريخي والسياسي لها، فهي عاصمة المقاومة وممرّ إلزامي إلى جنوب لبنان، ومنه إلى فلسطين المحتلة.

تشير مصادر إلى أنّ المخطط المرسوم للمخيم بدأ مع عملية اغتيال أبي طلال الأردني قبل حوالى شهر، ومحاولة استكماله مؤخراً بمحاولة اغتيال مسؤول الأمن الفلسطيني في صيدا العقيد أبو أشرف العرموشي، وسيطرة التكفيريين على «حي حطين» بعد طرد عناصر الأمن الوطني الفلسطيني منه، وهو ما يشير بوضوح إلى التحضير للمرحلة المقبلة من التصعيد الأمني داخل المخيم. إذ تسعى المجموعات التكفيرية إلى بسط سيطرتها على الأحياء داخل عين الحلوة وانتزاع السيطرة عليها من يد القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة.

في سياق الحديث عن المخطط المرسوم لمخيم عين الحلوة، تلفت معلومات إلى أنّ أجزاء كبيرة من المخيم وأحيائه خرجت عن سيطرة القوة الأمنية المشتركة، التي لم تعد قادرة على الصمود في مواجهة الجماعات التكفيرية التي نجحت في إمساك زمام الأمور الأمنية والعسكرية، داخل أحد أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان الذي يقع على تخوم عاصمة الجنوب صيدا.

وفي هذا الإطار، تفيد مصادر عن مخطط للزجّ بصيدا ومحيطها في النفق الأمني على غرار ما حصل في طرابلس وعرسال. ويندرج ذلك في سياق خطة الجماعات الإرهابية القاضية بنقل مشروع «الإمارة الإسلامية» المزعوم في لبنان من عاصمة الشمال طرابلس إلى عاصمة الجنوب صيدا.

المخطط السابق ذكره والذي تقوم بتنفيذه المجموعات التكفيرية داخل المخيم تحرّكه جهات إقليمية مسؤولة مباشرة عن تحريك المجموعات الإرهابية بحسب ما تشير المصادر. وتُدرج ذلك في سياق محاولة تلك الجهات استيعاب الصدمة بعد سلسلة الخسائر التي مُنيت بها مؤخراً على أكثر من مستوى. إنْ على الصعيد الميداني حيث نجحت المقاومة في تحقيق إنجاز أمني جديد على جبهة الزبداني، أو على مستوى الإنجازات الأمنية النوعية للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية في حربها ضدّ الخلايا التكفيرية، والتي تكللت بالصيد الثمين عبر إلقاء القبض على الإرهابي أحمد الأسير.

ما سبق ذكره يدقّ ناقوس الخطر من إمكانية أن يتحوّل عين الحلوة إلى «يرموك لبناني»، بحيث يصبح بؤرة إرهابية تستخدمه الجهات الإقليمية المتضرّرة من الإنجازات الأمنية والعسكرية لاستهداف الاستقرار أمن لبنان وبيئة المقاومة في آن معاً، خصوصاً أنّ مخيم عين الحلوة يشكل نقطة استراتيجة على مدخل عاصمة الجنوب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى