سباق بين بدء الحلّ بانتخاب رئيس أم بقانون انتخابي نسبي؟
يوسف المصري
يشهد لبنان خلال الشهر الجاري أيلول سباقاً محموماً بين أجندتين اثنتين، تحاول كلّ منهما وضع حصانها أمام عربة مشروع حلّ الأزمة في البلد:
الأولى يمثلها الحراك الشعبي وتريد بدفع من هيئات يسارية داخله وشخصيات سياسية وفدت إليه أخيراً، جعل نقطة بداية الحلّ إنتاج قانون انتخابي جديد على أساس النسبية ولبنان دائرة واحدة أو أقله المحافظات.
وتراهن هذه القوى على أنه في حال حصلت الانتخابات وفق هذا القانون الانتخابي وفي ظلّ صعود مناخ الحراك الشعبي، فإنها ستنجح في حصد مقاعد نيابية تمكنها من خوض معركة التغيير من داخل النظام اللبناني.
الأجندة الثانية تتوخى الحذر في الاقتراب من عناوين التغيير، وبشكل خاص، تريد أن يتمّ رسم خريطة طريق للتغيير تمرّ في قنوات المؤسسات وعلى نحو يتجنّب الفراغ. وعليه تطرح هذه القوى التي هي عبارة عن أحزاب داخل الحكومة السلامية، أولوية انتخاب رئيس جمهورية كمدخل لبدء عملية الحلّ في لبنان.
منذ مساء هذا اليوم وهو موعد انتهاء مهلة الـ72 ساعة لتحقيق مطالب بيان الحراك الذي أعلن من ساحة الشهداء السبت الماضي، سيبدأ السباق السياسي الماراتوني بين هاتين الأجندتين، حيث تتحذ الأولى من ساحة الشهداء مركزاً لها ولتجمّعها الشعبي الذي ستعلنه مفتوحاً رداً على عدم تلبية مطالبها الثلاثة، وأيضاً واستطراداً إلحاق وزارتي البيئة والداخلية بساحة الشهداء كهدفين يتمّ تسيير تظاهرات واعتصامات إلى باحاتهما.
ويقع مركز الأجندة الثانية في البرلمان اللبناني الذي يفترض أن يفتح أبوابه في الأيام العشرة الأولى من هذا الشهر ليس لتشريع الضرورة بل لبحث حلول الضرورة.
ولكن المأمول الآن هو أن تتكامل هاتان الساحتان، ساحة حراك الضرورة لوقف معاناة الناس، وساحة برلمان الضرورة لإنتاج حلّ لأزمة النظام والنَّاس.
وتفيد معلومات أنّ «سعاة خير» تبرّعوا للسعي بين ساحتي الناس ونوابهم ساحة الشهداء وساحة النجمة لإنتاج تكامل أو أقله تفاهم بين الديناميتين المرشحتين للتفاعل فيهما خلال الأيام العشرة المقبلة. وليس واضحاً حتى الآن ما إذا كانت هذه المساعي ستنجح، نظراً إلى وجود صعوبات تواجهها أبرزها أنّ الحراك لا يملك عنواناً واضحاً للتوجه إليه لحواره، فالناطق المعتمد باسمه هو مناخه، وعليه قد يكون المطلوب هو اتخاذ خطوات سياسية من قبل الحكومة لإشعار هذا المناخ بشيء من الرضى، ومن ثم تسييل ذلك في جعله أي مناخ الحراك يمنح حوار مجلس النواب فرصة للنجاح.
الصعوبة الثانية تتمثل في التعقيدات السياسية الموجودة داخل ساحات الحكومة السلامية، إذ لا توجد رؤية موحدة لكيفية الخروج من اختلافات المرحلة السابقة لهبة الشارع على نحو يراعي ضرورة التعاطي معها وفق المناخ الجديد الذي يسود البلد. وحتى الآن لم تصدر عن أطراف الحكومة السلامية، وبخاصة المطلوب منها «تنازلات»، أي إشارات توحي بأنها أجرت أيّ تقويم جديد للوضع من قبيل أنه يجب التراجع عن التعنّت لمنع جعل الشارع يقود البلد والدولة والحكومة، ولإنقاذ مؤسسات الدولة لكي تعاود العمل وفق معايير الشراكة الحقيقية وليس وفق معايير اغتصابها.
وتتحدّث معلومات وصلت إلى بيروت من الخارج أنّ الحراك الشعبي لفت أنظار المجتمع الدولي إلى لبنان انطلاقاً من زوايا جديدة أضافها إلى زوايا الحفاظ على الحدّ الأدنى من استقراره الأمني والسياسي. وجديد هذه الزوايا يتحدث عن «انتخاب رئيس جمهورية الآن»، لأنّ بلد الأرز أصبح بحاجة ضمن ظروفه الجديدة إلى البدء «من مكان ما» بمعالجة وضعه ووقف تردّي استقراره الذي دخل فيه التوتر الاجتماعي مع توترات أمنية فلسطينية في عين الحلوة وسياسية في مجلسي النواب والوزراء وكلام مستجدّ عن توتر مالي كثر التلميح إليه في الآونة الأخيرة خلال لقاءات سفراء دوليين مع مراجع سياسية لبنانية.