التشكيليّ أكسم السلّوم: الفنّ حاجة وحياة وليس للتزيين في الصالونات المترفة

محمد سمير طحّان

يشبّه التشكيليّ أكسم السلوم علاقته بالرسم والنحت بعلاقة الجنين بأمّه. فمنها يستمدّ القدرة على الحياة منذ طفولته، إذ بدأت مداركه الفنية تتفتح مع الرسم، ثمّ أخذ يكتشف النحت، ومذّاك وهو في حالة عمل يوميّ دائم بين الرسم والنحت المرتبطين لديه بالزمان والمكان، واللذين لا ينفصلان عن بعضهما لديه، فأن يكون النحات ماهراً عليه أن يكون رساماً جيداً.

وعن علاقته بفنَّي الرسم والنحت معاً يقول التشكيلي السلوم: أنا في حالة عمل دائمة وأحضّر حالياً لمعرض يضمّ أعمالاً منوّعة بين النحت والرسم معاً. مشيراً إلى أنه يعمل أيضاً على مشروع بشكل جدّي يتمثل بالبحث عن المواهب الفنية الشابة في الرسم والنحت والموسيقى ومساعدتها وتوجيهها وتشجيعها للوصول إلى الطريق الصحيح، بما يستطيع تقديمه من مساعدة في هذا المجال.

ويعتمد السلوم في عمله النحتيّ على غالبية الخامات المستخدمة كالخشب والحجر والرخام والبرونز وغيرها، ولكن الخشب هو الأقرب إلى روحه. كما أنّه يقدم أعمالاً بكل الأساليب الفنية كالواقعية والتعبيرية والتجريدية، مبّيناً أنه يخلق حواراً مع الخامة التي ينوي التعامل معها، ليقوده هذا الحوار إلى الأسلوب الفني الأنسب لها للخروج منها بعمل فنّي إبداعي يحمل رسالته التي يريد إيصالها. فالخامة شريكته في العمل الفني ولا يمكنه أن يقرّر مصيرها وحده من دون مساعدتها.

ويرى السلوم أن الأزمة التي نعيشها تركت آثاراً سلبية على كل السوريين من جميع النواحي. أما بالنسبة إليه كفنان، فيقول: وضعت نفسي في بوتقة الحرب الدائرة وتقمّصت شخصية الجنديّ السوري المحارب دفاعاً عن أرض وطنه. فالجميع يجب أن يدافعوا عن هذا الوطن وهذه الأرض، كلّ بأدواته التي يحملها. فالجنديّ يدافع بسلاحه والأديب والشاعر والإعلامي بأقلامهم، والموسيقيّ بآلته الموسيقية، وكذلك النحات بأدواته والرسّام بألوانه.

ازداد عمل التشكيليّ السلوم خلال سنوات الأزمة، وصار إنتاجه الفنّي أكبر في الرسم والنحت. فهذه الأزمة أعطته دافعاً قوياً على الصعيدين النفسي والعملي ليعمل أكثر ويقدّم أعمالاً بسويّة فنية أعلى وبمسؤولية أكبر، من دون أيّ اكتراث بالمردود المادي المتواضع من جرّاء ما يقدّمه من أعمال فنية.

يلفت السلوم إلى أنه لم يكن في يوم من الأيام هناك سوق للعمل الفني لدينا. مشيراً إلى أنّ ما حصل في سنوات ما قبل الأزمة، أن بعض الصالات الفنية التي لم تكن كافية من حيث العدد أصلاً لتسويق الإنتاج التشكيلي السوري الكبير، أخذت ترفع أسعار الأعمال الفنية لبعض الفنانين، متّبعة أسلوب الانتقائية والمحسوبية والشللية والمصالح الفردية الضيقة، إلى جانب لهوج بعض الصالات وراء الكسب المادي من دون أيّ اعتبارات أخرى. مشيراً إلى وجود عدد قليل من الصالات الفنية الخاصة التي تعاملت مع الفنّ السوري باحترام، وتتيح للفنان بيع أعماله بشكل محدود.

ويؤكد التشكيلي السلوم أن اتحاد التشكيليين بحاجة إلى إعادة النظر في دوره في رعاية التشكيليين السوريين وحمايتهم، وتقديم الدعمين المادي والمعنوي لهم ليبدعوا وينتجوا أعمالاً فنية أكثر، إلى جانب ضرورة تفعيل دور وزارة الثقافة بشكل أكبر في رعاية الفنانين التشكيليين ودعمهم عبر فعاليات وأنشطة تتجاوز معرضَي الربيع والخريف السنويين. لافتاً إلى أن على المجتمع السوري ككل أن يعي أهمية الفنون في حياتنا وجعلها من أولوياتنا، لأن الفنّ حاجة وحياة وليس للتزيين في الصالونات المترفة. فهو كالخبز يجب أن نربّي أطفالنا عليه لنصنع مجتمعاً متحضّراً ومثقّفاً وراقياً وصولاً إلى إقامة وزارة خاصة لكلّ نوع من أنواع الفنون.

ويقول السلوم: لا دور فعّالاً للفاعليات الأهلية والقطاع الخاص في مجال دعم الفن التشكيلي السوري. إلا في حالات فردية وقليلة. وهذا ينبّه إلى ضرورة تحويل الحركة التشكيلية السورية إلى صناعة وطنية كصناعة الدراما، وتجاوز الفردية في دعم الفنّ التشكيلي لأغراض شخصية لتكون مشروعاً وطنياً جماعياً يصبّ في المصلحة العامة.

يعتبر السلوم أن كل أعماله الفنية سواء كانت لوحات أو أعمالاً نحتية، هي جزء من روحه تمثله كما يمثلها. مشيراً إلى أنّ لديه عملاً نحتياً له مكانة كبيرة في نفسه وهو موجود في قلب البحر في مدينة اللاذقية عند منتجع «الشاطئ الأزرق»، ويحتاج الوصول إليه للسباحة أكثر من 150 متراً، ويمثّل حورية البحر، إضافة إلى عمل نحتيّ آخر في لبنان في متحف الهواء الطلق في عالية.

ويعيد النحات السلوم توجّه معظم الفنانين الشباب نحو الحداثة في الفنّ إلى تراكم المعلومات المحيطة بهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل الإعلامية التي تروّج لهذه الأساليب الفنية، وما يقدّم عبرها من أعمال فنية. مشيراً إلى أنه يجب على الفنان العمل الدائم والتجريب المستمر للوصول إلى القناعة الشخصية والبصمة الفنية الخاصة.

وحول الهوية الثقافية للتشكيل السوري، يوضح السلوم أن لا هوية في الفنّ التشكيلي بحسب الانتماء الثقافي والمكاني، لأن الفنّ التشكيلي بحر من الإحساس يغوص فيه المشاهد كمن يبحث عن جوهرة. فالإحساس لا هوية له.

وختم السلوم بالتعبير عن تفاؤله بمستقبل التشكيل السوري قائلاً إن الشعب السوري قادر على تجاوز كلّ الصعاب والوصول إلى المستقبل الأجمل الذي يليق بتاريخ سورية وحضارتها ومثقّفيها ومبدعيها.

يذكر أنّ الفنان أكسم السلوم من مواليد اللاذقية عام 1967، وهو خرّيج كلّية الفنون الجميلة قسم النحت عام 1992، وعضو في اتحاد التشكيليين السوريين. أشرف وشارك في عدد من الملتقيات النحتية داخل سورية، وله مشاركات في عدد من الملتقيات النحتية خارج سورية. وفاز بالجائزة الأولى في مسابقة النُّصب التذكاري للرئيس الخالد حافظ الأسد في طرطوس عام 1999. وله أعمال نحتية نصبية عدّة موزّعة في عدة محافظات سورية، وأعماله الفنية مقتناة داخل سورية وخارجها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى