العالم يُرخي لحيته لنتائج الثالث من حزيران السوري
محمد أحمد الروسان
مهّدت للثالث من حزيران الجاري وقادته على نحو رئيسي استعادة الجيش العربي السوري المبادرة العسكرية على أرض الميدان وفي معظم الجغرافيا السورية، فالصوت الأهم كان له إلى جانب صوته في الاقتراع العام هو صوت الميدان العسكري العملياتي، مسنوداً من قبل تماسك القطاع العام في الدولة واستمراره في تقديم الخدمات، وتماسك الجسم الدبلوماسي في الخارج، وحرفية مجتمع الاستخبارات السورية، واقتران السياسي بالأمني، والعسكري بالاقتصادي، والثقافي بالفكري، والرصد والخلق، لضرورات التنسيق معه من قبل الطرف الثالث بالحدث السوري، لمواجهة الإرهاب المصنّع بفتح الشدّة على النون في متاجر الاستخبارات الدولية، والمدخل من قبل هذا الطرف الثالث المصنّع بكسر الشدّة على النون ودول الجوار السوري المساهم، بشكل أو بآخر وعلى مدى ثلاث سنوات وحتّى اللحظة، وإسناد الحلفاء والأصدقاء للدولة الوطنية في دمشق، وقبل ذلك كلّه الإرادة السياسية والشعبية مع التوظيفات السابقة على نحو علمي مدروس، وتعاظم وطنية السوريين بشكل أفقي وعمودي وبعمق، وبقاء الرئيس الأسد في حضن ديكتاتورية جغرافيته السورية ولم يغادر وصمد، فخرج الأسد بصورته الثالثة للتأسيس للجمهورية الثانية محصّناً بصناديق الاقتراع ونتائجها التي سيرخي العالم أجمع لحيته لها بشكل متدرج، شاء أم أبى.
شاركت حلب بجزئها الغربي في الانتخابات الرئاسية ومن نزح إليها من الجزء الشرقي، والعمل جار على استعادة الأخير من قبضة الإرهاب المدخل وسيطرته، والنسيج الاجتماعي والاقتصادي صار في حكم البدء في خلقه في الغرب الحلبي، لاستعادة الدور المفقود لعاصمة الاقتصاد السوري وعصبياتها واستعادتها من مجتمع الاستخبارات التركية وأدواتها من الميليشيات العسكرية الارهابية.
لأنّ حمص ومجالها الحيوي القديم يشكلان الوسط السوري، بل قلب المنطقة الوسطى التي لا تقترع سورية من دونها ولا تحكم أيضاً، شاركت بعد استعادتها عسكريّاً وعبر المصالحات الاستراتيجية التي تنتهجها نواة الدولة الوطنية السورية، في انتخابات الثالث من حزيران الذي يعتبر منعطفاً حاداً في الداخل السوري، مطلقاً عمليات ديناميكية سياسية لإخراج الشعب السوري وتحريره من الوصايات الدولية المختلفة والمتعددة، وقلنا آنذاك إنّ الرئيس سيدشن حملته الانتخابية من حمص، وهذا ما كان وصار.
الثالث من حزيران السوري أنتج دولة الجميع، وستتعزّز المصالحات والمسار السياسي مع الاستمرار في الحسم العسكري على الأرض مع الانتخاب الثالث للرئيس الأسد الثالث لدولة الشعب وكسر المعادلات المذهبية. بعبارة أخرى، دولة الجميع، لا دولة الفرد ولا دولة الفئة، ولا دولة الطبقة ولا دولة المسؤولين الكبار، ولا دولة التجار وكبار القادة والضبّاط، ولا دولة البورجوازية الطفيلية من جديد، بل دولة البورجوازية الصناعية السورية، دولة البورجوازية الوطنية، بإسناد الوطنيين السوريين والشرفاء العرب والحلفاء وغيرهم.
إنّ قوى «14 آذار» المصدومة بما حصل في لبنان يوم 28 5 2014 والموجودة رسميّاً في البعض العربي الرسمي القلق، وهو جزء من الطرف الثالث في الحدث السوري وجزء مهم من التآمر، ومن يقوم بحرب الوكالة عن الأصيل محور واشنطن ـ «تل أبيب» … قوى «14 آذار» هذه المستنسخة عن اللبنانية سترخي كل بويصلات شعرها لنتائج الانتخابات السورية الأخيرة، نتائج الواقعية السياسية الصادمة لها في الداخل السوري، إذ أعاد الثالث من حزيران للدور السوري ألقه ووجوده، بعد إعادة إنتاجه من جديد، خصوصاً في مسار الاستحقاق الرئاسي اللبناني، وعودة دمشق الى حد ما الى معادلة القرار السياسي الداخلي في لبنان، لإيجاد نوع من التوازن في مواجهة الطرف السعودي القلق والطرف الدولي في الإسراع في انتخاب الرئيس اللبناني. وكانت رسائل أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله واضحة للأطراف كافة في ما يتعلق بالمسألة الرئاسية اللبنانية والمسألة السورية بعد الثالث من حزيران.
الثالث من حزيران قد يدفع مصر إلى العودة لحماية الحوض الشامي التاريخي وترميم عمق أمنها الأقليمي في قلب الشرق سورية، رغم التحديات التي تواجه مصر برئاسة المشير السيسي، علماً أنّ هذه التحديات قد تأخذ أشكال الفيتو والبروكسيات السعودية والإماراتية للحد من خياراته نحو سورية، وهو في حاجة الى المال السعودي والإماراتي لتحسين حال الاقتصاد المصري المتهالك، فهل سينجح في المزاوجات بين هذا وذاك؟ ننتظر لنرى.
ما بعد الثالث من حزيران الجاري الذي فتح إمكانات جديدة خلاّقة لجل المسألة السورية، ضمن مروحة تسويات سياسية إقليمية ودولية، فأيّاً تكن اتجاهات المسألة السورية وجوهرها، فإنّ النسق السياسي السوري وعنوانه الرئيس الأسد باقٍ باقٍ، سواءً جنحت المسألة السورية، إلى جهة عودة المسار العسكري البحت مع سلسلة جولات من العنف أشد ضراوة، أو لجهة المسار السياسي ومضامينه، أو لجهة مسار عسكري ومسار سياسي متلازمين معاً.
النواة الصلبة في الدولة الأممية الروسية نجحت في جعل عنوان النسق السياسي السوري العقدة والحل معاً، بل وعقدة الحل نفسه حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، ونكايةً بالطرف الخارجي بالحدث السوري من أميركيين وبريطانيين وفرنسيين وبعض العرب. أرسى الروس توازناً دقيقاً حال ولا يزال يحول دون تدخل عسكري خارجي في سورية، كما يحول دون سقوط الرئيس الأسد وإخراجه، من أتونات المعادلة السورية الوطنية، إن لجهة المحلي وتعقيداته، أو لجهة الإقليمي وتداعياته وأخطاره، أو لجهة الدولي واحتقاناته وتعطيله وأثره في الأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي آثاره على نسب النمو الاقتصادي واستعادة المنظومة الاقتصادية الأممية عافيتها، بعد أزمة الرهن العقاري وارتباطاتها في الولايات المتحدة الأميركية شرارة الأزمة الاقتصادية الأممية وجوهرها.
كما نجحت موسكو بقوة في جعل الأسد ونسقه السياسي طرفاً رئيسياً في التسوية، فبقاء الأسد ونسقه ليسا فحسب ثمناً من أثمان مسألة التسوية الكيماوية السورية، كما يظن الساسة السذّج بل أنّ الرئيس الأسد ومسألة بقائه أضحت بفعل الدبلوماسية الروسية الفاعلة والجادة خارج دائرة التفاوض والمساومة ومسألة خارج المناقشة بالنسبة إلى موسكو وإيران ودول البريكس، بخاصة بعد الثالث من حزيران ونتائج الانتخابات والتي أفرزت فوز الأسد بولاية ثالثة ولسبع سنوات مقبلة.
بالتالي، لم تبقَ مسألة الحوار مع النسق السياسي السوري، مشروطة برحيل الأسد أو تنحيه، إذ غرس الروس الأفكار في عقل جنين الحكومة الأممية ملتقى المتنورين من اليهود الصهاينة، والمسيحيين الصهاينة، والمسلمين الصهاينة، والعرب الصهاينة، بأنّ ما يحصل في دمشق يحصل في موسكو، وأن دفاعهم عن دمشق دفاع عن موسكو.
بلى، لا عيب ولا تثريب على موسكو بعد اليوم، إذ كانت المسألة السورية وحدثها بالنسبة إليها، مدخلاً واسعاً لرسم معادلات وخطوط بالألوان والعودة إلى المسرح الأممي من موقع القوّة والشراكة والتعاون والتفاعل بعمق، وتحمّل المسؤوليات ضمن الأسرة الدولية الواحدة في عالم متعدد القطب، لإحداث التوازن الأممي الدقيق في مختلف الأدوار والقضايا، بما فيها الصراع العربي «الإسرائيلي» كصراع استراتيجي وجودي في المنطقة والعالم، بالنسبة إلى العرب الحقيقيين، والمسلمين الحقيقيين، لا العرب الصهاينة ولا المسلمين الصهاينة، ولا عرب البترول والغاز.
بلى، من حق النواة الصلبة في الفدرالية الروسية، وعنوان هذه النواة الرئيس فلاديمير بوتين، أن يقول: «ثبات الجيش العربي السوري العقائدي وتماسكه ضمن وحدة وثبات النسق السياسي السوري وعنوان هذا النسق الرئيس الأسد، جلبوا للفدرالية الروسية العالم أجمع».
مع الثالث من حزيران السوري تكون الرئاسات الثلاث في المنطقة اكتملت مصر والعراق وسورية ، ويبدو أنّ المنطقة تتجه نحو نظام حكم مركب ومعقّد الى حد ما، سيكون لجيوش الدول الثلاث أدوار وأدوار في مكافحة الإرهاب الذي تم تصنيعه في متاجر الاستخبارات الدولية، وسينضم إليها هو في طريق الانضمام عاجلاً أو آجلا وعلى نحو عميق الجيش العربي الأردني العقائدي فعدوّه هو الكيان الصهيوني والإرهاب.
محامٍ عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
www.roussanlegal.0pi.com
mohd ahamd2003 yahoo.com