تقرير
نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية مقالاً عن الأزمة الداخلية التركية وانعكاساتها على السياسة العامة داخل تركيا وخارجها. إذ قالت: ليس هناك شيء مثل ليلة هادئة في هذه المدينة الجنوبية الشرقية بعد الآن. في أثناء الليل، يقول السكان، تطلق الشرطة الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الأكراد وتشير إلى صدورهم بنقاط الليزر الحمراء لبنادق القنص. وفي المقابل، يردّ الشباب بإطلاق الألعاب النارية والقنابل الصوتية. في ليلة سيئة، يخلد السكان إلى النوم على أصوات المروحيات العسكرية التي تحوم في سماء المنطقة.
وتابعت «فورين بوليسي»: لكن بعض سكان ديار بكر، العاصمة غير الرسمية للمنطقة الكردية في البلاد، يخشون من أن الأسوأ لم يأت بعد.
ونقلت عن يقول بروسك، الذي يبلغ من العمر 34 سنة، وهو صاحب أحد المقاهي في ديار بكر: يحصل الناس على الأسلحة استعداداً لحرب المدن. هم يرونها بمثابة الحماية من هودا بار، حركة كردية إسلامية سنية، وعملاء الدولة الآخرين.
وتابعت: بنزعة انتقامية، عاد الصراع الخامل منذ أمد بعيد بين الدولة التركية والأكراد. الشهر الماضي، قتل 39 شرطياً تركياً في هجمات شنّها حزب العمال الكردستاني «بي كي كي»، الذي خاض تمرّداً لمدة ثلاثة عقود ضدّ الدولة. لكنه ظلّ ملتزماً بوقف إطلاق النار حتى الهجمات الأخيرة.
وأضافت: يأتي ذلك بينما اعتقلت السلطات التركية أكثر من ألف من النشطاء الأكراد وشرعت في حملة جوية استهدفت مقرات حزب العمال الكردستاني في كل من تركيا والأجزاء الشمالية من العراق. بحسب المسؤولين الأمنيين الأتراك، شنّت تركيا مئات الغارات الجوّية التي أسفرت عن مقتل 390 من مقاتلي حزب العمال وجرح مئات آخرين.
اندلعت موجات العنف في لحظة سياسية حاسمة في تركيا. فالمفاوضات التي كانت تُجرى في شأن تشكيل حكومة ائتلافية في البلاد شهدت إخفاقاً الأسبوع الماضي، ما مهّد الطريق نحو إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
وقالت: وفي وقتٍ فشل حزب «العدالة والتنمية» ـ الذي ينتمي إليه الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ـ للمرّة الأولى منذ أن وصل إلى السلطة في الفوز بالغالبية البرلمانية في انتخابات السادس من حزيران، يسعى الحزب إلى العودة من جديد بمقاعد الغالبية البرلمانية في الانتخابات المبكرة المتوقع أن تعقد في تشرين الثاني المقبل، وذلك وفق ما ذكره مسؤولون في «العدالة والتنمية».
المناهضون للحكومة في ديار بكر بدورهم يتّهمون أردوغان بإعادة إشعال الصراع الكردي، ويصفون النهج الذي يتبنّاه في الوقت الراهن بالحيلة السياسية الساخرة، كما جاء في المقال.
وتابع المقال: هم يعتقدون، كما الحال مع بعض المحللين، أن الحملة التي تشنّها تركيا بحق الأكراد إنما هي استراتيجية سياسية لكسب نقاط لدى المصوّتين القوميين الذين يرفضون أيّ شكل من تقرير المصير للأقلية الكردية. كما يعتقدون أن أردوغان ـ وبشكل متعمد ـ يستقطب الناخبين حول القضية الكردية، وأنه يخيّر الناخبين إما أن يكونوا معه أو مع الإرهابيين.
لكن أيّاً كان ما أثار موجة العنف الحالية، فإن المشهد تعتريه مخاطر قوية ليس بمقدور أي سياسي السيطرة عليها. ووصف عدد من سكان ديار بكر كيف أن الناس يقومون بتسليح أنفسهم بشكلٍ متزايد ضدّ ما يعتبرونه قوات أمن خارجة عن السيطرة وحكومة تستخدم جهاديين تابعين لتنظيم «داعش» و«جبهة النصرة»، التابعة لتنظيم «القاعدة»، كهراوة ضدّ الأكراد.
وأضافت «فورين بوليسي»: اعترف إمام تاسير، وهو نائب برلماني عن حزب «الشعوب الديمقراطي» الموالي للأكراد، من ديار بكر، برغبة المواطنين المتزايدة في تسليح أنفسهم. تاسير قال إن السكان لديهم مخاوف ليس فقط من قوات الأمن الحكومية، إنما أيضاً من الجماعات الجهادية الغامضة التي يتّهمون الدولة بالسيطرة عليها.
ونقلت الصحيفة عنه: لهذا، يقول الناس إنهم يريدون الحصول على أسلحة، لأننا، وكما يقولون، لا نعرف من هو العدو. الآن هناك أعداء كثيرون. لكن المسؤول النهائي هي الدولة.
وقالت: في الأيام الأخيرة، شهدت أسعار الأسلحة في ديار بكر ارتفاعاً ملحوظاً. فالتكلفة الحالية لمسدّس من طراز «غلوك» 3000 دولار، مقارنة بـ1000 دولار السنة الماضية.
وتابعت: وبينما نقترب من الانتخابات، ثمة إشارات على أن هذه الأزمة الأولية ربما تعمل لمصلحة أردوغان. وكان استطلاعان للرأي أجريا مؤخراً، قد أظهرا أنه في حال أجريت الانتخابات المبكرة في الوقت الحالي، فإن حزب «العدالة والتنمية» سيحقق الدعم الكافي لتشكيل الحكومة بشكل منفرد. أشار كلا الاستطلاعين إلى أن حزب «العدالة والتنمية» سيحقّق أصوات على حساب حزب «الشعوب الديمقراطي». تعكس هذه النتائج صورة مغايرة عمّا هو متوقع، خصوصاً في ظل أحداث العنف التي شهدتها المناطق ذات الغالبية الكردية خلال الشهرين الماضيين. غير أنها، وبالنسبة إلى مسؤولي حزب «العدالة والتنمية»، توفّر رصيداً فكرياً لاستراتيجيتهم الانتخابية في انتخابات مبكرة محتملة.
محمد أكار، رئيس حزب «العدالة والتنمية» في ديار بكر، عزا خسارة حزبه في انتخابات حزيران إلى قرار الأكراد المحافظين دينياً بالتصويت لمصلحة حزب «الشعوب الديمقراطي»، كما جاء في المقال.
وبحسب ما ذكره أكار لـ«فورين بوليسي»، فإن هؤلاء المصوّتين كانوا يبحثون أساساً عن الاستقرار. إذ كانت تنتابهم المخاوف من اندلاع العنف في حال فشل حزب «الشعوب الديمقراطي» عن تحقيق نتيجة أقل من 10 في المئة من الأصوات اللازمة لدخول البرلمان.
وأضاف أكار أن مواجهة الفوضى الحالية تستوجب إعادة السلطة من جديد إلى حزب «العدالة والتنمية». هو يرى أنه إذا كان حزب «العدالة والتنمية» يغرّد بشكل منفرد في سدّة الحكم، لم يكن لأحد أن يملك الشجاعة للقتال ضد الدولة بهذه الطريقة.
لكن أكار وحزب «العدالة والتنمية» سيكونان على موعد مع مواجهة صعبة بينما يحاولون استعادة الغالبية البرلمانية. فالنتائج الإيجابية التي أظهرتها استطلاعات الرأي الأخيرة في شأن الدعم الذي يحظى به حزب «العدالة والتنمية» كانت ضئيلة، وقد تتغير في الأشهر الثلاثة قبل الانتخابات المحتملة. خصوصاً أنّ منافسي أردوغان هم أيضاً يستجمعون قواهم للحملة المقبلة.
يقول تاسير للمجلة: ما زلنا في وضع الانتخابات. في السابع من حزيران، ذهب الناس إلى التصويت. وفي اليوم التالي، أعلن أردوغان أنه ستكون هناك انتخابات. لذلك نحن جاهزون.
ومع ذلك، ربما لا يحقق أحد الانتصار في ذلك الصراع السياسي في حال تواصلت موجة العنف الحالية. تشي مبيعات السلاح المتزايدة في ديار بكر على أن الصراع المتجدد بالفعل يهدّد باتساع رقعة العنف ليشمل أعضاء جدداً. ولكن إذا خرج الصراع عن السيطرة هذه المرّة، حسبما يرى السكان ومسؤولو حزب «الشعوب الديمقراطي» في ديار بكر، فإنه سيكون أكثر دموية من السابق. فالأكراد حالياً منظّمون أكثر من ذي قبل، ويمكنهم طلب المساعدة من القوات الكردية في العراق وسورية الذين أضحوا أكثر قوّة.