نمر: موسكو تسعى إلى تطويع شركاء واشنطن في المنطقة
حوار: سعد الله الخليل
رأى الأمين العام للحزب الشيوعي السوري الموحَّد حنين نمر «أنّ المبادرات التي تُطرح على الساحة السياسية والجهود الدولية لحلّ الأزمة السورية توحي بأنّ المنطقة تمرّ بظروف معقدة وأنّ المساعي التي تبذل لإنضاج الحلّ السياسي ذات ملامح غير محدّدة حتى الآن».
وفي حوار مشترك بين صحيفة «البناء» وشبكة «توب نيوز»، أكد نمر «أنّ العقدة الأساسية التي تقف في وجه إنضاج الحلّ السياسي تكمن في الموقف الأميركي الذي هو في جوهره غير معاد للإرهاب ولا يريد إيجاد حلّ حاسم لأزمات المنطقة وما زال منغمساً في أهدافه العامة عن طريق أدوات كالمشروع التكفيري».
ولفت إلى «أنّ التصريحات التي تصدر عن المسؤولين الأميركيين لا تدلّ على قرب الحلّ، لكننا لمسنا في زيارة المبعوث الحالي بعض الآراء المتقدمة نسبياً وهو ما يطرح عدة تساؤلات. هل تعكس هذه الآراء بعض التقدم في النظرة الأميركية أم أنها تقع في إطار الديماغوجية لاستنزاف سورية؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة مع وجود بعض التسخين لمحاولات الحلّ السياسي كالدور الروسي والتناقض الواضح بين مجاميع التشكيلات الإرهابية مع التقدم الذي يحرزه الجيش السوري مع الرأي العام الدولي الذي بدأ يدرك هذه المسألة أكثر من السابق، بالإضافة إلى انخفاض مستوى الأسواق الأوروبية التي لم تعد تتجرأ على الأخذ بمواقف متطرفة، على غرار المواقف الفرنسية التي بدأت تتلمس مخاطر الإرهاب وتصدير التطرف، وتشكل هذه العوامل، بالإضافة إلى صمود الجيش السوري، متغيرات ربما ستدفع موقف الأميركي ليكون أكثر وضوحاً تجاه الحلّ السياسي للأزمة السورية»، مشيراً إلى أنه «لا يمكن الوثوق بالعهود الأميركية إلا أذا حصل تقدم ملموس على الأرض يوشي بتغيير نظرة السياسة فعندها يمكن التعامل معه».
بين موسكو وواشنطن
وأكد نمر «أنّ الموقف الروسي يأخذ مفعوله تدريجياً على كافة الأصعدة، فأعمدة الموقف الروسي تقوم على موقف التحالف الدولي الذي دعا إلى تشكيله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والذي يشكل البوصلة في السياسة الروسية. فلو أمكن له النجاح سيغير من خارطة المنطقة، وأعتقد أنّ الانشغال الروسي يصبّ في محاولة تطويع شركاء أميركا في المنطقة لكسبهم في الانضمام إلى التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، فالسعوديون غير مرتاحين للدعوة الروسية وكذلك الأتراك والأردنيين و«الإسرائيليين».
وقال: «الأساس في السياسة لإبداء موقف دقيق، تحديد التناقض الأساسي وأين يتركز اتجاه الضربة كما يُقال، واليوم اتجاه الضربة مع الإرهاب، وهذه الحلقة أمسكها الروس بتكريس كل الجهود أينما وجدت لمكافحة الإرهاب لافتا إلى أنه لامعنى للحديث عن حل السياسي اذا بقي الإرهاب ، والموقف الروسي في تحديد ما هو التناقض في المشهد وكان موقفاً دقيقاً ومخلصاً للقضية ولا يجوز أن نشكك كوطنيين عرب في هذه المسألة».
وأشار نمر إلى «التقدم البسيط الذي ظهر في مسار «موسكو 2» الذي تمكن من جمع طرفي المعارضة مع الحكومة الذين أقروا في تصريحاتهم بأنّ الحلّ السياسي هو الحلّ». وأضاف: «هذا تقدم في مسار الحلّ السياسي لكن لا نستطيع القول إنّ الأمور قد نضجت».
وحول الدور الروسي والإيراني في دعم الموقف السوري، رأى نمر «أنّ موسكو وطهران ترغبان في أن يكون مؤتمر جنيف 3 فرصة حلّ حقيقية، لكنّ هذا يتوقف على الموقف الأميركي، فإرادة الحلّ السياسي لدى الإدارة الأميركية لها شروطها وطريقتها ودلائلها التي حتى الآن لا تتجاوز التصريحات وتشوبها الضبابية، ومع ذلك قلنا إنه يمكن البناء عليها».
وشدّد نمر على «أنّ السياسة الخارجية لأي بلد تتوقف على وضعه الداخلي، فالموقف الأميركي، أياً كان اتجاهه، والتعاون مع تركيا ينطلق من اعتبارات داخلية انتخابية تركية في مسعى لإرضاء أميركا عبر ضرب داعش، لكسب دعم أميركي خارجي وداخلي تركي وهو الهدف الأساسي. لذلك يناور أردوغان بقدرة هائلة عبر الديماغوجية والنفاق، لدرجة الوقاحة التي لا تمنعه من ارتكاب حماقات هائلة أثناء الانتخابات عبر النزعة الإمبراطورية الملتصقة به، فالخطوات الأميركية لا يمكن تحديدها خلال هذا الشهر، فالمواقف قد تبدو متناقضة بين قديمة وجديدة خلال هذا الشهر الانتخابي».
ورأى نمر أنّ حراك المبعوث الدولي «يشير إلى سعيه إلى البحث عن حلّ، رغم المأخذ عليه في بعض المراحل بتحريك مساعيه نحو مواقف غير مشجعة». وقال: «بشكل عام فتحت له الحكومة السورية المجال للتحرك وساعدته على أداء مهمّته، ولا تزال الفكرة التي تقدم بها حول اللجان المشتركة غير واضحة، وطالما أنّ أطراف الأزمة منقسمون حول الإرهاب والتغيرات السياسية، فإنّ النوايا هي المتحكمة بالخطوات والأطراف المناوئة لسورية. سيبقون على تشدّدهم، حتى صدور الإيعازات الأمركية».
وفي شأن مشاركة الحزب الشيوعي السوري الموحّد في تلك اللجان، قال نمر: «لم يُعرض علينا حتى الآن الاشتراك في أي من اللجان ولحينها لكلّ حادث حديث ومشاركة القوى السورية المجربة في هذه العملية في صالح الوطن».
هيئة حكم انتقالي
وحول سلوك المعارضة السورية، لفت نمر إلى «أنّ وفد المعارضة الخارجية في مؤتمر جنيف2 كان يأمل بمسك مفاتيح السلطة وكأنّ له الحق في السيطرة على السلطة، وهو ما جُوبه بردّ حاسم من الحكومة السورية ومن قبل الشعب السوري». واضاف: «هذا المفهوم الخاطئ من المعارضة كان وما زال يروج له منذ جنيف 2 من بوابة هيئة الحكم الانتقالية، لكنّ الموقف الروسي كان واضحاً، في هذا الإطار من جهة أنّ الشعب السوري هو صاحب الحقّ في القرار، والمعارضة العسكرية الخارجية ليست قادرة على إملاء مثل هذا الشرط».
ورفض نمر البناء والتعليق على ما يسربه الإعلام حول تفاصيل هيئة الحكم الانتقالية، مكتفياً بالقول:»أي اجتماعات دولية يسبقها ويواكبها شلال من التنبؤات التي لا يمكن بناء موقف واضحة عليها، لكننا كحزب نشارك في وضع المبادئ والأسس التي ستبنى عليها عملية السلام إن تمّت».
وتطرق نمر إلى سرقة تنظيم «داعش « للآثار، واصفاً الأمر «بالموضوع الكبير الذي لا يمكن تقزيمه ، فقضية داعش تندرج في إطار إعادة بناء المنطقة حسب مفاهيمه وهو ما يشمل كلّ النواحي». ولفت إلى «التشابه بين المشروع الداعشي والمشروع الإسرائيلي من زاوية محو الذاكرة والتراث واستبدالهما بتراثه ومفاهيمه التكفيرية».
حرب ديموغرافية
وعبّر نمر عن الأسى لتكرار حوادث مصرع المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا من سوريين وجنسيات أخرى، محمِّلاً المسؤولية التاريخية عن الكارثة للإرهابيين والبلدان الغربية». وسأل: «كيف يمكن تصور الموقف الألماني بتشجيع مواطني بلدان أخرى على الهجرة وهو ما يدخل في مجال تفريغ المنطقة من سكانها؟ ما هي الخطوة التالية التي تحكم البعد السياسي والإنساني والاقتصادي لهذا التشجيع الهائل الذي يجري؟ لماذا لا تمارس الدول الغربية المسيحية في حماية الأقليات في منطقتنا»؟ وتابع: «هذه المسألة الديموغرافية لم تأخذ حقها من النقاش حتى الآن رغم رؤية الغرب للمذابح التي تجري في بلادنا من دون أخذ أي اعتبار للموضوع، ويبدو أنّ الهجمة على سورية تحولت إلى حرب ديموغرافية بعد حروب السياسة والعقوبات والإرهاب». ولفت نمر إلى «أنّ ما يجري في المنطقة يتم بالتوازي مع ما يجري في فلسطين من مشروع تهويدها بالكامل وتحويل مواطنيها إلى رعايا في الكيان الإسرائيلي لتتلوها خطوط التهجير كما يحصل حالياً».
اتفاق القوة
واعتبر نمر «أنّ الاتفاق النووي الإيراني أدخل إلى المنطقة موازين قوى جديدة، فتحولت إيران إلى الدولة الكبرى السابعة في العالم ما أعطاها دور صمام الأمان في التعاون الدولي والتوازن فيما يتعلق بمصير البلدان النامية لتكون ملجأ أمن لحلّ مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية. كما أنّ الأرصدة الإيرانية المستعادة ستسهم في مجالات عدة كمكافحة الأمراض والتقدم العلمي في كافة المجالات، مع ما يترافق من صفقات سلاح تحمي منجزات إيران وشعوب البلدان النامية مثل سورية وغيرها، بالإضافة إلى ردع إسرائيل».
وفي الشأن اللبناني، أكد النمر أنه «لا يمكن حتى الآن وضع اليد على الطابع السياسي للحراك الحاصل في لبنان». وقال: «نتفهم مطالب الشعب اللبناني والأزمات التي يعاني منها والتي رافقت الحكومات اللبنانية المتعاقبة وعجزها عن الحلّ الذي يحمل أبعاداً كبيرة»، متمنياً للبنان «حلّ مشاكله واستعادة استقراره».