توافق الكبار ليس بيتاً زجاجياً حتى يُرشق بالحجارة «الإسرائيلية»

د. محمد بكر

لمجرد النظر في جملة التحليلات والتوصيفات والتبريرات التي قدمها الكيان الصهيوني للإيضاح حول أسباب عدوانه على مواقع سورية في القنيطرة، واستهداف سيارة مدنية قال إن عناصرها من حركة الجهاد الإسلامي وهم من أطلق الصواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان، إضافة إلى تحميله الدولة السورية المسؤولية السياسية والعسكرية عن ذلك الحادث، وربطاً مع توجيه الاتهام للجمهورية الإسلامية الإيرانية بأنها من أعطى الأمر بإطلاق الصواريخ، يمكن إدراك مستوى الارتباك والامتعاض الذي يعيشه «الإسرائيلي» وكذلك تلمس الصورة التي بات عليها هذا الكيان يبدو فيها «كالمحشور في الزاوية»، ولا سيما بعد الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية، وما سيؤسّسه لعناوين سياسية في المرحلة المقبلة مرشحة بقوة لأن تحمل مضامين سياسية يلفها صيغة توافقية تولد بالضرورة حلولاً سياسية لا تتماشى ورغبة وأحلام الكيان الصهيوني.

لم يكن مستغرباً عودة الحديث «الإسرائيلي» عن دور إيراني داعم لما يهدد أمن الكيان الصهيوني عبر ما سماه سعي إيراني وتحديداً عبر قوة القدس وشخص قاسم سليماني إلى فتح جبهة مواجهة مع «إسرائيل» عبر الحدود السورية واللبنانية، ولا سيما في توقيت له مدلولاته السياسية المقلقة لـ«إسرائيل» لناحية مضي إدارة أوباما قدماً في استيلاد المصادقة على الاتفاق النووي في الكونغرس، بالتوازي مع الحراك السياسي الغربي الذي يهرول فيه الساسة الأوربيون باتجاه طهران، وتالياً التأسيس لمرحلة سياسية تثبت فيها الجمهورية الإسلامية حضورها الوازن في الإقليم، وتؤسس لتوافقات دولية تكون طهران العمود الفقري لها، ولاعباً محورياً لا يمكن إدارة الظهر له ومن الحماقة بمكان عزله ومحاصرته وهو الذي يمتلك سيلاً من القدرات والإمكانات لتقديم وصياغة المحظور غربياً وأميركياً وحتى «إسرائيلياً»، ومن هنا يمكن وضع الغارات «الإسرائيلية» الأخيرة في القنيطرة في سياق هدفين «إسرائيليين» اثنين:

– محاولة تقديم نقيض الصورة التي يعمل عليها أوباما لجهة شرح محاسن الاتفاق النووي مع إيران، وأن هذه الأخيرة بما يحاول أن يقوله اللسان «الإسرائيلي» ليست بمنأى عن التدخل في شؤون المنطقة ومستمرة في دعم ومساندة ما يسميه الكيان الصهيوني «إرهاباً» يهدد أمنه، لذا فإن التوقيع معها لن يجلب إلا المزيد من الويلات وإطالة يدها وتزايد نفوذها المهدد والباعث على الخطر الأوحد في هذه المنطقة والمقدَم «إسرائيلياً» على خطر داعش وهو ما أعلنه «الإسرائيلي» غير مرة.

– محاولة خلق تشويش على الحراك والنشاط السياسي الروسي الذي يعمل على ترجمة ما اتفق عليه مع الأميركي في الدوحة، لجهة الشروع الفاعل والحقيقي في تهيئة المناخات السياسية وصياغة البيئات الملائمة، وتحشيد الإرادات، ولملمة وجمع الفرقاء تمهيداً لجنيف 3 أساسه كما قال الروسي الإرادة والصبر والوقت، بما يؤمن مخرجات جدية من الحل السياسي للأزمة السورية.

إضافة إلى جزئية تتعلق بتوجيه الاتهام لحركة الجهاد الإسلامي وتحمليها مسؤولية إطلاق الصورايخ يريد من خلالها الكيان الصهيوني التعتيم والتعمية على قضية الأسير البطل محمد علان تماماً كما جاء في بيان الحركة، إضافة إلى إرسال رسالة تحذيرية لحركة الجهاد من محاولة إفشال أو إطلاق النار على الهدنة طويلة الأمد مع حماس المنتظر إعلان ولادتها قريباً.

ما يدلل على حماقة الأهداف «الإسرائيلية» للغارات، والتصعيد العسكري في القنيطرة في محاولة لتشويه صورة ونيات إيران، هو أن الجمهورية الإسلامية لم تخف وفي ذروة مفاوضاتها النووية وفي أكثر مراحلها حرجاً وحتى بعد إعلان الاتفاق مع السداسية الدولية، ملامح وشكل وطبيعة سياستها الخارجية مع دول المنطقة وفصائل وتنظيمات المقاومة فيها، بل على العكس تماماً جاهرت وما زالت بدعمها القطعي للقضية الفلسطينية وخيارها المقاوم، وأن المواجهة مع الاستكبار مستمرة من اليمن إلى فلسطين فالعراق، وتالياً فإن محاولات رشق الاتفاق النووي بالحجارة «الإسرائيلية» من خلال الغارات الأخيرة، اعتقاداً ببنيته الزجاجية من وجهة النظر الإسرائيلية، والتي من الممكن خدشها أو كسرها أو الأعمال المؤثر فيها إنما هي محاولات دونكيشوتية تنم عن حماقة «إسرائيلية» منقطعة النظير وكذلك في ما يتعلق بمحاولة تقويض الحراك الروسي فهي الأخرى تفصح عن حماقة سياسية «إسرائيلية» أشد، ولا سيما أن طبخة التوافقات الأميركية الروسية قد دخلت مرحلة النضوج والاستواء، ومن هنا نقرأ ونفهم التوصيف الذي جاء في صحيفة «معاريف» حول الحال السياسية المزرية لرئيس الوزراء نتنياهو و«الولدنة» السياسية التي يبديها مع المتغيرات والوقائع الدولية التي أفضت واستولدت اتفاقاً نووياً مع إيران ببنية حديدية يزيدها صلابة إصرار أوباما على استجلاب الموافقة على قاعدة ما قاله وأكده: «واهم من يستطيع إفشال الاتفاق النووي» إذ تقول «معاريف»: «إن سياسة نتنياهو الذي راهن على كل الصندوق وفق نمط كل شيء، أو لا شيء، وصعّد بنية مبيّتة إلى مسار الصدام مع الرئيس أوباما، انكشفت اليوم بكامل عريها، فهي تضع «إسرائيل» في موقف ليس لها فيه أي تأثير على الاتفاق النووي مع إيران، والآن يتبين أيضاً أن روسيا لا تحصي «إسرائيل» حين يصل هذا إلى مصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية، ولو كان نتنياهو أقل فظاظة وصخباً في معارضته العلنية، لكان ممكناً أن يجد مساراً نحو بوتين، ولكان بوسعه أن يكون شريكاً في صياغة بعض بنود الاتفاق النووي بشكل يراعي المخاوف «الإسرائيلية»».

فهل يستمر نتنياهو في مسلسله السيزيفي ومسلكه السياسي غير المجدي في تخريب ما لا يمكن تخريبه، أم أنّ جلّ تصعيده ربما ليقول للمتوافقين الكبار: أنا موجود ولا أريد كلّ شيء.

كاتب فلسطيني مقيم في سورية

mbkr83 hotmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى