ميقاتي والمخيمات المقترحة مع الأمم المتحدة
يوسف المصري خاص
تفتح «البناء» على ثلاث حلقات ملف الخفايا التي تحيط بملف إغاثة النازحين السوريين في لبنان. وتبيّن وقائع هذا الملف الخفية، وجود الكثير من التناقضات التي تظهر أنّ التعامل معه مشوب بالتسييس من ناحية، وبالفساد من ناحية أخرى، إضافة إلى أمور كثيرة تسترعي التوقف عندها كونها تميط اللثام عما يمكن تسميته بالفضيحة الإنسانية الكبرى.
بسط الرئيس نجيب ميقاتي في لقائه ما قبل الأخير بالمفوض السامي لشؤون اللاجئين الفرد أنتوني، كفيه الواسعين، وتحدث إليه بلهجة تستبطن أنه يقدم «اقتراح حلّ» لمسألة تضخم أعداد النازحين السوريين في لبنان.
قال ميقاتي: لماذا لا نقيم مخيماً للنازحين السوريين داخل سورية عند نقطة ما قريبة من حدودها مع لبنان؟
ردّ أنتوني: القانون الدولي لا يسمح بإقامة مخيمات لجوء فوق أراضي الدولة التي يجري فيها الصراع وهذه عبرة أخذتها الأمم المتحدة من أحداث رواندا.
أضاف أنتوني: بحسب القانون الدولي يجب إقامة المخيم في أراضي الدولة المجاورة للبلد الذي يشهد الصراع، وذلك فوق منطقة تبعد 15 كلم عن خط الحدود مع البلد الآخر.
انحنى ميقاتي أكثر فوق أريكته ليجعل طوله متواضعاً مقابل أنتوني الجالس بجواره، ثم أردف مقترحاً فكرة جديدة، معتبراً انها تناسب ما فاته من شروط القانون الدولي المحدّدة لإنشاء مخيمات النازحين، ولكن أنتوني، بحسب مصادره، اعتبرها حينها أنها فكرة «مستهجنة!»
قال ميقاتي: «إذن أقترح إقامة مخيمين اثنين للنازحين السوريين في لبنان، واحد يضمّ نازحين ينتمون إلى المعارضة والثاني يضمّ نازحين من الموالين للنظام».
وسط نظراته المستغربة، فضل أنتوني عدم التعليق. وطبعاً لم يسجل هذا الاقتراح في تقريره عن لقائه بدولة رئيس مجلس الوزراء السابق نجيب ميقاتي.
وتفيد خلاصات تقارير المفوضية وأيضاً تقارير عن محادثات لبنانية مع هيئات مانحة لاستيعاب النازحين، أنه على رغم مرور نحو ثلاثة أعوام على هذه المشكلة فإنه لا بيروت ولا أية جهة دولية وضعت خطة علمية لكيفية مواجهة لبنان لأزمة النازحين السوريين. وتؤكد هذه التقارير أن هذه الأزمة تتفاقم نظراً للأمور الأساسية التالية:
أولاً: خلال المرحلة الماضية على الأقل تعاملت الدول المانحة للنازحين في لبنان بخلفية سياسية. فهي أرادت مقايضة تقديم القوت اليومي للنازح والطبابة والإقامة بمقابل إبداء مشاعر الولاء السياسي للمعارضة السورية. وقاد هذا التوجه بين أوساط النازحين في لبنان جمعيات خليجية ذات خلفيات سلفية، نشطت بينهم تحت عنوان أنها جمعيات أهلية.
وهذه الجمعيات بحسب ما تكشف معلومات ميدانية، اشتغلت على خطين مع النازح السوري فهي أولاً قدمت له جرعة مركبة يتضمّن جزء منها إعانة مادية له والجزء الآخر وجبة دعوية لاستمالته إلى الخط السلفي.
وثانياً توسعت هذه الجمعيات بإنشاء مشاريع تشغيلية صغيرة للنازحين السوريين في لبنان ضمن توجه يريد دمجهم في النسيج الاقتصادي والاجتماعي اللبناني بهدف نقلهم من حالة الإقامة الموقتة الى الإقامة المستديمة، والهدف البعيد من ذلك إحداث تغيير ديموغرافي في لبنان يخدم رؤيتهم المذهبية للمشرق.
أخيراً، ومع تعاظم الخوف الغربي من مدى استثمار الجهات الإسلامية العالمية المتطرفة في الأزمة السورية وبملف النازحين الذي أفرزته، بدأ يتراجع إلى حدّ ملحوظ نطاق تواجد هذه الجمعيات السلفية التي تتلطى بغطاء أنها هيئات مدنية تعمل بالإغاثة. ويمكن القول إنّ دورها الخطر انحسر في لبنان إلى حدّ ملحوظ، من دون أن يعني ذلك أنه يجب عدم إبقاء الحذر قائماً تجاه دورها داخل ملف النازحين.
ثانياً: طغيان ظاهرة الفساد على عمل نسبة عالية من الجهات العاملة بموضوع النازحين في لبنان. تقول هذه المصادر: «لقد ظهرت طبقة من الأثرياء الجدد الذين جمعوا ثرواتهم من الأموال المخصصة لإغاثة النازحين»…
وخلال غير اجتماع بين مفوضية شؤون اللاجئين والجهات الرسمية اللبنانية، طالبت الأخيرة بأن تشرف الدولة اللبنانية على الأموال المقدمة للنازحين في لبنان، ولكن الجهات الدولية رفضت هذا المطلب تحت حجة أنه لا توجد فى الدولة اللبنانية هيئات إغاثة للتعامل مع حالات الكوارث والطوارئ. في المبدأ إن السبب الظاهري الذي يطرحه الدوليون صحيح فلبنان صاغ مشروع قانون لإنشاء سياسة وأجهزة لحالات الطوارئ والكوارث، ولكنه لم ينفذ حتى الآن.
استنفار في السراي!
وقبيل مغادرته السراي الحكومي قام ميقاتي بإصدار تعليمات بدت آنذاك مستغربة للعديد من المتابعين، ومفادها إعلان حالة الاستنفار كإجراء تجريبي في السراي الحكومية، وتمّ بموجب هذا الإجراء إخضاع كلّ موظفي السراي إلى تدريب على حالات الكوارث لمدة ساعات!
والعارفون ببواطن النقاش بين حكومة ميقاتي والجهات الدولية المانحة، أدركوا مقصد ميقاتي من هذا الإجراء الآنف الذكر، وهو توجيه رسالة عملية للمانحين الدوليين مفادها أنّ لبنان لديه سياسة رسمية وأدوات تنفيذية، على مستوى مواجهة الكوارث وحالات الطوارئ.
يقول مسؤول في لجان إغاثة النازحين العاملين لمصلحة الدولة اللبنانية، إنّ تمرين حالة الطوارئ الذي قام به ميقاتي في السراي لم يؤدّ إلى تغيير رأي الجهات المانحة. وكشف «أن قضية رفض هذه الأخيرة تسليم الأموال إلى الدولة اللبنانية لا يعود في الأساس إلى أنها لا تملك سياسة طوارئ وهيئات إغاثة فاعلة لتنفيذها في حالات الكوارث، بل لأنها تخشى من أنّ منظومة الفساد في أجهزة الدولة اللبنانية ستبدّد هذه الأموال وتحول دون وصولها إلى مقصد إغاثة النازحين. ولكن المصدر عينه يكشف أنه بمقابل وجود فساد في أجهزة الدولة اللبنانية، فإننا نلاحظ أيضاً بالمقابل وجود فساد لا يقلّ شأناً في الاجهزة الدولية العاملة على موضوع مساعدة لبنان على استيعاب النازحين السوريين.
ومن أصل 5.6 مليار دولار، هي مجموع الوعود الدولية للدول المضيفة للنازحين السوريين، تبلغ حصة لبنان نحو مليار وسبعمائة مليون دولار، وصل منها الى لبنان فقط 160 مليون دولار لغاية فترة قصيرة من هذه اللحظة. أي ما يقارب الـ14 في المئة من حجم الوعود الدولية. ولا يوجد حتى توقع داخل المحافل المتابعة لهذا الملف أن يحصل لبنان على أموال جديدة تزيد نسبة ما حصل عليه حتى الآن بدرجة عالية. فالموقف الدولي من لبنان على صعيد هذا الملف يتمثل بالتالي:
ا – عدم وضع سقف عدد لحجم استيعابه للنازحين، على رغم أنّ كلّ من الأردن وتركيا سمح لها بتقدير الرقم الذي تستطيع استيعابه.
ب – لبنان عليه استيعاب الشريحة الأكبر من النازحين السوريين الفقراء، فيما الإمارات العربية ومصر تستوعب النازحين السوريين الأغنياء، وذلك ضمن سياسة ترانسفير للشعب السوري مخططة دولياً على المستويين السياسي والديموغرافي والاقتصادي. وهدفها النهائي إفقار سورية عبر تهريب رأس المال والطبقة التجارية والصناعية منها. مثلاً في لبنان عمّم المصرف المركزي تحت تأثير الضغوط الأميركية على مصارف لبنان رفض استقبال أية أموال سورية مهما كان حجمها، بالمقابل تفتح مصارف الإمارات أبوابها لأموال السوريين، وتعطي إقامة عمل لأي مواطن سوري يضع في مصارفها عشرة آلاف دولار. وفي الحالتين فإنّ التعليمات صادرة من واشنطن.
من أين يموّل لبنان عمليات استيعاب النازحين السوريين وفق الوصفة الأميركية؟
الإجابة بحسب مصادر مطلعة من رخص الأيدي العاملة السورية التي تستغلّها المؤسسات التجارية اللبنانية فهؤلاء يجعلون كلفة العمل في لبنان رخيصة، وبالتالي يتمّ رفع مستوى أرباح المستثمر اللبناني على حساب عرق النازح السوري الذي عليه أن يتحوّل في لبنان إلى عامل رخيص الأجر محروم من أية تقديمات اجتماعية. وهذا ما يفسّر لماذا يتمّ إحباط عملية بناء مخيمات للنازحين السوريين، لأنّ وضع الديموغرافيا السورية النازحة داخل مخيمات يؤدي إلى جعل مسؤولية إعالتهم ملقاة على كاهل الدول المانحة، وهذا أمر لا يوجد قرار دولي في شأنه.
لقد فات واضعو خطة تمويل النزوح السوري إلى لبنان من عرق النازح السوري عبر تشغيله كرقيق في المؤسسات اللبنانية، أنّ هناك كلفة أخرى لهذه الخطة وهي خلق حالة بطالة كبيرة بين العمالة اللبنانية. الحق يُقال إنّ الرئيس ميقاتي قبيل خروجه من السراي الحكومي أرسل تقريراً إلى الدول المعنية بملف النازحين يحذرها من أنّ استمرار الوضع على حاله سيؤدي خلال هذا العام إلى رفع نسبة البطالة في لبنان إلى رقم مخيف مما يهدّد بأحداث اجتماعية تؤدي إلى هزّ الاستقرار في لبنان.
غداً: نازحون من لبنان إلى الدول الغربية