الحضارات السورية القديمة… موسيقى أوركسترالية في دار الأوبرا ـ دمشق

محمد سمير طحّان

أحيت أوركسترا «ماري» بقيادة المايسترو رعد خلف مؤخّراً، أمسية موسيقية مميزة تحت عنوان «حضارات قديمة»، وذلك على مسرح الأوبرا في دار الأسد للثقافة والفنون في دمشق، وقدّمت الأوركسترا أعمالاً موسيقية من تأليف قائدها ومستوحاة من الحضارات السورية القديمة بقالب موسيقيّ كلاسيكي زاوج بين روح الشرق والنمط الغربي في الموسيقى.

حضر الأمسية وزير الثقافة عصام خليل، وأخذ المايسترو خلف بمصاحبة ستين عازفة سورية، جمهور دار الأوبرا إلى زمن الحضارات السورية القديمة، ليلمسوا تفاصيل غيّبها الزمن، ويستنشقوا هواء السنين، ويتجوّلوا بين ممالك أوغاريت وتدمر وإيبلا وماري، ويتعرّفوا إلى أجدادهم ورقيّ حياتهم قبل آلاف السنين، في حالة فريدة من التواصل الإنساني الفني الحضاري الراقي، وكأن أرواحهم ملأت المكان باستحضار الموسيقى لها، بأسلوب ساحر ومؤثر.

وتنوّعت المقطوعات التي قدّمتها أوركسترا «ماري» لتلائم الحضارة التي استوحاها المايسترو خلف منها. فخلال نحو ساعة من الزمن، عزفت الأوركسترا تسع مقطوعات هي: «آشور»، و«ماري»، و«أفاميا»، و«فينيقيا»، و«عناة»، و«بعل» و«أوغاريت» و«إيبلا» و«جلجامش». وغنت الفنانة الشابة كارمن توكمه جي قصيدة مترجمة عن رقم من ألواح أوغاريت، كما قدّمت الفرقة مقطوعة «تدمر» وأهدتها لروح الباحث التاريخي والآثاري الشهيد خالد الأسعد.

وحول الإعداد لهذا الحفل قال المايسترو خلف إنّ عنوان الحفلة العام هو «حضارات قديمة»، وهي حالة استنطاق للأصوات القديمة التي تعتبر إرثنا الغني الذي نملكه. إذ أصبح من الضروري الدفاع عنه والمحافظة عليه. لافتاً إلى أن هذه الأعمال الموسيقية الأوركسترالية قادرة على أن تقدم حالة جذب للمستمع إلى تلك الحضارات وأشكالها وطقوسها ورقصاتها وأفراحها. مشيراً إلى أن برنامج الحفل جاء منوّعاً ليشمل كلّ بلاد مابين الرافدين وبلاد الشام التي تعدّ بالأصل منبع الحضارات القديمة.

وأوضح خلف أن معظم الأعمال التي قدّمت كانت مكتوبة منذ سنوات، إذ أعاد تحضيرها لتتلاءم مع تشكيلة الفرقة. لافتاً إلى أن هذه الأعمال عزفت أحياناً بآلات وترية فقط، وفي مرة أخرى عزفت من أوركسترا مصغرة. مشيراً إلى أنها المرّة الاولى التى تقدّم بشكلها الحقيقي كسمفونية تؤدّيها أوركسترا كاملة.

ولفت قائد أوركسترا «ماري» إلى ان تسلسل البرنامج تنوّع بحسب مناطق حوض الرافدين وبلاد الشام وفينيقيا، مثل آشور وماري. إضافة إلى ان هناك استنطاقاً للملاحم الأشهر في التاريخ كملحمة جلجامش وملحمة عناة بل الأوغاريتية الشهيرة التي تم تقديم أغنية منها.

رزان قصار عازفة الكمان الأولى في الأوركسترا قالت: وجودي ضمن الأوركسترا منذ تأسيسها عام 2006 أضاف لي الكثير كعازفة. لأننا نقدّم أعمالاً موسيقية لها خصوصيتها ولا تقدّم مع غير أوركسترا ماري. فالأعمال الموسيقية التي يؤلفها المايسترو رعد مميزة وجميلة. واستفدت جدّاً من عزف هذه المقطوعات مع الفرقة، خصوصاً مع تميّزها بالروح الأنثوية التي تقدّمها، لأننا عازفات سوريات تجمعنا هذه الأوركسترا.

وأوضحت قصار المتخرّجة في المعهد العالي للموسيقى عام 2005 أن مشروع أوركسترا يكبر حفلاً بعد حفل، وستكون له مكانة مهمة وكبيرة سواء داخل سورية أو خارجها. مشيرة إلى أن أيّ عمل موسيقي يقدّم في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها سورية، لهو إنجاز حقيقي. إضافة إلى تقديم مستوى فني عال في الحفلات التي تقدم.

أما لين جناد، عازفة البيانو في الأوركسترا فقالت إن مشروع أوركسترا «ماري» يستهوي أي عازفة سورية لتنتمي إليه. ففكرة اجتماع نحو ستين عازفة في فرقة واحدة، خصوصاً ضمن الظروف الصعبة التي نعيشها، أمر في غاية الاهمية ويحقق طموحنا كعازفات سوريات. مبينة أن أهمّ ما تقدمه الأوركسترا اليوم رسم البسمة على وجوه الناس الذين يحضرون حفلاتها، وإخراجهم من أجواء الحزن إلى التفاؤل والفرح والأمل، وهذا دليل على قدرة الفرقة في الوصول إلى ما تطمح إليه مستقبلاً.

فرح سليمان عازفة فلوت في الأوركسترا، وهي الأصغر سنّاً، عبّرت عن سعادتها بانتمائها إلى الفرقة ومشاركتها للمرة الثالثة في حفلاتها، والتي أعطتها الكثير من الدفع المعنوي والخبرة التقنية في العزف. مشيرةً إلى أن وجودها إلى جانب كوكبة من العازفات السوريات المحترفات وهي ما تزال في سنوات الدراسة في معهد صلحي الوادي، يزيد من طموحها وتحديد هدفها في المستقبل للوصول إلى مرحلة الاحتراف في العزف على آلة الفلوت.

وأوضحت سليمان البالغة من العمر خم15 سنة، أن أوركسترا «ماري» تمثل الروح السورية الحضارية والفن السوري العريق إلى جانب الإحساس الأنثوي الخاص. لافتة إلى أن البرنامج الذي قدّم يعبّر عن حضارة سورية وهو جميل جداً وممتع في العزف والاستماع.

يذكر ان أوركسترا «ماري» أُسّست عام 2006 بقيادة المايسترو خلف، وتضم أكثر من ستين عازفة، بهدف تقديم الشكل الحضاري للمرأة السورية وقدرتها على الابداع والعمل في أصعب الظروف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى