المشروع السياسي للحراك بلسان أصحابه
روزانا رمّال
تكشف مصادر في قيادة حراك الساحات للزميلة صحيفة «الجمهورية» التي تتبنى أهداف الناشطين بعضاً ممّا أسمته «من داخل الحراك».
وتقول هذه المصادر «إنّ تحديد المطالب أتت بعد دراسة، فالأسباب الكامنة وراء المطلب الخاص باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق تلبية لطلبات الجمعيات البيئية التي تتمتع بامتيازات قوة داخل الحراك تتأتّى من أنّ لديها امتدادات وصلات دولية شعبية ورسمية واسعة وفاعلة، وتشترك معها في الأجندة البيئية، وهي تستطيع حشدها في معركة دعم الحراك الشعبي اللبناني».
وفي شأن المطلب المتصل بمحاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق ومطلقي النار على المحتجّين، فله أسبابه أيضاً والتي تعبّر عن طريقة تفكير منظّمي الحراك كما تقول المصادر. «فالعنفُ الرسمي المُفرِط هو العنوان الوحيد من بين كلّ أحداث الحراك الذي استدرج مواقف دول كبرى لإدانته أو الدعوة إلى وقفه. وعليه فهو مطلب يحظى بغطاء معنويّ دولي، ومن المهمّ الضغط على الحكومة من خلاله».
وتقول المصادر أنه «إلى هذه الأسباب التقنية، ولكنها ذات أهمية على مستوى رفع منسوب الهبة الشعبية، هناك أسباب أخرى سياسية، وهي تتعلّق بشقّ مسار المحاسبة لإضعاف موقع الحكومة وأحزابها سياسياً في مواجهة الحراك، وجعلها في أزمة ثقة مع الأجندة الأنسب لاحتوائه. والواقع أنّ مصطلح «نجاح السلطة في احتواء الحراك سياسياً»، هو أكثر ما يقضّ مضجع قيادييه مع نفي أن يكون هدفهم هو الفراغ «.
أمّا عن السبب الذي جعل الحراك يُحدّد مهلة 72 ساعة فقط لإنجاز مطالبه، وإلّا التصعيد، فهذا الأمر، بدوره، مقصود. تقول المصادر: «يُدرك منظمو الحراك أنّ المهلة قصيرة لإنجاز نقل ملكية قطعة أرض صغيرة في لبنان، لكن تمّ تعمّدها حتى يتمّ استثمار فشل الحكومة في تلبية مطالب الحراك، كحافز طاقة يضاعف الغضب الشعبي عليها».
طبعاً، يوصل التوقف بعقل بارد أمام الكلام الوارد إلى مجموعة استنتاجات أبرزها أنّ الذين يقفون وراء الحراك يستعملون العنوان المطلبي لحساب أجندة سياسية بعيدة المدى يضعون في حسابهم أنها ستحتاج زمناً وتستغرق مواجهات وتحتاج دعماً وحماية دوليين يضعهما الناشطون في أولوية مساعيهم، سواء عبر منح الجمعيات البيئية دوراً محورياً لعلاقاتها الدولية أو لجهة ما يعنيه التركيز على القمع لاستدراج القوى الدولية للإعلان عن التعاطف مع الحراك والدعوة والتدخل لتقديم الحماية للناشطين والضغط لمنع المزيد من المواجهات معهم، هذا عدا عن أنّ استدراج المواجهات وفرضها كنهاية لكلّ جولة يؤدي غرضاً محورياً في تحقيق هذا الهدف ورفع منسوب الحضور الدولي على خط المواجهة.
كما يسهل الاستنتاج أنّ مراكمة إنجازات عبر الاستقالات، في حال تحققها أو التحقيقات والمحاسبة، ليست هدفاً لخدمة قضية المساءلة، وفقاً لمفاهيم الديمقراطية بل هي سعي مدروس إلى تعديل موازين القوى بين الحراك والحكومة بواسطة التنافس على من يتمكن من جذب الناس إلى الشارع أم إلى الخروج منه، ولا ينسى القيّمون الإشارة للمطالبة بعدم إساءة فهمهم واتهامهم بالسعي إلى الفراغ، لكنهم قلقون من الاحتواء وهو الكلمة التي تعني الخوف من تلبية المطالب .
تضيف المصادر كشفاً هاماً عن مشروعها وطريقتها عندما تشرح بالتفصيل أنها تقصدت تحديد مهلة الاثنين وسبعين ساعة لأنها تعلم أنها مهلة غير كافية لتحقيق أي من المطالب وتريدها مجرد فسحة وقت للتحضير والتنظيم للمواجهة اللاحقة التي تسعى إليها بوعي .
إذن لبنان أمام مشروع سياسي معلن يريد دق باب التغيير وفقاً لرؤية يمتلكها ولا يعلنها ولا يريد إعلانها إلا بالتدريج، منعاً لتفتت قوته الشعبية التي كسبها بالتدريج تحت شعارات مطلبية وينميها في قلب المواجهات وعلينا أن نتكهن بهوية المشروع وأن نستقرئ من رموزه ومواقفهم وتعليقاتهم وتصريحاتهم الخلفيات التي تشكل نقطة الجمع أو عناوين الخطاب السياسي الذي يريدونه للبنان .
تقول أي مراجعة للأقوال المتراكمة لرموز الحراك أنهم يتطلعون نحو دولة الشفافية والديمقراطية اللاطائفية والحريات العامة وحقوق الإنسان، وهذه العناصر التي يبحث عنها في دولته كلّ لبناني غير مستفيد من حبال الفساد والاستزلام ويريد بلدا يعيش فيه ويعيش أبناؤه معه وبعده حياة يطمئن أنّ الكفاءة والقانون ضوابطها وأنّ الشعور بالأمان والاستقرار والثقة بالغد والضمانات الخدمية والاجتماعية تزيل من باله كل قلق على المصير .
لكنّ الواقفين وراء هذا الحراك مثل القناتين الفضائيتين القائدتين للحراك، متحدرون من مصدرين أساسيين، في ضفة الناشطين المدنيين من مناخ قوى الرابع عشر من آذار السياسي الإقليمي، وخصوصاً لجهة الموقف من سورية وسلاح المقاومة وقادتها ودورها، وفي ضفة مقابلة اليسار بمكوناته التي يشكل الحزب الشيوعي ومناصروه قوتها الرئيسية وهي الضفة الأضعف في الحراك وفي رسم خططه وقراراته، وهي ليست ضفة مقاتلة دفاعاً عن سورية والمقاومة بقوتها الرئيسية الراهنة حزب الله، وعلى الضفتين بذات النسبة تقف القناتان.
المحصلة أحد احتمالين: إما نجاح الحراك بأخذنا إلى المشكلة والعجز عن قيادة البلد نحو حلّ وفتحه من خلال المشكلة على التدخلات والمداخلات الخارجية، والمعلوم سلفاً أنها تستهدف أساساً حزب الله، أو النجاح، وفي هذه الحالة الغلبة لخط سياسي مناهض لسورية والمقاومة وتلك مشكلة جديدة تستدعي البحث عن حل بوجود قوة سيصير مهمّة الدولة الجديدة مواجهتها هي حزب الله الذي يمثل عصب المقاومة والحليف الأهم والأقوى لسورية .