محاكمة الأسير… هل تخضع لـ«سياسة التسويات»؟
يوسف الصايغ
بعد إلقاء القبض عليه في الخامس عشر من آب، أثناء محاولته الفرار عبر مطار بيروت إلى نيجيريا، أحيل الإرهابي أحمد هلال الحسيني، المعروف بأحمد الأسير، إلى المحكمة العسكرية الدائمة، بعد أن نُفّذت مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة بحقه في ملف أحداث عبرا من تموز من العام 2013، حيث سيمثل أمامها في الخامس عشر من شهر أيلول لاستجوابه حول التهم المسندة إليه والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام.
في أولى جلسات المحاكمة، مثل الأسير أمام قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا، حيث جرى استجوابه في ثلاثة ملفات جديدة تمّ فيها الادعاء عليه وعلى موقوفين آخرين، يتصل اثنان منها بأعمال إرهابية قام بها الأسير بعد فراره إثر أحداث عبرا، من خلال مشاركته في أحداث طرابلس، ومعركة بحنّين، إلى جانب مجموعة الإرهابي الموقوف خالد حبلص، وإنشائه أربع خلايا إرهابية كانت تخطط لاغتيال شخصيات سياسية ودينية والقيام بعمليات تفجير في بعض المناطق، متخذاً من منازل استأجرها في صيدا وجوارها مركزاً لأفراد تلك الخلايا ومخبأ لتخزين الأسلحة. كما واجه الأسير تهمة تزوير أوراق ومستندات رسمية واستعمالها خلال محاولة فراره إلى نيجيريا.
ولعلّ السؤال الذي يشغل الرأي العام هو: هل سيصدر حكم الإعدام بحقّ الأسير كعقاب له على سلسلة جرائمه؟ وهل يستردّ ذوو شهداء الجيش والمدنيين الذين قضوا بفعل تفجيرات الأسير الإرهابية، بعضاً من حقهم عبر حكم بإعدام من يُعتبر المتورط الأول بدماء ذويهم؟
في المقابل، هناك من يحذر من انعكاسات هكذا حكم في الشارع، وخصوصاً بالنسبة إلى الشارع السني.
حمود
وفي هذا السياق، يرى رئيس اتحاد علماء المقاومة الشيخ ماهر حمود في تصريح لـ»البناء» أنّ محاولة تجييش الشارع، ردّاً على توقيف الإرهابي أحمد الأسير «مُنيت بالفشل ولم تثمر عن شيء على الساحة، بل على العكس فقد مرّت عملية توقيفه بكلّ هدوء، ولم نر أي تعاطف معه في الشارع، كما أنّ محاولة استنهاض الشارع الذي كان جزءاً من تركيبته باءت بالفشل بعدما تبين أنه مجرم وغبي في نفس الوقت».
ويلفت الشيخ حمود إلى محاولة إدخال قضية الأسير «في نفق التسويات السياسية»، معتبراً «أنّ عملية توقيف وترك مسؤول المشتريات في قصر النائبة بهية الحريري في مجدليون محمد علي الشريف تثير الكثير من التساؤلات، وعملية إخلاء سبيله غير مبرّرة من الناحية القانونية، وإن كنّا نتعاطف معه من الناحية الإنسانية ونأخذ بعين الإعتبار إمكانية أن يكون تعرض لتهديد بالسلاح ولضغوط لكي يستقبل الأسير في منزله، لكن من الناحية القانونية، لا يوجد أي مبرّر لتركه». ويضيف: «ما أراه أنّ القرار السياسي والقضائي يسعى إلى التركيز على الذين شاركوا في حمل السلاح، من دون التوسع في الملف إلى الجهات التي دعمت الأسير بشكل أو بآخر، وربما يكون السبب عدم تكبير الملف، لأنّ ذلك سيعكس حجم الأزمة الكبيرة والفتنة، وإن كان هناك عذر اجتماعي لبعض من دعموا الأسير، فلا عذر لمن حمل السلاح إلى جانبه».
أما على صعيد محاكمة الأسير، يرى الشيخ حمود «أنّ صدور حكم الإعدام أمر متوقع ولا مفر منه، لكن في لبنان لم يعد هذا الحكم موجوداً بشكل فعلي بعد العام 2004 حين سجلت آخر عملية إعدام، ما أثار إستياء عدد من الجهات الحقوقية الغربية والأوروبية بشكل خاص، والتي هدّدت بوقف دعم لبنان إذا لم يوقف تنفيذ أحكام الإعدام».
ويلفت إمام اتحاد علماء المقاومة «أنّ مشكلة لبنان أنه محكوم بالتدخلات، وللأسف الاتجاه السياسي هو من يحكم الاتجاه القضائي في سياق مفهوم التسويات التي تحكم البلد في ظلّ الفوضى السياسية التي نعيشها».
وفي سياق الحديث عن التوازنات الإقليمية التي تلعب دوراً على الساحة اللبنانية، يشير الشيخ حمود إلى مسألة محاكمة سالم الرافعي والداعية الشهال وهما من أبرز الداعمين للأسير ومن الذين طالبوا بشق الجيش اللبناني، ويسأل: «هل يمكن محاكمتهم؟ ذلك يدخل ضمن سياسة إرضاء السعودية وقطر والمساعدات التي تقدم للبنان، وبالتالي هذا الموضوع يدخل ضمن لعبة التوازنات».
دقماق
ويرى رئيس جمعية «إقرأ» بلال دقماق، من جهته، في تصريح لـ»البناء» أنّ الأسير «انتهى لحظة إطلاقه النار على الجيش في عبرا قبل عامين، لكنّ هذا لا يعني أنه لا يجب توقيفه ومحاكمته، والكلّ يعلم أنه بات بحكم الميت منذ اشتباكات عبرا، وبالتالي فإنّ الضرب في الميت حرام». ويشير دقماق إلى ضرورة «أن تتمّ محاكمة كلّ من شارك في أحداث عبرا وورّط الأسير في هذه المواجهات»، على حدّ تعبيره، لافتاً إلى كلام الأسير عن مشاركة سرايا المقاومة وعناصر من حركة أمل وحزب الله في تلك الاشتباكات، «ولذا يجب محاسبة المُسبّب وإحاطة القضية من كلّ جوانبها، وليس من جانب واحد فقط»، بحسب دقماق.
وحول اعترافات الأسير بالتخطيط لاغتيال شخصيات دينية وسياسية، يعتبر دقماق «أنّ ما تمّ الكشف عنه من خلال التحقيقات يشير إلى خطة كانت لدى الأسير للانتقام من خصومه السياسيين في صيدا، وبالتالي عليه أن يتحمل تبعات ومسؤولية ما أدلى به في التحقيق». أما بخصوص الدعوة إلى تحريك الشارع السني والقيام بعصيان رفضاً لاعتقال الأسير، ينفي دقماق دعوته إلى هكذا تحرك لافتاً إلى أنه يؤمن «بالعمل الجدي والفعال»، وحالياً لا يرى الفرصة مناسبة لأي تحرك لا يؤدي إلى تحقيق أهدافه. ويتابع: «نحن حالياً لا نمتلك القوة لقلب الموازين وبالتالي أي تحرك لن ينتج عنه شيء. لكنني أدعو السياسيين من كافة الطوائف إلى الإنصاف والعدل وعدم الظلم، منعاً لانفجار الشارع».
أما عن انعكاسات صدور حكم بإعدام الأسير وأثره على الشارع، يلفت دقماق إلى «أنّ حكم الإعدام ألغي في لبنان، وعليه لا يمكن أن يصدر هكذا حكم بحقّ الشيخ الأسير»، لافتاً من جهة ثانية، إلى «الإعفاء عن الذين تمت إدانتهم بجرائم قتل وتفجير وحكم عليهم بالإعدام ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع مثال حي على ذلك».
ويعتبر دقماق «أنّ محاكمة الأسير سياسية بامتياز وتأتي على خلفيات طائفية والتجارب تؤكد لنا ذلك، فمن يقاتل من أهل السنة في سورية يحاكم، أما بعض من أهل الشيعة الذين يذهبون إلى سورية للقتال لا أحد يتعرض لهم». ويصف إعلان عدد من المحامين السنة نيتهم الدفاع عن الأسير «بالأمر الطيب لأنه لا يوجد من يدافع عن أهل السنة»، بحسب تعبيره.
وعن الدعوات إلى محاكمة من كان يغطي الأسير سياسياً وعلى رأسهم بعض الجهات في تيار المستقبل، لا سيما بعد توقيف مسؤول المشتريات لدى نائبة صيدا بهية الحريري على خلفية إيوائه الأسير بعد فراره من عبرا، يشير دقماق إلى «أنّ تيار المستقبل بشكل عام حذر ولا أعتقد أنه يرتكب أخطاء من هذا النوع، كما أنّ النائبة الحريري كانت لها مواقف متباينة مع الأسير، رغم أنني أخالفها الرأي حول دعوتها إلى إنزال القصاص به لأنه لا يوجد لدينا قضاء شرعي، وبالتالي كان الأولى بها أن تدعو إلى محاكمة المتورطين بقتل شقيقها»، داعياً في الوقت عينه، إلى «مزيد من المشاورات بين رئيس تيار المستقبل سعد الحريري مع الشارع المؤيد لما لذلك من انعكاسات إيجابية».
مشنتف
قانونياً، وفي ما يتعلق بصدور حكم الإعدام بحقّ الأسير نظراً للجرائم المتورط بها وفقاً لقوانين العقوبات، فإنّ ذلك موجود في القانون، بحسب رئيس الحركة اللبنانية المحامي نبيل مشنتف الذي يشير في تصريح لـ «البناء» إلى «أنّ المادة 549 من قانون العقوبات تنصّ على عقوبة الإعدام، لكنّ التنفيذ يبقى رهن السلطة السياسية، وحالياً لبنان يعيش حالة من الفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية، فتطبيق العقوبة يحتاج إلى توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة بعد أن تتم دراسة الملف كي يصبح نافذاً».
ويلفت مشنتف إلى التجربة السابقة لرئيس الحكومة سليم الحص الذي رفض توقيع حكم يقضي بتنفيذ حكم الإعدام، مشيراً إلى «أنّ الأمم المتحدة واللجان الأوروبية تعمل للضغط على الدول لمنعها من تنفيذ هذه العقوبة وإلغائها، موضحاً في المقابل، «أنّ الوضع في أوروبا مختلف عن الوضع في لبنان والمنطقة، وما نواجهه من إرهاب يحتاج إلى تنفيذ أحكام الإعدام للحدّ من الجرائم التي ترتكب».
ويلفت مشنتف إلى أنّ قضية الأسير «تضم شهداء من الجيش إلى جانب الضحايا المدنيين، وربما هذا يعزّز السير نحو صدور قرار الإعدام»، مشيراً إلى «أنّ المحكمة العسكرية تدرس كلّ قضية بمفردها في ما يتعلق بموقوفي أحداث عبرا، وتصدر الأحكام بناء على مدى مشاركة كلّ عنصر في الأعمال الحربية والعسكرية، ولكنّ الأسير يُعتبر الرأس المدبّر لهذه الأحداث، لكنّ هذه القضية تتخذ أبعاداً مذهبية وسياسية».
الادعاء على الإرهابي الأسير بثلاثة ملفات
أنهت مديرية المخابرات في الجيش استجواب الأسير وأحالت التحقيقات الأولية التي أجريت معه، مرفقة بالتحقيقات الأولية التي أُخضع لها لدى المديرية العامة للأمن العام، إثر توقيفه إلى النيابة العامة العسكرية، حيث ادّعى عليه مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي داني الزعني في ثلاثة ملفات.
وأسندت إلى الإرهابي الأسير في الادعاء الأول إقدامه على دعم الموقوف الإرهابي خالد حبلص، مادياً وعسكرياً، وتدريب عناصره والمشاركة إلى جانبه في معارك طرابلس وبحنين في 25 و26 تشرين الأول العام 2014 وتبادل إطلاق النار مع عناصر ودوريات الجيش ما أدى إلى استشهاد وجرح عدد منهم ومن المدنيين وإحداث تخريب في الممتلكات العامة والخاصة. كما أسند في الملف عينه إلى الموقوف خالد محمد أوزعر مساعدة إرهابيين على نقل أسلحة وذخائر حربية لإتمام أعمالهم الجرمية ونقل الأسير وتخبئته مع مجموعته بعد معركة طرابلس وإقدامه في 15 الجاري على نقل مسدس حربي من دون ترخيص. كما أسند إلى الموقوف حسام خضر الرفاعي إقدامه على تخبئة الأسير ومساعدته على التواري.
وأحال الزعني ادعاءه على قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا، طالباً إصدار مذكرات توقيف وجاهية بحقّ الموقوفين سنداً إلى المواد 335 و549 و549 /201 و733 و216 مكرّر من قانون العقوبات والمادتين 5 و6 من قانون مكافحة الإرهاب الصادر في 11/1 /1958 والمادة 72 من قانون الأسلحة والتي تنص على عقوبة الإعدام بالنسبة إلى الأسير وعلى السجن أشغالاً شاقة لمدة 15 عاماً لجهة الثاني والسجن من ستة أشهر حتى سنة للأخير.
كما أُسند إلى الأسير في الادعاء الثاني، الذي شمل أيضاً خمسة موقوفين أبرزهم المسؤول العسكري لديه محمد هلال النقوزي، إقدامه على إنشاء أربع خلايا إرهابية نائمة بهدف القيام بأعمال إرهابية والتخطيط لاغتيال شخصيات سياسية ودينية والقيام بعمليات تفجير والتحريض على الاعتداء على الجيش. وقد أحيل الموقوفون إلى القاضي أبو غيدا سنداً إلى مواد تصل عقوبتها القصوى إلى الإعدام.
كذلك ادعى الزعني على الأسير وموقوفين اثنين وآخر فلسطيني فار بتزوير مستندات سفر واستعمالها وتأمين تأشيرات دخول إلى نيجيريا بواسطة مكتب «خليلكو» للسفريات.
مخابرات الجيش من الضابطة العدلية
وكانت الجلسة انعقدت برئاسة القاضي خليل ابراهيم لاستكمال محامي الدفاع عن الموقوفين، مرافعاتهم. وبعد استجواب الموقوف مروان أبو ضهر الذي نفى إفاداته السابقة، زاعماً أنه كان تعرض للضرب أثناء استجوابه، وكان اسمه برز أخيراً خلال التحقيقات مع علاء المغربي، طلب الحجار الكلام، فقال لرئيس المحكمة إنّ الأسير موقوف لدى النيابة العامة، طالباً إرجاء المرافعات وتأجيل الجلسة للاستماع إلى إفادته، لما لها من تأثير على سير المحاكمات، فاستجاب ابراهيم لهذا الطلب وأرجأ الجلسة. وقال: «هذه القضية والموقوفون فيها معلقون بشخص أحمد الأسير الذي يعتبر الشخص المحوري في الملف ومجرد مثوله أمام المحكمة سيغيّر الملف لأنّ معطيات جديدة ستظهر، وسأرى ماذا قال في التحقيق الأولي».
وبعدما أجمع رئيس المحكمة والنيابة العامة العسكرية ومحامو الدفاع على أهمية إرجاء الجلسة لحين الاستماع إلى إفادة الأسير، اجتمع القاضي ابراهيم إلى وكلاء الدفاع عن موقوفي عبرا واتفقوا على الخطوط العريضة التي على أساسها ستسير المحاكمات بعد توقيف الأسير.
وبعد الاجتماع، قال أحد وكلاء الموقوفين محمد المراد: «أرجئت الجلسة لسبب قانوني وواقعي، ولو أننا وصلنا إلى المرافعات، فلا بدّ من أن تعود المحاكمة إلى نقطة البداية بعد توقيف الأسير»، معتبراً أنّ توقيف الأخير «قد يُفيد بعض الموقوفين وقد يثبت التهمة على بعضهم الآخر».
واعتبر محامي أهالي العسكريين الذين استشهدوا في أحداث عبرا بولس حنا، بدوره، «أنّ توقيف الأسير سيكشف الكثير من خبايا حوادث عبرا»، مؤكداً أنّ «التوقيف هدية لنا، وبعده، ستصبح المحاكمات أكثر وضوحاً لأنّ الفاعل بات خلف القضبان»، مشدّداً على «أهمية تأجيل الجلسات لأنّ الفاعل الأساسي أوقف وسيقول المعطيات الفعلية».
وفي هذا الإطار، أشارت المعلومات إلى أنّ بعض محامي الموقوفين اعترضوا في جلسات سابقة على أنّ مخابرات الجيش ليست ضابطة عدلية، إلا أنّ العميد ابراهيم أوضح أنّ المادة 19 من قانون القضاء العسكري تنصّ على أنّ مخابرات الجيش من الضابطة العدلية.
الأسير… «بطل أهل السنة!»
يريد الأسير أنّ يحوّل محاكمته العلنية أمام المحكمة العسكرية إلى منبر للدفاع عن أهل السنة والقول إنّ مؤامرة حصلت عليه في عبرا وأنّ سرايا المقاومة هاجمته ودخل الجيش إلى جانبها وإنه لم يكن ينوي إطلاق النار على الجيش، وهو لم يطلق النار ولديه أفلام تؤكد ذلك. ويريد الأسير أنّ يظهر بمظهر بطل أهل السنة في لبنان، فيما هيئة علماء السنة تتحضر لحضور الجلسة وفي الخارج سيعتصم فريق كبير لدعم الأسير في محاكمته وسيزداد حجم الدعم يوماً بعد يوم أثناء المحاكمة، بحيث ستشكل محاكمة الأسير إحراجاً كبيراً للرئيس تمام سلام ولتيار المستقبل، كما أنّ هذه المحاكمة ستؤدي إلى تحريك الشارع السنّي في لبنان، لذلك يعتقد البعض أنّ الجلسات في المحاكمة قد تكون مغلقة وليست علنية لضرورات أمنية.