ما بين حفلة خطوبة ابني… وعقد دورة المجلس الوطني
راسم عبيدات
لقد احتجت من الوقت لإجراء ترتيبات حفلة خطوبة ابني شادي شهراً كاملاً ما بين دعوات وحجز قاعة وغيرها، وحتى في هذا الوقت كانت هناك هفوات وثغرات، هناك من عتب علي لعدم دعوته، وهناك من لم تسعفني الذاكرة بدعوته، فكيف بمجلس لم يعقد منذ عام 1996 لم يعرف عدد أعضائه من منهم أضيف لمرة واحدة لحين الطلب ولغرض واحد محدد المصادقة على تعديل الميثاق الوطني، ومن منهم عضو، ومن منهم متوفٍ أو اصابه الخرف ويبول على حاله، ومن منهم لم يعد يعبر عن وجهة نظر حزبه أو التنظيم الذي انتدبه لعضوية هذا المجلس، ورئاسة المجلس المكلفة بالتحضير لعقد دورة عادية لما يزيد عن 714 عضواً، أكثر من البرلمان الصيني يتوزعون على كل جغرافيا العالم، تحتاج لوقت لا يقل عن ثلاثة أشهر من أجل التحضير وإعداد التقارير وتوزيع الأوراق على الأعضاء وأخذ ملاحظاتهم وردودهم إلخ… وما هو جدول الأعمال إلخ…
ولكن كل ذلك غير مهم فاللحظة مصيرية وبحاجة لقرارات مصيرية؟ وسبحان الله كل المنعطفات الخطرة والحادة والخطيرة التي مرت وتمر بها قضيتنا الفلسطينية لم تستدعِ عقد دورة جديدة للمجلس الوطني، والآن المستجدات والتطورات خطيرة وبحاجة الى جلسة مجلس وطني، بداية كانت استثنائية، وحيث أنها لم تتعارض مع مقاسات وأهداف الداعين لها بإخراج المناكفين أو من يراد طردهم أو ركنهم للتقاعد، أستعيض عن ذلك بدورة عادية تؤدي الغرض والهدف.
وإذا كانت الحجة والذريعة الإصلاح والتغيير والتطوير في بنى وهياكل ومؤسسات منظمة التحرير المتيبسة منذ عقود بفعل من جعلوا السلطة» تتغول» عليها وتجوفها وتسطو على صلاحيتها ودورها.
فالدعوة للتجديد والإصلاح في منظمة التحرير ليست بالجديدة، وأظن أنها من بعد تأسيسها ومجلسها الوطني الثالث، ودائماً كانت الجبهة الشعبية ترفع شعار الإصلاح في المنظمة، ولكن هذا الشعار كان يذهب أدراج الرياح، فلا الجبهة قادرة على فرض ذلك ولا القيادة المتنفذة كانت تقبل بذلك، أي كما يقول المأثور الشعبي «طبل عن أذن أطرش».
الحجة التي يتسلح بها الذين طبخوا ويطبخون دورة المجلس الوطني على عجل، أن حماس والجهاد ترفضان المشاركة في الدورة المقبلة، وبأن حماس تدير مفاوضات متقدمة مع «اسرائيل» لتمرير مشروع سياسي يؤدي إلى دولة في حدود موقتة، ويفصل جناحي الوطن، وهذه الحجة والذريعة لا تتسم بالصدقية، حيث لم تبذل أية جهود جدية وحقيقية لإشراك حماس والجهاد في المنظمة.
من دون لف أو مواربة وخداع وتضليل، فهذه الدورة ليس لها علاقة لا بالوحدة الوطنية، أو المصالح العليا للشعب الفلسطيني، أو تجديد المنظمة وتفعيل هيئاتها وتطهيرها من الأدران والطحالب الفاسدة المعشعشة في كل ركن وزاوية من زواياها، أو إنهاء الانقسام، بل هي ستعمل على تعميق وتكريس وتسييد الانقسام، وحتى أبعد من ذلك تقسيم المقسم.
هذه الدورة فقط لها وظيفة محددة، وحيده واحدة، هي إحكام الدائرة الضيقة المغلقة المحيطة بالرئيس وتشديد قبضتها على القرار الفلسطيني وطنياً وفتحاوياً، وطرد كل المشاغبين والمناكفين أو الطامحين في التغيير بخلاف وجهة نظر أو رؤية هذا الفريق، وكذلك على غرار الأنظمة العربية الأخرى، في عهد قبل ما يسمى بـ«ثورات» الربيع العربي التمهيد للخلافة والتوريث. ونحن لا نقول بأن أبناء حركة حماس أنبياء وليس لديهم أخطاء، وليسوا بالبريئين من تعطيل مسار المصالحة، أو ليسوا طلاب السلطة والاستئثار بها، فهم في سبيل ذلك راهنوا على سيطرة الإخوان على الحكم في مصر، والآن يراهنون على محادثاتهم ومفاوضاتهم مع «بلير» والتهدئة المستديمة أو المستدامة، ولذلك هي تتحمل المسؤولية الى جانب فتح والفصائل الأخرى في عدم تحقيق المصالحة، ولكن من أجل تحقيق ذلك كان حرياً بمن يستعجلون عقد دورة المجلس الوطني، المبادرة الى تفعيل الإطار القيادي الموقت، هذا الإطار على علاته، يضم كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، ويشكل قاعدة وأساساً للحوار الفلسطيني- الفلسطيني، ويمكن إذا خلصت النوايا وغلبت مصالح الوطن على المصالح الفئوية والخاصة أن يؤدي إلى وأد الانقسام، ولكن بقي وجود هذا الإطار شكلانياً لا قيمة لوجوده.
حتى لو جدلاً تريد حركتا حماس والجهاد المشاركة، فسنجد بأن الجغرافيا ستكون عائقاً أمام مثل هذه المشاركة، فالوصول إلى رام الله قد لا يكون متاحاً لأهل رام الله، فكيف بالموجودين في قطاع غزة؟ فالاحتلال هو من يسيطر براً وبحراً وجواً وتنقلاً وحركة.
حتى لو سلمنا جدلاً أنه من الصعب الآن جلب حماس للمشاركة في جلسة المجلس الوطني، فكما يقال دورة «تاريخية» في لحظة «تاريخية» فارقة بحاجة الى إعداد طويل ومعمق، لكي تكون هناك نتائج عملية مقنعة للجماهير، بأن هناك تغيرات جدية في البنى والهياكل والمؤسسات وآلية التفعيل واتخاذ القرار، وفي البرامج والرؤى والسياسات، وليس فقط مجرد تغييرات شكلانية، في الشخوص والمواقع والأسماء، وإعادة إنتاج الطبقة السياسية «الجهذبية» و«الألمعية» ذاتها المسؤولة بشكل مباشر عن الأزمة البنيوية للمشروع الوطني.
الذين يريدون من حماس والجهاد أن يلتحقوا في هذا الإطار المثقوب، ماذا تبقى منه؟ كل هياكله ممسكة بها مؤسسة الرئاسة وأمانة سر المنظمة الجديدة، ودورها منذ قيام السلطة بعد أوسلو اختزل كممثل شرعي وحيد، بدور وظيفي ضيق انتهازي، يدعى وقت الحاجة، من أجل غرض أو غاية محددة في الغالب لا تمت بصل للحقوق والمصالح العليا لشعب الفلسطيني.
«إسرائيل» ومن خلفها أميركا والغرب الاستعماري سعوا إلى تقويض المنظمة وتفريغها من محتواها، ومنذ قيام سلطة أوسلو «تغولت» واستولت على دور وصلاحيات المنظمة، وفرغت وجوفت بناها وهياكله. ولذلك سعوا من أجل إحلال السلطة محل المنظمة لكي يتخلصوا من قضية اللاجئين، فبقاؤها وبقاء مخيمات اللجوء، يعني بقاء قضية حق العودة واللاجئين حية وقائمة في وعي وذاكرة شعبنا، ولذلك هم يريدون اختزال المنظمة بالسلطة والشعب الفلسطيني بسكان الضفة والقطاع حتى من دون القدس.
ومن هنا أرى بأن التحضيرات لخطوبة ابني شادي، أخذت وقتاً أطول في الإعداد والتحضيرات من الإعداد والتحضيرات للدورة «التاريخية» للمجلس الوطني في لحظة «تاريخية» لن ينتج منها سوى المزيد من تقزيم دور المنظمة، وتفريغ وتجويف مؤسساتها وبناها وهياكلها على نحو أوسع وأشمل، ليصل الأمر إلى حدّ تحويلها الى كيان مشلول، ناهيك عن أن هذه الدورة ستؤدّي الى تكريس الانقسام، وتقسيم المقسم، والمقبل أخطر فهل تتحرك فتح والفصائل والجماهير قبل فوات الأوان؟
Quds.45 gmail.com