آل سعود غابت الحجج فحضرت الفتاوى…
سعدالله الخليل
على الطريقة «الداعشية» كفّر مفتي مملكة آل سعود ورئيس هيئة كبار العلماء عبد العزيز آل شيخ الفيلم السينمائي «محمد رسول الله» الذي يعرض في دور السينما الإيرانية ووصفه بأنه «مجوسي ومخالف للشرع ومعاد للإسلام»، محذراً من تداول الفيلم، واعتبره استهزاء بالرسول الكريم ويحط من قدره كما يهدف إلى تشويه الإسلام بحسب تصريحات آل شيخ.
بعيداً عن الافتاء والرؤى الشرعية لا يمكن اعتبار ما صدر عن مفتي المملكة مجرد رأي فقهي نظراً لما يحمله مقام الإفتاء العام من مدلولات سياسية واعتبارية قلّ ما يخرج عن سياق السياسات العامة في أغلب الدول الإسلامية بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، ولعلّ ما كشفت عنه وثائق موقع «ويكيليكس» تدلل على ارتباط مفتي المملكة بالعائلة الحاكمة إلى درجة أنّ المسوّدة الأولى لنظام هيئة البيعة ضمنت للمفتي ورئيس مجلس الشورى حق التصويت في الهيئة.
منذ اللحظة الأولى لانتصار الثورة الإسلامية في طهران وسقوط الشاه حليف الرياض عام 1979، أعلنت المملكة السعودية الحرب ضدّ طهران حينها، وبشكل مفاجئ ثارت الحمية السنية في مملكة آل سعود لمواجهة المدّ الشيعي في المنطقة العربية، وقبل أن ترسخ الثورة قواعد الدولة الإيرانية أصدرت الرياض أحكامها ضدّ طهران وسارعت إلى تبنّي ودعم أي مشروع معادٍ لها، فوقفت إلى جانب الرئيس العراقي السابق صدام حسين في حربه ضدّ إيران وقدّمت مليارات الدولارات على شكل مساعداتٍ مالية لحملة صدام وضغطت على دولٍ خليجية أخرى لتحذو حذوها قبل ظهور ما تعتبره السعودية نفوذاً إيرانياً في المنطقة يسحب البساط من تحتها.
تستند السعودية في حربها ضدّ إيران بتطبيع الثورة لهوية الدولة الإيرانية بصبغة دينية بما يضرب بالشرعية الدينية للمملكة السعودية بصفتها راعية الحرمين الشريفين، وكأنّ رعاية المسلمين حكر على المملكة، وأنّ الثورة الإسلامية في إيران تشكل خطراً على الدولة المدنية السعودية القائمة على الدساتير والأنظمة.
بعيداً عما تروّجه السعودية من مدّ شيعي في المنطقة تقوده طهران أو طموحات إيران النووية والعسكرية أو مساهمتها في قمع الإرادات الشعبية السنية في المنطقة التي أعلنت المملكة دعمها بكافة السبل المادية والبشرية ومدَّتها بمقاتلين من مئات الجنسيات لتمرير مشاريعها السياسية تبدو مشكلة السعودية الحقيقية أنها أمام نموذج دولة قوية تمتلك كلّ مقومات النجاح التي تفتقدها المملكة وصنعت مقومات صمودها في وجه العقوبات من دساتير وقوانين وانتخابات تشريعية ورئاسية ديمقراطية وثروات باطنية وصناعات متقدمة متنوّعة حيت قالت «لا» في وجه واشنطن فيما بقيت المملكة رهينة وتابعة للولايات المتحدة رغم ما تملكه من ثروات نفطية ومالية هائلة.
يدرك آل سعود عجزهم عن مجاراة إيران في بناء دولة قوية البنية الاقتصادية والقانونية والتشريعية كونها تفقد أسباب وجودهم في سدة الحكم والتحكم بالمملكة ومواطنيها، فأيّ انتخابات تضمن بقاء طاقم حكومي لا يتعدّى تحصيل خُمس أعضائه العلمي في أحسن حالاته هي المرحلة المتوسطة من التعليم، أي ما يعدّ دون مرتبة محو الأمية في مقاييس التعليم الحديث، فهل يصمد آل سعود أمام منظمات مجتمع تتمسك بدساتير وقوانين ترفض سجن مواطنيها بتهمة التغريد على موقع توتير؟ وهل يجرؤ آل سعود بما يملكون من سلطة مالية وإعلامية على خوض انتخابات تدعم مرشحاً لهم على أساس تيار محافظ في وجه رائف بدوي كمرشح إصلاحي؟ فلمن ستكون الغلبة في معركة انتخابية كتلك التي تشهدها إيران منذ انطلاقة الثورة بين تيارات إصلاحية ومحافظة؟
وكما في السياسة كذلك في الفكر تدرك الرياض بأن لا مجال للمقارنة بين فكرها الوهابي وما قدم للبشرية عبر عقود من فتاوى القتل والتكفير والجهاد والنكاح وبين مشروع فكري قدم للبشرية آلاف المفكرين والشعراء والعلماء في ميادين الحياة المختلفة منذ قرون.
تُشهر السعودية أسلحتها الوهابية في وجه إيران لعجزها عن مجاراة مشروع الدولة الإيرانية فتلجأ لضرب نجاحاتها بالاعتماد على مجموعة فتاوى وشعارات عريضة تدغدغ مشاعر المتدينين بالسعي لمواجهة المدّ الشيعي ودعم صمود أهل السنة بما يشبه أسلوب «أزعر الحارة» العاجز عن مجاراة مثقفها بالعلم والخلق فيستهدفه بحجارته ويسلط صبيان الحارة لتشويه صورته.
غابت الحجج السعودية المقنعة لمواجهة إيران فحضرت الفتاوى ورغم تأكيد مخرج الفيلم مجيد مجيدي بأنّ العمل يهدف إلى تغيير صورة الإسلام لدى الغرب التي شوّهت بفعل تصرّفات مجموعات إسلامية متشدّدة كتنظيم «داعش» التي صوّرت الدين الإسلامي وكأنه يحرّض على العنف والإرهاب وبالرغم من أنّ الفيلم لم يجسد النبي محمد إلا أنّ سيف الفتاوى الوهابية لم يمنع آل سعود من استغلاله لتصويب سيوفها صوب طهران.
«توب نيوز»