تقرير

قالت صحيفة «لوموند» الفرنسية في افتتاحيتها أمس إن موجات اللاجئين التي تدفقت نحو أوروبا كانت بمثابة جرس إنذار لدى دول أوروبية كثيرة، ولدى الأوروبيين الذين لم يجربوا من قبل تحدّياً بهذه الجدّية وهذه الحساسية.

وكانت حرّية الحركة من أهم المكاسب التي احتفلت بها الدول الأوروبية بعد سقوط جدار برلين عام 1989، لكن موجات اللاجئين التي اجتاحت أوروبا وضعت بعض دول القارة في حالة من التوتر والقلق وإعادة تقييم المكاسب.

كانت هنغاريا ـ التي تمنع اللاجئين اليوم من الوصول إلى ألمانيا ـ الدولة الأولى التي تتمرد على الستارة الحديدية بعد عام 1989 عندما انفتحت على الغرب وفتحت حدودها مع النمسا لتسمح لعشرات الآلاف من الألمان الشرقيين بالوصول إلى ألمانيا الاتحادية أو ألمانيا الغربية كما كانت تعرف قبل سقوط المعسكر الاشتراكي.

إلا أن هذه الدولة هي نفسها التي مدت عام 2015 على طول حدودها مع صربيا سياجاً من الأسلاك الشائكة بطول 175 كيلومتراً لتمنع اللاجئين القادمين من دول آسيا وأفريقيا المنكوبة أو الفقيرة من الوصول إلى ألمانيا وغيرها من دول أوروبا الغربية الغنية.

وقالت الصحيفة إن الجو المعادي للاجئين القادمين من خارج أوروبا لا ينحصر في هنغاريا فقط، بل يتعداها إلى دول كثيرة من وسط أوروبا ـ التي كانت في السابق جزءاً من المعسكر الاشتراكي أو السوفياتي ـ مثل سلوفاكيا وبولندا.

وأشارت الصحيفة إلى أن صربيا تشذ عن هذه القاعدة، ولا تتشارك مع جيرانها معاداة اللاجئين، بل قدم الصربيون الماء والطعام والمأوى للاجئين الذين مروا بهم، وكانوا يهرعون لمساعدة اللاجئين في عبور وتجاوز الأسلاك الشائكة التي أقامتها هنغاريا.

وبيّنت الصحيفة أن دول أوروبا الوسطى المعادية للاجئين تعتقد أنها تحمي حدود الاتحاد الأوروبي، وتدعي أن حرية الحركة لا تشمل القادمين من خارج أوروبا أو دول الاتحاد الأوروبي، على رغم أنها كانت من الدول التي استفادت من عقيدة حرية الحركة التي كفلتها قوانين الاتحاد الأوروبي ومعاهدة شنغن.

ولا تتعدى نسبة الهنغاريين الذين يؤيدون تقبل ومساعدة اللاجئين 10 في المئة من إجمالي عدد السكان، وفي سلوفاكيا 80 في المئة من السكان لا يؤيدون استقبال اللاجئين، أما في بولندا فثلاثة أرباع السكان لا يوافقون على قبول اللاجئين في الاتحاد الأوروبي.

وفي ما يتعلق باستحداث نظام حصص يضمن توزيعاً عادلاً للاجئين على دول أوروبا، فتقول الصحيفة أن كل دول أوروبا الوسطى معادية لفكرة الحصص، ولا يرغب بعضها مثل بولندا وسلوفاكيا إلا في استقبال بضع مئات من اللاجئين السوريين والمسيحيين حصراً.

ورأت الصحيفة أن ما يجري اليوم يحتوي على مفارقات لافتة: الأولى أن تكون الدول التي عاشت في عزلة فرضت عليها لنصف قرن من الزمان أيام الاتحاد السوفياتي السابق وكانت من أول المتحمسين والمستفيدين من عقيدة حرية الحركة والتنقل في أوروبا، أن تكون اليوم السباقة إلى إنكار هذا الحق على «غير الأوروبيين».

واستمرت الصحيفة في انتقاد دول المعسكر الشرقي السابق في أوروبا، وصوبت سهامها هذه المرة نحو جمهورية التشيك، وقالت أهل الانفتاح على العالمية السنوات العشرين الماضية، وأصحاب شعار «أوروبا بلا حدود» أيام رئاستهم الاتحاد عام 2009، هم أنفسهم الذين يرفعون اليوم شعار «حماية أوروبا» التي كانت شعار الرئاسة الفرنسية للاتحاد عام 2008.

أما المفارقة الثانية، فهي أن الجزء الشرقي من وسط أوروبا عانى من الاضطهاد السوفياتي، وتسبب ذلك الوضع في أكثر من مناسبة في نزوح آلاف اللاجئين.

أكثر من مئتي ألف من الهنغاريين هربوا من الدبابات السوفياتية إلى النمسا عام 1956، وتم إيواؤهم وتوزيعهم على دول أوروبية عدة، ولم ينازعهم في ذلك الحق أحد.

الأمر نفسه حدث للتشيك والسلوفاك بعد غزو السوفيات بولندا عام 1968، وللبولنديين بعد سحق حركة التضامن عام 1981.

وتساءلت الصحيفة: ما الذي يحدث أهو فقدان الذاكرة، أم فكرة بقاء التضامن بين الأوروبيين؟

وأردفت قائلة إن علينا ألا ننسى حقيقة ماثلة منذ عام 1989، حيث انتقل مليون بولوني وسلوفاكي وأوروبي من دول البلطيق إلى بريطانيا وشمال أوروبا سعياً لحياة أفضل، و15 في المئة من سكان رومانيا وبلغاريا انتقلوا إلى دول أوروبية أخرى للعمل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى