متى يمتطي اللاعب السعوديّ حافلة الأمم؟

د. وفيق ابراهيم

تأخّر الراكب السعودي عن امتطاء حافلة الأمم المنطلقة ببطء مدروس. يومئ بيده إليها ولا يصعد. يقال إن السعودي يحاول قبل انطلاق صفارة الإقلاع تجميع نقاط قوة تعينه على دفع كلفة الحافلة وحجز مقعد محترم فيها.

ما يهمّ الرياض أولاً وقبل أيّ شيء هو وضع البلدان التي تطوّق المملكة جغرافياً… فمن يسيطر على البحرين يهيمن على الشاطئ السعودي المقابل ويتكامل مع مناطق شرق السعودية. لذلك تحتلّ المنامة رأس الاهتمامات الاستراتيجية للمملكة التي لا تدّخر جهداً و«مهما غلى» للإمساك بها. ولا تمثل البحرين بالنسبة إلى طهران إلاّ قيمة إزعاج للسعودية وضبطها في إطار الاعتدال مع بعض الأهميات الإيديولوجية والحنين التاريخي، فأميركا موجودة على طول الشاطئ العربي الخليجي ولن تزيد عليها قيمة مضافة قوّتها في البحرين وقواعدها فيها.

أما خطر البلدان على السعودية كما تزعم سلطاتها، فهو العراق بما فيه من كثافة سكانية وإمكانات نفطية ومياه وأراض خصبة. لذلك تعمل الرياض دوماً على فكفكة وحدته الداخلية مذهبيّاً وقوميّاً. ومحاولاتها في اللحظات الأخيرة لتفجير حرب مذهبية كبيرة على مستوى المنطقة كانت واضحة. وهنا ننضمّ ببراءة إلى جمهور المتسائلين: ما هي الأهمية العسكرية لمرقديْ إمامين شيعيّين في سامراء عمرهما أقلّ بقليل من ألف عام لإقدام الاستخبارات السعودية على دعم محاولات احتلال مدينة سامراء وتفجير المقامين الشريفين؟ الهدف واضح. وهو محاولة لسوق العراق واليمن والبحرين والسعودية نفسها والكويت وسورية ولبنان وآسيا الوسطى والهند إلى حروب أهلية بقياس حرب عالمية… قد لا تحتاج إلاّ إلى دفعات بسيطة لاندلاعها.

وتندرج في الإطار نفسه جامعة الأنبار، فالرياض حريصة على الالتصاق بالقرون الوسطى ومنع العلم وتعميم الجهل ونسف التكامل الداخلي لدول الطوق حولها.

الانتقال إلى اليمن يزيل كل لبس حول خفايا الدور السعودي السلبي. الرياض بأجهزة استخباراتها، معروفة بإدارتها جميع القوى في اليمن: مَن معها، ومَن ضدّها، المهمّ أن تبقى حروب اليمن مفتوحة، ولا تستقيم فيه دولة، لذلك أثارت الاستخبارات حروباً بين المذهبين الزيدي والشافعي، وهما قريبان على المستوى الفقهي. وقدمت الفقه الوهابي بديلاً منهما بواسطة «القاعدة» واشتقاقاتها، إنما بلغة الحديد والنار والقتل والتفجيرات الانتحارية… إنها الريالات السعودية التي تستمطر الفتنة في بلاد العرب وآسيا الوسطى.

لا يتحمّل آل سعود حتى دولة صغيرة بحجم قطر، فهي من بلدان الطوق، فيسعون إلى تأديبها وإعادتها إلى بيت الطاعة بالتهديد والوعيد، متجاهلين أنّ الدوحة مأمورة من أصحابها الأميركيين وقواعده العسكرية ولا خوف عليها ولا من يحزنون، وأقسى ما تجنيه الرياض من غضبها، رعاية الأميركيين تسوية بينهما تبقي الأميركي اللاعب الأول.

الكويت بدورها بدأت تبحث عن مصالحها خارج الرعاية السعودية، إنما بمباركة واشنطن. لذلك ذهب أميرها إلى طهران باحثاً عن أمان لإمارته الواقعة بين ثلاث قوى استراتيجية شبقة لكنها ليست لبقة، وهي السعودية والعراق وإيران.

هذه هي براغماتية آل الصباح الذين يحاولون توزيع هيمنة السعودية عليهم، إلى علاقات مع العراق وإيران والسعودية وتحت المظلة الأميركية. ويندرج الأمر مع سلطنة عُمان التي كانت السباقة إلى تنظيم علاقاتها مع إيران. وتبقى الإمارات في وضعية المتربّص الذي ينتظر إشارة من معلمه الأميركي لكنها لم تصل بعد، إذ تريد واشنطن أن تحتفظ بأوراق لها حتى انعقاد التسوية المرتقبة.

لا خوف على آل سعود من الأردن، فهو شقيق إلى حدّ أنه يعتاش على المساعدات الأميركية ـ السعودية، لكن ما يخيف هو النفوذ السوري الذي يتمتع بدور كبير في عمّان. يكفي التذكير بأنّ ثلث المناطق الأردنية كانت تابعة لمنطقة حوران السورية، ولا يزال أهلوها مرتبطين بأنسبائهم في درعا وجوارها. إضافة إلى العلاقات السورية مع الحركات الوطنية والتقدمية والفلسطينية. تخيف هذه الوضعية السورية آل سعود فيتعاملون مع سورية كأنها من البلدان التي تطوّقهم، خاصة لجهة حلفها مع إيران وحزب الله. يحاولون إذكاء نار الفتنة في دمشق وبيروت، ولا يقبلون بانتخابات لم يسبق لهم أن عرفوها أو جرّبوها. فالوهابية فقه يعتقد أنّ الله أولاه شؤون الناس، والناس إمّا مؤمنون أو أهل جاهلية، والمؤمنون هم بالطبع الوهابيون، لذلك ترفض الوهابية القوانين الوضعية والدساتير وتقدم النظرية الكونية الثالثة حول ضرورة تعميم آل سعود على الكون بأسره!

هؤلاء هم آل سعود القلقون على مصيرهم فيدفعون في اللحظات الأخيرة إلى تفجير الحدّ الأقصى من مزايا البلدان المجاورة ويرمقون بقلق تأهب حافلة الأمم للانطلاق. فيندفعون لتحسين شروطهم، ضاربين في اليمن والعراق وسورية، وحائلين دون انتخاب رئيس جديد للبنان، ومحرّضين ملك البحرين على أهلها وهم ينتظرون في خاتمة الأمر دويّ صفارات الحافلة لعلهم يدركونها وفي تلابيبهم نقاط قوة.

فهل يدركون ما فاتهم؟

ها هي راعيتهم واشنطن تبدأ حواراً عميقاً مع إيران، على أن يليه لقاء روسي ـ إيراني، قبل اجتماع بلدان الـ5+1 مع طهران، وتتصرّف الرياض وسط هذه الهرولة الدولية على نحو ما قاله البدوي «كلّ الجمال قاسمة إلاّ جملي»… والجمل البارك هو جمل آل سعود المصاب بعمى الحقد، ويتآمر لتشكيل محور سعودي ـ مصري ـ باكستاني، يرغم أميركا على تأخير انطلاق الحافلة، حتى تتمكن الرياض من إسقاط النظام السوري وحزب الله وإيران وربما روسيا والصين ودول الحلف الأوراسي ومعاهدة شنغهاي وبلدان البريكس!

إنها صفقات أضغاث أحلام من ذلك البدوي القابع تحت عين الشمس التي أصابته بدوار، فبدأ يحلم لعلّ الله يغيّر له ما هو عاجز عنه.

فمتى تعرف السعودية أنّ النفط مهمّ لكنه ليس كلّ شيء، لربما تعلم قريباً أنّ موازنات القوى لا ترتكز على قوة وحيدة، رغم أنّ الرياض صاحبة نفوذ يستند إلى نقطتين اثنتين: المال والدور الديني المتكئ إلى وجود الحرمين الشريفين على أراضيها.

هذا لا يكفي حالياً على قوته النسبية، فموازنات القوى أصبحت تجمع اليوم بين تقدم الدول والأحلاف والأنظمة الاقتصادية الإنتاجية وليس الريعية. والقوى العسكرية والثقافية ووسائل الاتصال والمستوى العلمي.

ولا أحد يرى أنّ للسعودية دوراً في الشروط المذكورة. فالمعتقد أن الرياض لن تتأخر في امتطاء الحافلة حين تخبرها واشنطن أن الأمور سائرة إلى حلول جدية، أما مسألة امتلاك السعودية دوراً فمرتبطة بمدى قدرة الرياض على تأسيس علاقات عربية وإسلامية ترتكز على مصالح شعوب المنطقة وليس على اهتمامات آل سعود وأقرانهم والمستظلين بهم… في أميركا والاتحاد الأوروبي وتركيا بني عثمان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى