نساء التمعن نضالاً وشهادةً… وماجداتنا كنّ المعلّمات ٨

الدكتور نذير العظمة في كتابه «أدب المقاومة بين الأسطورة والتاريخ» يقدّم للقارئ دراسة تغوص في أعماق العلاقة بين الشعر والثورة، وحدود تأثير الواحد منهما في كينونة الآخر، مقدّماً من أجل توضيح ذلك أمثلة عديدة عن ثورات كبيرة وقعت كالثورتين الفرنسية والبلشفية الروسية.

لقد حاول الدكتور العظمة أن يعالج بنفسٍ فلسفي عملية الانبثاق الثوري والانبثاق الشعري وطبيعة العلاقة بين الاثنين وكذلك دور الإيديولوجية في هذا الشعر.

يتكلم المؤلف في مقدمة الكتاب ـ الدراسة عن الموروث التاريخي لدى معظم مفكرينا وكتّابنا المتعلق بالتبعية للحضارة الغربية والانبهار بها، والتي شكّلت لوقتٍ طويل عاملاً مانعاً من توليد الإبداع عندنا.

يتوزّع الكتاب على خمسة أبواب يعالج في الباب الأول شعر النضال الجزائري والتجربة الثورية، وفي الباب الثاني اتجاهات الشهر المقاوم والكفاح الفلسطيني. أما في الباب الثالث يتطرّق إلى المرأة المقاومة، وفي الرابع يشير إلى الرؤية العربية، أما في الباب الخامس فيتكلم على الشعر المقاوم بين الوظيفة التاريخية والفنية.

و«البناء» إذ تنشر الدراسة على حلقات فلأنها تعتقد بأنه من الضرورة بمكان إبراز طبيعة العلاقة بين المقاومة والشعر، وطبيعة العوامل المؤثرة سلباً أو إيجاباً، الأمر الذي أبرزه الدكتور العظمة في دراسته.

في هذا العدد يتطرق الدكتور العظمة لبعض التجارب الشعرية ذات الصلة بنساء مقاومات بتنَ رموزاً تلامس الأساطير، فالشاعر نزار بني المرجا في قصيدته فاطمة يخاطب الإنسان الدائم باللغة اليومية العابرة التي تنزف بالحقائق وعاطفة الولاء للرحم ـ الأم الذي هو الأرض.

أما نزار قباني فله فاطمة أخرى هي فاطمة الجنوب اللبناني التي تعبّر عن التحرير وهزيمة العدو الصهيوني. نزار البارع في توظيف إنجازه التاريخي في شعر المرأة والغزل من أجل القضية القومية حتى لا يخيّل إلينا أنه انتقل من الجسد في قصيدته عن جميلة بوحيرد إلى حب المرأة والوطن في لمحةٍ واحدة.

ولا بدّ من الإشارة إلى أن الكاتب أكد أن ظاهرة المقاومة لم تأتِ من الفراغ ذلك أن لها جذوراً في تاريخنا الأسطوري: «جلجامش»، «بعل»، «مار جريوس ـ الخضر» و»عشتار».

لنستمع الآن إلى فاطمة مع شاعرنا د. نزار بني المرجة في قصيدته «بوابة فاطمة» تقول:

لماذا إذ رحت صوب الجنوب

وشرقاً

ويممت صوب الجنان صرختي قفي!

لماذا صرختم:

قفي ثم عودي سريعاً

كأن التراب جحيم…

وكنت أريد البلاد… بلادي

التي لا تهدأ

……

هي الروح والقلب والمشتهى

وأشهد أن المدى في فلسطين

أحلى

وأشهد أن فلسطين أعلى…

وأغلى!

……

هي الأرض… وحدها الأرض…

تستحق دمي

… تلك بوابتي

نحو ذاك المدى

فلسطين أحلى البلاد

وأغلى البلاد

فلسطين جرح… ونزف…

شغاف القلوب… شغاف الفؤاد

وشاعرنا يخاطب الإنسان الدائم باللغة اليومية العابرة التي تنزف بالحقائق وعاطفة الولاء للرحم الأم وأرض الوطن بإيقاعات البحر المتقارب في قصيدة مدورة تقود المتلقي إلى بوابة فاطمة ومنها إلى فلسطين المغتصبة.

ألا تستحق فاطمة شاعرنا بني المرجة ما قاله امرؤ القيس في فاطمته النجدية على بعد الزمان والمكان في مسافة التاريخ؟!

أفاطم مهلاً بعد هذا التدلل

وإنت كنت قد أزمعت طرفي فأجملي

أغرّك مني أن حبك قاتلي

وأنك مهما تأمري القلب يفعل

ومع إيماننا بأهمية قيمة الحب التي انطلق منها امرؤ القيس إلا أن حب الوطن الذي عبرت عنه قصيدة «بوابة فاطمة» للشاعر بني المرجة على بساطتها المتألقة لا يكتمل بغير تراب الوطن الذي انتهبته العصابات الصهيونية.

القباني وفاطمة الجنوب اللبناني

وهذا يقودنا إلى فاطمة أخرى هي فاطمة الجنوب اللبناني التي اتجه إليها نزار قباني في قصيدته بعنوان «آخر عصفور يخرج من غرناطة». علماً أن خسارة الأندلس التي يكني بها القباني عن خسارة فلسطين تدفعنا إلى القول: شتّان بين الخسارتين. لكن الذاكرة التاريخية عند نزار تُوظف في قصيدة «آخر عصفور…» لتداخل المأساة والتاريخ في ماضينا الحضاري الذي نسوره بالوعي والتضحية وتفرقنا ملوك الطوائف والقبائل والعشائر على حساب الكرامة والهوية.

فمن هي فاطمة نزار قباني هذه، مقارنة بفاطمة الشاعر بني المرجة وفاطمة امرؤ القيس؟! إنها فاطمة التحرير، فاطمة الجنوب اللبناني الذي هزم العدو الصهيوني بالشهادة والموت طريقاً إلى الحياة.

وقصيدة نزار قباني تحتفل بفاطمة بيروت والجنوب على منطلق البحر الكامل وتعدد القافية، بينما بوابة فاطمة الأخرى مدورة على إيقاع المتقارب.

ونزار قباني بارع في توظيف إنجازه التاريخي في شعر المرأة والغزل من أجل القضية القومية حتى ليخيل إلينا أنه انتقل من الجسد في قصيدته عن جميلة بوحيرد إلى حب المرأة والوطن في لحمة واحدة بنفس درامي. والصوت الراوي الواحد للشاعر يجعله أشبه بالعراف في الدراما المسرحية. إنه ينطق بالحكمة عن خسارة الأرض والرحم ويلمع إلى الأسباب المادية التي تقودنا إلى خسارة الوطن فنضحي فالحب وفاطمة والقيم جميعاً، حفاظاً على مصالح النفس والسوق العالمية.

وشاعرنا نزار يتخذ من عيني الحبيبة مركبين يسافر بهما ولكن إلى أين؟! «هل هنالك من مكان»؟!

يحفظنا من هذه المأساة المطبقة على الروح؟!

يقول شاعرنا لفاطمة:

إني أحبك يا التي اختزنت بعينيها بحيرات الجنوب

ظلّي معي حتى يظل البحر محتفظاً بشرفته

ويبقى الخوف محتفظاً بنكهته

ويبقى فاطمة يحلق كالحمامة تحت أضواء الغروب

ظلي معي فلربما يأتي الحسين وفي عباءته الحمائم والمباخر والطيوب

ووراءه تمشي المآذن والربى

وجميع ثوار الجنوب

ويفنّد شعرياً نزار أسباب المأساة في كلامه عن بيروت:

بيروت أرملة العروبة والحواجز والطوائف

والجريمة والجنون

بيروت تمكث كالدجاجة في الطريق

فأين فرّ العاشقون؟

بيروت تبحث عن حقيقتها

وتبحث عن قبيلتها

وتبحث عن أقاربها

ولكن الجميع منافقون.

أرأيتمُ شجراً يفكّر بالهروب

غرناطة خلفي

وفاطمة كعصفور تبللها الكآبة والشحوب

كيف الدخول إلى القصيدة يا ترى؟

وقميصيَ العربي مملوء بآلاف الثقوب

هذا هو الزمن المضرّج بالبشاعة

والنذالة

والخيانة

والذنوب

هذا هو الزمن الذي فيه الثقافة

والكتابة في غروب

هذا هو الزمن الذي يلقي المسدس فيه أفكار الشعوب

لاحظ كيف يصنع شاعرنا من الكلام اليومي لغة شعرية مستعيناً بالصورة الحسية وإيقاع الحديث ليسمو إلى لغة شعرية حديثة شفافة ولكنها كثيفة بالضوء الذي يفضح مأساتنا القومية.

ويصير النفط مفردة شعرية لا اقتصادية بل مرآة تعكس أوجاعنا ومثالبنا القومية التي قادتنا إلى خسارة غرناطة في الأمس وجرّتنا اليوم إلى خسارة فلسطين.

النفط عقّدنا

وخدّرنا

وشوّهنا

ومرّ كأنه الحلم الكذوب

النفط هذا السائل المنوي

لا العربي

لا القومي

لا الشعبي

هذا الأرنب المهزوم في كل الحروب

والنفط يشري ألف منتجع بـ»مربيا»

ويشري نصف باريس

ويشري نصف ما في نيس من شمس وأجساد

ويشري ألف يخت في بحار الله

يشري ألف امرأة بإذن الله

يشري ألف غانية لعوب

لكنه لا يشتري سيفاً لتحرير الجنوب

ونزار الذي بعزق عمره في العشق وقصائد الجسد يعلن بيانه الثوري على ذاته ولا يكتفي بالهتاف «أنا إرهابي» في قصيدته المعروفة بل يتفجر غضباً ويعلّق:

لا يبلغ العشاق ذروة عشقهم

إلا إذا التحقوا بصف الغاضبين

إني لأعلن أن ما في الأرض من قمح

ومن عنب وتين

حق لكل الجائعين

وهكذا تتحول القصيدة من نار المقاومة إلى دراما تقطر بالدمع والدم على مأساتنا التي حولت مدننا إلى مستوطنات ليهود الشتات وتحولنا نحن إلى لاجئين في مخيمات الذل أو سواح في مقاصف البغاء والشهوة.

فانسحب الشاعر المغني من المشهد وطلع علينا العراف الذي يجبهنا بالحكمة كأننا جميعاً في مسرح الحياة التراجيدي الذي خسرنا فيه أنفسنا فخسرنا أوطاننا وضيعنا هوية الحضارة والدولة.

ظاهرة المرأة المقاومة والأسطورة

كيف ولدت عندنا ظاهرة المرأة المقاومة، هل جاءتنا من فراغ أم أن لها جذوراً وبذوراً في تاريخنا وأساطيرنا الشعبية والدينية والحضارية حتى يطلع علينا موكب من الصبايا الشهيدات يكبدن العدو الخسارة والعار ويدخلن محرقة الموت طوعاً ويعلنّ على شاشات التلفاز سير النضال والشهادة ويكسبن أزرار محو الجسد لتبقى روح الأمة متوهجة ساطعة في وجوه الأجيال.

الشهادة هي علامتنا المستمرة في مسار الحضارة والتاريخ لا حباً بالموت بل عشقاً للحياة وربيع الروح.

فتحول الشعراء الطليعة، عندنا من الغناء والوجدان إلى فكر المأساة وأشكال شعرية تحتفل بالسرد القصصي والبند المسرحي والقصائد الدرامية التي حللنا نماذج منها في هذه الدراسة للقباني والعظمة ودرويش والقاسم وكنفاني. ووجد بعضهم ملاذاً في طقوس الخصب وثنائية الحياة والموت والجفاف والخصب، ما يعبّر عن مأساتنا الوجدانية والقومية والنفسية وتحولت قداسة حريقة جاندراك إلى عرس تموزي تتغلب فيه الحياة والولادة المتجددة. وتؤكد صراع الخير والشر والتصدي للتنين كما في قلقامش وبعل ومارجرجس والخضر على الفناء والزوال مع التموزيين. وهيمنت على المشهد الشعري عناة أو عشتار المقاتلة وُيّبت صورتها الرومانسية في الجنس والعشق التي احتكرتها فينوس الرومان أو أفروديت الإغريق اللتين جذبتا حركة أبولو من قبل إلى حين. واحتلت نزعة التأصيل مكان القلق إلى التغريب.

وعبّر شعراء كلاسيكيون عن احتفالهم بهذا الفداء الذي يقودنا إلى الحياة والعز. وتعالت أصوات مفاجئة تحلل ولوج حرائق الموت لمعانقة ربيع الحياة والتغلب على المهانة والذل الذي تفرضه علينا الإمبريالية الجديدة. وسمعنا قصائد متألقة لشعراء كلاسيكيين كحسين عرب من السعودية ومحمد يوسف حمود من بيروت تزغرد على المسرح جسم سناء محيدلي وانتصار الحياة واستشهادها المضيء.

إنه لأمر ملفت أن تستشهد سناء محيدلي ومريم خير الدين وابتسام حرب ونورما أبي حسان وزهر أبو عساف وفدوى حسن غانم وهنّ جميعاً رفيقات في الحزب في عمليات فدائية في تواريخ متقاربة 1985-1986-1990 وفي مواقع للجيش «الإسرائيلي» المحتل وأصابته بخسائر بشرية فادحة في الجند، ما دفع بالمعتدين والمحتلين الذين ظنوا أن ما أنشؤوه من سلطة لبنانية متعاونة في الجنوب ستوفر لهم الأمن والمناعة، لكنهم لم يجدوا غير الانسحاب حلاً من دون مفاوضات أو شروط. فما يؤخذ بالقوة في الميدان لا يسترد إلا بالقوة.

وقد صاحبت عمليات الفداء صور لبعضهن وهنّ يقرأن كتابنا سيرة شهداء الحركة السورية القومية الاجتماعية 1981-1982 والملاحظ أن البيانات التي تقدمن بها على شاشة التلفاز قبل استشهادهن تؤكد أن الغاية منه «تحرير الأرض وتحرير الإنسان» وهو عنوان المقدمة التي كتبناها لهذه السيرة وحررناها في سويت من فندق نابوليون في رأس بيروت الذي سكناه في تلك المرحلة. وعلمت أخيراً أن ابتسام حرب قضت ليلتها قبل الاستشهاد حيث أنجزت هذا الكتاب وتوجهت منه إلى عرس الفداء القومي فرَثَيْتُها بالقصيدة التالية:

ابتسام حرب

سيدة المصير

ابتسام أنا يتوهّج فيَّ العتم

أجمع النقيضين

النار والماء

الجسد النبض الذي يستحيل إلى نجمة

أتوحّد بإشراق الـ T.N.T

وأطلع فجراً يضيء الكلمات

ويصنع اللغة الجديدة.

ابتسام حرب أنا

وحرب ابتسام

آتيكم بعصر تتغير فيه الأسماء

بزمن تقشر فيه القيم

ليس الجلد هويتنا

ليس البشرة

إنها الانتماء إلى الأرض

الأرض التي يقضمها السرطان

يتنكر بالعافية

يتلبس الأمن

ويستعين على براءتنا بالمخلب

يمده إلى الرحم

يمزّق الشغاف والنبض

ليقيم رايته المسدسه

جرادة أسطورية

تلبث ثوب الأنبياء

وتأكل صدر الأرض الأخضر

فنخرج عليه من لهب الجنوب

وأنفة الشوف وقلعة الشهباء

سناء خالداً، ابتسام شهادة شهادة ابتسام

تغير وجه الأرض ونرسم المصير.

عروس الجنوب بل عروس النار

الشهيد، هذا المخلوق النادر، هو خميرة الخلق وأبجدية المصير، والأمة التي لا شهداء لها لا ذكر لها في ذاكرة التاريخ.

تحرير الإنسان وتحرير الأرض هو الحلم الذي يحرك عروس الجنوب إلى الفرح بالموت.

ترفض الراهن وتتعلق بالدائم. ومع إدراكها هشاشة الحاضر وصدفه تؤمن أن الانتصار يبدأ من بنية الفرد ونفسيته. تنتصر على الأنا، وتتشبث بالإنسان الكل، الإنسان المجتمع، الإنسان الدائم في كل كائن فتعانق الموت.

الشرارة التي حولت وجه العتمة إلى نجمة لا تنطفئ. البراءة التي تريد أن تصنع العالم من جديد. تمارس التضحية بالتصميم والإرادة لكي لا يموت الإنسان مجاناً ولكي لا تموت الأطفال وتذهب الأرض الأم، هذا معنى استشهاد الإنسان من أجل الإنسان وحين يستقبل الشهيد الموت يفرح به لأنه على يقين من أن موته سيقدم الأمة نحو الحرية والعدل، ويختصر مسيرة العتمة إلى الفجر.

الشهيد إضاءة سريعة في عالم هش لكنها وهج يخرج الأمة من قبر التاريخ إلى ملعب الشمس.

المرأة بين الأسطورة والتاريخ

لقد ارتقت المرأة من التاريخ إلى الأسطورة، هذا في أساطيرنا الموروثة. أما تاريخنا وآدابنا العريقة فإنها حافلة بأمثال سيراميس وكليوباترا وزنوبيا وشجرة الدر اللواتي رماهن التحيز الذكوري والشوفيني اللاإنساني بالنقصان والعار.

وظاهرة المرأة المقاومة في تراثنا تتصل بالجذور والفروع وهي حية مستمرة في تاريخنا وأدبنا وأساطيرنا فكيف إذن نصدق أو نؤخذ بالعيون العوراء التي تنظر إلينا من زاوية منحرفة.

سميراميس وبلقيس وكليوباترا وزنوبيا وشجرة الدر وجميلة بوحيرد مشرقيات لا يصلحن للسلطة في نظر المتحيزين لمشرقيتهن، ولأنهن نساء. وما يكون حقاً وخيراً وجمالاً بالنسبة لروما وسليلاتها عواصم الإمبريالية الحديثة لا يكون كذلك بالنسبة لدمشق وبغداد والقدس والقاهرة.

والمرأة والأسطورة عنوان رئيسي في الأدب العالمي. ولكن دلالاته لا تنحصر بثنائية الذكورة والأنوثة بل إنها تتعدى ذلك إلى الأخلاق والاجتماع والسياسة.

كما أن التراوح بين التاريخ والأسطورة يعطي الموضوع بعداً آخر. فالأسطورة كالدين، منظور معرفي مستقل يتصل بالمخيلة والفكر الإنسانيين. ويلعب التراكم المعرفي عبر العصور دوراً مهماً في تطور الأسطورة وتنوّعها ومضاعفتها الإنسانية والتاريخية والدلالية.

فمنذ أسطورة آدم وحواء في التوراة والآداب الإنجيلية والنصوص القرآنية وتفاسيرها المتعددة تطورت المرأة عبر التاريخ، كما تطور الرجل، وتطورت علاقتهما الشرعية والاجتماعية والجنسية والسياسية.

إلا أن الأسطورة، أسطورة آدم وحواء، حافظت على أصولها الأولى التي تضمنتها المصادر القديمة المصرية والبابلية في تفسير أسطورة الخلق والتكوين.

إلا أن الحرب الجنسية ما بين الذكر والأنثى، والوضع الاجتماعي والتاريخي والسياسي، انعكس على علاقة المرأة بالرجل كما انعكس على تغير أسطورة آدم وحواء ودلالاتها في التفسير في هوامش الكتب المقدسة. وانتقل ذلك إلى الفن والأسطورة والأجناس الأدبية.

هناك مأثورة دارجة على لسان العامة تقول: «تفاحة حوا مرة أما تفاحة آدم فمغيبة». ذلك لأن الهبوط من الفردوس إلى الأرض، الشقاء والعذاب، ألقيت تبعاته على حواء لا آدم.

فإبليس وسوس لحوّاء لا لآدم كي تأكل من الشجرة المقدسة فأكلت، وجعلت آدم يأكل منها.

وأكل التفاحة إيماءة جنسية لا تتم إلا بالأنثى والذكر. لكن الإثم والخطيئة هو إثم حواء التي استدرجت آدم إلى الأكل بعد الوسوسة الشيطانية. هناك إذن تحيّز منذ البدء ضد المرأة ومحاباة ظاهرة للرجل. من الذي كتب التاريخ؟ من هو على رأس السلطة هو الذي يحدد المكانة والمسؤولية.

كذلك ثنائية شرق غرب، أو غرب شرق، تلعب دوراً بارزاً في إكساب المرأة أو علاقتها بالرجل دلالات إضافية ليست بعيدة من التحيز الذي نشاهده في النصوص المقدسة أو في تفاسيرها.

وخلقنا الإنسان من نفس واحدة، الذكر والأنثى، هذا في الخليقة، أما في الأسطورة أو في دلالاتها والتاريخ والسياسة فالحق على الأنثى في هبوط الإنسان من النعيم إلى الجحيم.

الاستشراق حين يأتي إلى المرأة وعلاقتها بالرجل يمارس التحيز إياه الذي مارسته تفاسير الأسطورة في نمطها الأول، سواء كانت دينية أو من نتاج الفن والمخيلة.

فهناك معرفة من هذا النوع في حقل الاستشراق مفادها أن المرأة الشرقية أحط قيمة من الرجل بالقياس إلى منزلة المرأة في الغرب.

والتبعة على الحضارة والدين في الشرق لا الجنس والبيولوجيا.

ثم تحول التحيز الدلالي للقيمة في علاقة الأنثى بالذكر من ثنائية شرق غرب إلى الدين. المرأة المسلمة مع كل ما في الإسلام من تشريع عال بحقها منحطة القيمة. في رأي كثير من المفكرين في الغرب، مستشرقين أو غير مستشرقين.

من المفيد هنا أن نترك آدم وحواء ونعرج على المرأة الشرقية في بعض الأجناس الأدبية للأدب العالمي.

كيف تم النظر إلى سميراميس في ملحمة دانتي الكوميديا الإلهية ومصادر أخرى. ألم تتزوج ملك آشور لتصل إلى السلطة؟

كيف صوّر المسرح الرومانسي والكلاسيكي كليوباترا. وما هي الإشارات الدلالية على زينب ملكة تدمر؟ طبعاً الشعراء الذين كثيراً ما يؤسطورن التاريخ ينهلون من المصادر التاريخية الشفهية والمكتوبة. إن صورة كليوباترا في المسرح والسينما وغيرها ليست بعيدة من صورة آدم وحواء كما ورثناها على الألسنة العامة أو في التفاسير المكتوبة.

كليوباترا وزنوبيا، كأنثيين، لا يحق لهما في رؤية التحيّز أن يمتلكا صفات القوة عند الرجل. لا يمكن أن تكونا محاربتين. مع أنهما في التاريخ برهنتا عن قدرة فائقة في الصراع مع روما وانتصرتا في مواقع عليها. لكنهما في المعارك النهائية والحماسة آلتا إلى السقوط والدمار. كليوباترا سياسياً وزنوبيا عسكرياً حتى.

بعض النقاد يصرفون التحيز ضدهما إلى انتصار القوي فهو الذي يكتب التاريخ.

بترارك هو مصدر أساسي للمسرح والدراما التي صورت كليوباترا. لكن بترارك المؤرخ الروماني مارس تحيّزه في حدود السرد التاريخي انطلاقاً من ثنائيات شرق/ غرب، امرأة/رجل ومصالح روما.

أما عندما يأتي إلى المخيلة في التصوير والمسرح والعقيدة فإن التحيز يتجسد في صور مغرية، لكنها ليست مقنعة إذا تفحصها الباحث.

هنا ندرك كيف يتراكم التحيز الفني على التحيز التاريخي والتحيز النفسي. والمرأة في علاقتها مع الرجل لا بد من أنها في معركة خاسرة. لكن الدلالات تنتقل من حيّز التاريخ والجنس إلى صلب النصوص في الفن والأسطورة والدين والسياسة. هل صحيح أن المرأة ضعيفة ولا يمكن لها أن تتخذ وظيفة الحكم والحرب. الشواهد التاريخية على نقض هذه القناعة المتحيزة كثيرة. حتى زنوبيا فهي صورة عن عشتار المحاربة.

عناة وبعل في الأسطورة الكنعانية من موروثات رأس شمرا، تركز في القوة والصراع في شخصية عناة وإنقاذها لبعل في صراعه وحربه، سواء مع التنين أو الخطر المقبل من البحر.

وحربه ـــــ وتختفي من شخصية عناة صفات الأنوثة والحب والضعف ـــــ لتركز في الإنقاذ والخلاص من الشر، تماماً نقيض ما تذهب إليه الأسطورة التوراتية وهوامش الإسرائيليات في التفسير القرآني عن خطيئة حواء.

زنوبيا ملكة تدمر زاحمت روما في آسيا وأفريقيا، في الحكم والحرب والحضارة في الساحات الفعلية. الأمر الذي استدعى مجيء الإمبراطور أورليانوس على رأس الحملة العسكرية للخلاص منها… كما كان الشأن في علاقة روما بكليوباترا.

هكذا نجد أن التحيز ضد المرأة مدفوع بالحقيقة التاريخية كما هو مدفوع بالأسطورة في سيرة زنوبيا، وصورة عناة وبعل في الموروث الكنعاني وسيرة كليوباترا.

كما أن ثنائية شرق غربي والتحيز ضد الإسلام مدفوعان بالأسطورة والتاريخ.

شجرة الدر التي ألهمت المسرح والتلفزيون ضمن التراث المملوكي في التاريخ أيضاً كانت امرأة قوية حكمت، ولكنها لم تنحدر إلى توظيف الجنس في سبيل الحكم، بل العكس. الفرسان أو بعضهم من المماليك الذين طمعوا بسلطانهم لم يجدوا وسيلة غير الزواج بالحلال من أجل الوصول إلى مبتغاهم وهكذا نحن أمام نساء شرقيات من الدرجة الأولى، حكمن وصارعن لا ضد الرجل بل من أجل شعوبهن وانتماءاتهن الحضارية فارتقين إلى مستوى الأسطورة.

من سميراميس وبلقيس إلى كليوباترا وزنوبيا وشجرة الدر. وكن مصدر إلهام لشعوبهن في الأدب والفن والأعمال التلفزيونية والمسرحية على الخشبة.

ولو لم يكن نساء قويات كيف إذن فرضن حضورهن على التاريخ والدين والأسطورة والأدب؟!

التحيز إذن بتفوق الذكر ودونية الأنثى، سواء أكان جنسياً بيولوجياً أو إنسانياً تاريخياً أو سياسياً سلطوياً ليس من الحقائق الدامغة.

وما يذهب إليه النص القرآني من أن الذكر والأنثى خُلِقا من نفس واحدة صحيح.

أما المكانة فهي حصيلة أوضاع تاريخية فاقمها التراكم وأدت إلى ما أدت إليه في الفن والسياسة والمعرفة والمخيلة.

هذه مقدمة عامة طبعاً تصبح أكثر مصداقية لو عدنا وتفحصنا مكانة المرأة الرمزية في الآداب القديمة، وطقوس الخصب التي تسللت إلى الرواية والمسرح والحركات الشعرية في الأدب عامة.

إذا كانت منزلة المرأة في أساطيرنا القديمة تشير إلى القوة والخصوبة والقدرة على خلاص الإنسان والبشر فهل من المعقول أن مخيلة كهذه هي نتاج الوهم لا الحقيقة؟

وأين حواء التفاحة المرة من عشتار المحاربة أو عناة الكنعانية أو حتى سميراميس بابل وبلقيس عدن وشجرة الدر؟ وإذا صحت صورة كليوباترا التي قدمها بترارك وتركت طابعها على الإبداع الغربي، لا سيما المسرح، وتسرّبت هذه الصورة حتى إلى مسرحية أحمد شوقي الذي حاول أن يبرز ملامحها الوطنية في نهضة مصر بوجه روما. إلا أن إغواءها لقيصر وبعده أنطونيوس ومحاولتها الفاشلة مع أوكتافيوس التي قادتها إلى الخيبة فالانتحار بمعانقة الأفعى، هي من صنع بترارك، ألم تكن أماً تدافع عن هويتها المصرية؟! من زواجها بيوليوس قيصر. ألم تكن هذه الحقيقة أساس التلاقي بينها وبين أنطونيوس التي تطورت إلى حب عاصف. في حضور الزوجة والأم، وحتى العاشقة التي التبست بالغاوية في علاقتها بأنطونيوس، ألا يحق لشوقي وغيره أن يمحو الخداع عن صورتها التي استقرت نمطاً مهيمناً في الدراما الأوروبية؟ أما زنوبيا فقد حافظت على نقائها ولكن المؤرخين يفيدوننا بأنها كانت معجبة بكليوباترا لأنهما على ما يبدو من عجينة واحدة؟! وهي تأكيد الحوافز الوطنية في مقاومة غطرسة روما وجبروتها والدفاع عن حقوق الشرق. كيف يصور تلفزيون الشركات العابرة للقارات أبطالنا اليوم؟ ألم يصبح الدفاع عن الأرض والعرض والقيم إرهاباً تترنم به أبواق الصهيونية وأحلافها صباح مساء؟!

ألم يصوّر التوراة علاقة شمشون ودليلة في هذا الإطار بينما في الحقيقة ليست دليلة غير عناة الكنعانية التي آزرت بعل ضد التنين! وانحازت إلى قومها.

وعلى المقلب الآخر كيف تصبح سالومي الراقصة اليهودية بطلة؟ لأنها أغرت بيلاطوس الروماني ليقدم لها رأس يوحنا بن زكريا على طبق لتمكنه من جسدها؟

ومن نصدق نحن اليوم، الرواية التوراتية التي جسّدها ملتون في ملحمة شعرية أو الصرح الخالد في المسجد الأموي الكبير ليحيى بن زكريا الذي مهّد لمجيء المسيح وعمّده في نهر الأردن. وكان مكرماً في النصرانية والإسلام لخروجه بالتوحيد على غطرسة يهوه على البشر جميعاً.

والشهيدتان سناء محيدلي وابتسام حرب ضد الاحتلال «الإسرائيلي» للبنان ليستا كليوباترا أو زنوبيا لكنهما تنطويان هما وزميلاتهما الشهيدات على القضية مماثلة.

ولدت سناء محيدلي في بلدة عنقون من قضاء الزهراني في لبنان في 14 آب 1968. واستشهدت بتاريخ 09/04/1985 على معبر باتر جزين، من جنوب لبنان، مسجلةً أول عملية استشهادية لفتاة. وكرّت بعدها المسبحة، فاستشهدت مريم خير الدين في 11 أيلول 1985. والشهيدة نورما أبي حسان بتاريخ 17/07/1986 والشهيدة زهر أبو عساف في 17 حزيران 1986. والشهيدة فدوى حسن غانم بتاريخ 15/11/1990. والشهيدة ابتسام حرب بتاريخ 09 تموز 1985 على جسر البياضة في الناقورة.

إن المعتقدات الثقافية عن المرأة الموثقة تاريخياً أو خرافياً بالإبداع الأدبي أو التاريخ والنص المقدس قرآنياً كان أو غير ذلك يستمد مشروعيته من كونه تراثاً عالمياً مشتركاً له جذوره في ثقافات الشعوب في الماضي العريق وحضوره المستمر في مخيلتها وإبداعاتها الأدبية والفنية. رغم تأرجحه بين الحقيقة والأسطورة، فإنه يعبّر عن تجارب إنسانية مشتركة لها تميزاتها المختلفة والمتنوعة، لكنها لا تعني أن نتخلى عن حقوقنا وهويتنا.

مع بطلات فداء كهؤلاء برهنت المرأة أنها ندٌّ للرجل في ميدان المقاومة والشهادة. ورمت بتحيّز المشككين إلى مزبلة التاريخ. ولم تخف الحقيقة على الضمائر الإنسانية التي مثّلها الاستشهاد البطولي لسناء محيدلي وابتسام حرب اللتين تستحقان والشهيدات الأخريات ما قلناه فيهن من قصائد. بدمهن الزكي سطرت صفحة جديدة لنضال الإنسان ووضعن بأساطير فدائهن تاريخ أمتنا الحديث.

بتصميمهن على مقاومة الظلم والعبودية واستشهادهن الواثق عرفن كيف يولدن الأسطورة من التاريخ والتاريخ من الأسطورة، وتاريخ الإنسان المؤمن المناضل، وأن يجعلن منه تاريخاً إنسانياً حديثاً يضيء فجراً إنسانياً بالدم، دم التنين الذي صرعه على مر التاريخ بعل ومارجرجس والخضر في شتى الأزمان. وتصدّى له أنكيدو وقلقامش في غابة الأرز.

ولكن التنين المتعدد الرؤوس ليس رمزاً خرافياً شكلياً أو أسطورياً من مولدات الخيال بل إنه في عقر دارنا. إنه ينفث الدخان واللهب والدمار في اقتصاد الوطن المنهوب. وبدلاً من أن يكون نفطنا مصدر قوة للأمة يصبح بفعل الإرادات الأجنبية أخطبوطاً يتملك كبد البلاد وتنيناً يستغل ثرواتنا ويهدر مقدراتنا. و»نحن أمة كم من تنين قتلت».

كما أن المقاومة في أرضنا الحبيبة في تاريخنا الحديث ليست جزراً معزولة. إنها حركة واحدة، بدءاً من الثورة الجزائرية ومروراً بالثورة الفلسطينية ووصولاً إلى ثورة الجنوب اللبناني وانتهاءً بحرب تشرين ومجدل شمس في سورية. إنها تيار واحد انبثق من حقنا في تقرير المصير والوعي القومي بالهوية والتصدي إلى العدوان والاستيطان. وهذا التيار المقاوم لم يكن منفصلاً أيضاً عن حركة المقاومة على الساحة العالمية في إسبانيا وفرنسا وروسيا وفيتنام والصين حيث ترافق الوعي القومي والوعي الإنساني معاً في صدد الأطماع الإمبريالية والتجاوزات الفاشية لحقوق الإنسان والشراكة الحقيقية وقيمها، لكن البارز في المقاومة العربية ظاهرة المرأة المقاومة والمنتصرة على العذاب والاضطهاد والتحيز باستعداد نفسي غامر للاستشهاد في سبيل الحرية والاستقلال. وتوهّجت في ذاكرة الأجيال أسماء تتقطر منها جراح العذاب أو دم الشهادة أو الموت متى كان الموت طريقاً إلى الحياة.

فالمرأة شريكة الرجل الفعلية في الحياة والموت في ساحات المقاومة من جميلة بوحيرد إلى فاطمة الجنوب اللبناني وليلى أبو خالد وسناء محيدلي وابتسام حرب و ووو. ألا يذكرنا هذا بعشتار المحاربة وعناة بعل ودليلة كنعان التي تصّدت لجبروت شمشون صهيون بالذكاء والحيلة انتصاراً لقومها وذويها.

يستمر تراثنا بالصراع ضد الشر في كل مراحلنا الحضارية من الوثنية مع قلقامش وبعل والمسيحية مع مارجرجس والخضر في الإسلام، وخديجة وعائشة والحلاج وأسماء.

وأساطيرنا تؤكد أننا ورثة الصراع ضد الشر والتنين. وقد صرّح أنطون سعاده زعيم الحركة السورية القومية الاجتماعية بوراثة الصراع هذه ضد من يحاول اليوم من القوى الإمبريالية أن يشوّه هويتنا ويهدد مصيرنا. ففي خطابه في دير الغزال يعلن «نحن أمة كم من تنين قتلت» ويدعو إلى استخدام النفط سلاحاً في معاركنا القومية 1948 لمناسبة عيد مارجرجس الخضر. وهذا الإعلان كلّفه حياته. فالشهيد إذن مفهوم أصيل في موروثنا الحضاري بدءاً بمعتقداتنا الدينية والحضارية والقومية. ومروراً بأدياننا الموحدة ووصولاً إلى الصحوة القومية وصراعنا الحديث ضد استراتيجيات الهيمنة التي تتهدد هويتنا والمصير. وشهداؤنا هم منارتنا المضيئة التي تحمل الإرث الإنساني وروح الأخوة والخير مع نوح الذي أنقذ الحضارة من طوفان الشر ونصح قلقامش بالعودة إلى أورك مدينة الإنسان حيث الحقيقة والخلود.

لقد ارتقت جميلة بوحيرد وليلى أبو خالد وفاطمة الجنوب وفاطمة الفلسطينية من عالم الواقع إلى الأفق الأسطوري، لأنهن بنضالهن من أجل القضية القومية اخترقن الحيّز الطبيعي إلى عالم الخارق. صحيح أنهن لم يدخلن المحرقة التي دخلتها جان دارك ولكنهن كابدن العذاب والاضطها والسجن لإثم الدفاع الذي ارتكبوه عن الوطن والهوية.

أما سناء محيدلي وابتسام حرب والشهيدات الأخريات فقد اخترقن الخارق، خارق الحياة والموت. فبعد أن أدّينَ فريضة الواجب بتكليف العدو الثمن الباهظ من الدمار والموت أنهين حياتهن بأيديهن ودخلن المحرقة باطمئنان التي أدخلن فيها الغزاة الميتة بسلام، فلم يكن مستغرباً خروج الأعداء الصهاينة من جنوب لبنان بعد أن أقاموا الحواجز والجدران واصطنعوا دولة كرتونية للبقاء في الجنوب والتوغل في مزيد من الاستيطان، ولكنهم لم يجدوا غير الخروج من جنوب لبنان من دون مفاوضات. أمام هذه الروح العرمة من الفداء التي تذكرنا بتقبّل الصلب من عيسى بن مريم، السيد المسيح، الذي هزم جبروت روما بمعانقته ليجنّب الإنسانية الظلم والألم وكأنه ينهض عن صليبه اليوم لتقوم القدس من الموت بصوت أب مقدسي يخاطب ابنته كما في قصيدتنا التالية:

آه يا سلمى تعالي نطبخ البحص الذي قد تأكلونهْ

ليس غير القدس إلاّنا، فهل تخ الحجر؟!

ربما نأكل بحص الوهم في ضوء القمرْ

ربما يأكلنا الدود الذي يلبس أشكالاً حنونهْ

يدفنون الإرث والتاريخ في وكر الضغينهْ

يحرقون المسجد الأقسى وأرحام البشرْ

متى ترى يجرؤ لو كان عمرْ

يحرس الأمن على باب المدينهْ؟!

يحلبون الثور يا قدساه لم لا ينطحونه؟!

كي يعي أن المروءات حصينهْ

والشهادات قدَرْ

كيف جازوا صخرة المسجد في عز النهارْ

وبنوا في صدرنا وكر القرارْ

كيف نستل جبينا

من هوان الطين من ذل العفونهْ؟!

كيف صرنا نأكل الأوهامْ

والخبز اندثرْ

فلماذا ننضج القمح على شمس حزينهْ؟!

الثلاثاء حلقة أخيرة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى