ليبقى الوطن
علي الحاج حسن
في بلادي يقتلون الزيزفون بذنب زهره وفوح عطره… ويموت الفرح على شفاه الصابرين المبتسمين مع إطلالة صبحٍ يحمل الأمل بالآتي المشرق…
في بلادنا يُصبح المقتول قاتلاً، والفاعل مجهولاً، واليتيم له أبوان من نحاس، من صناعة أجنبية معروفة بجودة صناعتها، حيث يرنّ النحاس عندنا ساعة يشاء صانعه.
رخص النحاس وكثرت الأبوات وعمّ اليتم وانخفض سعر الإنسان مع انخفاض سعر النفط، وأطلقوا على موكب الأحزان المؤامرة اسم الربيع العربي… والدولار، عملة للجميع في الممالك والإمارات والمحميّات والحكومات والمحاكم والولايات والدعاة والموالي و…
المرتكب والمهرّب والهارب والآكل والشارب والمركوب والراكب والقاتل والضارب والمحزون والمفتون والذي جًنَّ والمجنون توحّدهم العملة والعمالة، ويرقصون جميعاً على أنغام رنين النحاس الأجنبي، فالنحاس العربي أصبح تنكاً بلا رنة، ينحب كلّما حاول أهله الفرح.
حظائر ومستنقعات فكريّة التسمية، خالية من الفكر الحرّ، عجينها التبعية، ببغائية اللهجة والمرام، كيديّة المضامين، مشاعية الملكية، تركية عثمانية المفهوم: «… مين ما أخذ أمّك بصير عمّك»، «الإيد الما فيك ليها، بوسها وادعي عليها بالكسر…»، «العين ما بتقاوم مخرز…»، «قوة المسالم بضعفه».
اسودَّ الفرات من جديد، واكمدَّ دجلة وسمّن الحبر العربي أسماك بحر العرب، فابتليت المروءة بالحكّام، وعاد هولاكو بحلّة دينية سوداء، يقتل هذه المرّة باسم الدين… فانتفض حمورابي، وتألّم الحجر الناطق بالشرائع والحِكَم، وبكت الأعاصير زمن انتصار العقل على الجهل، واستحى الموت بين صمت الحكّام ومدّعي الحضارة في أروقة عصابات الأمم والولايات المتحدة، ومزيّفي الديمقراطية باسمها، وانتحر العدل في مخافرهم، وما جنّ حبر جلقامش المكتوب في وجدان الكون حفراً ونقشاً مسماريّاً على أحجار الألباب قرآناً وإنجيلاً وحكمة ما دام نبضٌ بدم ووجود لبشر.
وهل انقهر العاصي وعاد أدراجه خائباً يحمل بقايا العفن التركي باتجاه منابعه؟ أو أضاع قحطان في عرينه جلبابه فقتلوه به وشبّه لهم، فصلبوه وأعادوا خوفاً من قيامته… صلبوه باسم الحريّة والديمقراطية والسلام، فهو هو المدجّج بالفقر، المتدرّع بالحكمة، والمستقوي بالصبر وحقّه، والمؤمن بالانتصار ولو بعد حين، ووليّه ليس صاحب صواريخ ولا طائرات عابرات للقارات، ولا أسلحة نوويّة مدمّرة، ولا دهاء ولا نفاقاً ولا كذباً ولا سمسرة، ولا ارتهاناً ولا عنجهية…