لميس الخوري… موهبة فنية عمادها التراث السوري وهدفها الغناء الوطنيّ
محمد الخضر
لم يأت إطلاق لقبَي «أميرة الطرب الشرقي» و«أمّ كلثوم سورية» على الفنانة لميس الخوري من فراغ. لأن هذه المطربة التي ترعرعت في مدينة حلب أمّ القدود والموشحات، امتلكت موهبة فنية أصيلة، ما جعلها تتمسك بالأغنية التراثية والكلمات والألفاظ ذات الوقع الأصيل، إضافة إلى تقديمها الأغنية الوطنية بأسس معبّرة عن حضارة سورية وصمودها.
تقول الخوري: أنجز حالياً أغنيتين وطنيتين جديدتين تعكسان إحساس السوريين وآلامهم وآمالهم ضمن الالتزام باللحن الشرقي والكلمة المعبّرة. لأن الأغنية الوطنية يجب أن تنطلق من حضارتنا العريقة بكل أبعادها. إذ لا يجوز أن نقدّم أغنية ركيكة وضعيفة الكلمات وهزيلة الألحان لتمثّل الشعب السوري وقيمه. وتعتبر أن الهدف الأسمى من الأغاني الوطنية، يكمن في حضّ الجماهير وإذكاء حماستهم.
إحدى هاتين الأغنيتين حملت عنوان «زهور الوطن»، وهي من كلمات أحمد فداوي، والألحان للفنانة الخوري. وتقول كلماتها:
رعيت الأمة سنين وعهود
يا منبر العرب
يا مهد الجدود
يا شام الأمل
يا شامة الخدود
حبّك فاق الحدود.
أما الأغنية الثانية فحملت عنوان «الغريب»، كتب كلماتها المغترب السوري إياد فحوش، ولحنها المغترب ميشال شلهوب. وهي بحسب الخوري تحمل وجع السوريين، لا سيما الذين تغرّبوا عن الوطن فكان ألمهم مضاعفاً. إلا أن الأغنية لا تخلو من التحدّي والأمل. ومن كلماتها:
وقّفني الغريب
الجايي من الضباب
سألني عا بيوت
وعن ناس وحباب
ما بتعرف يا غريب
هودي كلّن راحوا
تيردّوا السلام لأرضك يا شام
من بحر الغياب.
وعن التزامها الأغنية الوطنية تقول الخوري: التزمت هذا النوع الغنائي نتيجة الإحساس الذي أعيشه، والذي يجب أن يمتلكه كل فنان. وأن ينعكس بشكل طبيعي حب الوطن على أغانيه من دون أن يقصد. لأن الوطنية ليست صنعة، إنما هي انتماء وعواطف وإحساس.
وتعتبر أن توجهها العفوي نحو الغناء للوطن تعمّق نتيجة تدريسها مادة الموسيقى في وزارة التربية. إذ درّبت عدداً من فِرق الكورال على الأغنية الوطنية. الأمر الذي ضاعف احتكاكها اليومي مع هذه الأغنية حتى تجذرت داخلها.
وعلى التوازي من نشاطها في الغناء الوطني، تستعدّ الخوري لإنجاز أغنيتها العاطفية الجديدة بعنوان «خدني حبيبي»، الكلمات لأحمد فداوي والألحان لمهدي العربي، وتعبّر عن حالة عاطفية صادقة ونقيّة.
وتؤكد ابنة مدينة حلب أنه ليس بوسعها تقديم أغنية لا تتلاءم مع الطرب الأصيل الذي تربّت عليه وعاشت أجواءه. وعلى رغم ما يتعرّض له هذا النوع الغنائي من محاولات الإلغاء والتهميش، ستبقى متمسكة بالأصالة مهما كانت النتائج.
وفي السياق ذاته، ترى الفنانة الخوري أن الأغنية العربية اليوم ليست بخير، لأن الوسائل الإعلامية راحت تبحث عن الأرباح المادية قبل القيمة الفنية. ما أثّر سلباً على الفنّ، لا سيما بعد المؤامرة التي جاء بها ما يسمّى «الربيع العربي». إذ انتشرت معه هرطقات فنية كثيرة، وتمادت أصوات لا علاقة لها بالفنّ، وتراجعت المحاولات الفنية الأصيلة.
وتشير إلى أنه نتيجة للمؤامرة التي تعصف بالمنطقة، اضطرت المنابر الإعلامية العربية، لا سيما في سورية والعراق، والتي كانت تعنى بالفن الأصيل، إلى تكريس موادها وبرامجها للدفاع عن أوطانها. ما أفسح المجال للإعلام النفطي كي يبثّ فنّه الرديء.
وعن الأغنية الوطنية التي تحاول أن تفرض وجودها على الساحة الفنية تقول الخوري: ليست بمستوى الطموح ولا بمستوى تطلعات السوريين. لأنها تفتقد إلى الكلمات والألفاظ والألحان التي تعكس حجم الوجع السوري. فثمة أغانٍ كثيرة جاءت بلا وزن ولا تتعدّى رصف الكلام العاديّ. أما الأغنية الأصيلة فتحتاج إلى دعم إعلاميّ، وإلى منحها حقّ إثبات وجودها على الساحة الفنية.
وعن نشاط دار الأوبرا في دمشق خلال سنوات الأزمة تقول الخوري: استطاعت دار الأوبرا السورية، على رغم الأزمة، أن تصمد وتقدّم حفلات كثيرة بشكل حضاريّ، قدّمت خلالها طرباً أصيلاً عبّر عن التراث السوري. لكن يجب عدم الاقتصار على دمشق، ونقل التجربة إلى كلّ المحافظات.
ودعت الخوري إلى حماية الحقوق الفكرية لأصحاب الأغاني السورية المنتجة، وضبط ظاهرة سرقتها وبيعها قبل نشرها. معتبرة أن هذه الظاهرة تؤثّر سلباً على الأغنية الأصيلة، وتتطلب مواجهتها إحداث شركة إنتاج شبيهة بالإنتاج الدرامي والسينمائي.
أما إعادة الألق إلى الأغنية السورية، فهذا مشروع غنائيّ تعمل عليه الخوري وتعتبره مهماً. لأن الغناء السوري كان دائماً ملتصقاً بالأرض، ومعبّراً عن روح الشعب، وكان دائماً متنوّعاً وغنياً، وظهرت فيه أنواع غنائية عدّة يجب علينا الحفاظ عليها من الاندثار ونقلها للأجيال المقبلة.
يذكر أن الفنانة لميس الخوري شاركت في عددٍ من الفعاليات والمهرجانات السورية مثل «حلب عاصمة الثقافة الإسلامية»، ومهرجانات «الأغنية السورية في حلب»، و«الكفرون»، و«السنابل» في بعمرة، و«منّا إلى سورية» في حمص وطرطوس والسويداء وحماة، و«مهرجان الموسيقى العربية» في دار الأوبرا. فضلاً عن مهرجانات عربية مثل «المدينة» في تونس، و«الأندلسيات» في المغرب، و«المألوف» في الجزائر.