شروط تفصل بين «الحقّ العام» والأرباح الخاصّة

أدونيس كيروز

أقرّ المجلس الأعلى للخصخصة في اجتماعه يوم الأربعاء الماضي «تفعيل قانون الاتصالات الرقم 431 الصادر عام 2002 لجهة شركة «ليبان تلكوم»، وكلّف الأمانة العامة للمجلس القيام بتحديث الدراسات اللازمة لذلك بما فيها الدراسات القانونية والهيكلية والمالية»، كما خُصّصت الجلسة المقبلة للمجلس لقطاع الكهرباء.

أمّا المياه، فلها رونق ومجرى خاصّان، إذ يروّج «ملتقى التأثيرالمدني» أو الـCIH، للخصخصة عبر حملته الإعلاميّة لدعم مشروع «الذهب الأزرق» Blue Gold . وفي الجهة المعاكسة، أطلقت مجموعة من اللبنانيين حملة «المياه مش للبيع» باعتبار المياه حقّاً لا سلعة.

هذا هو المشهد اليوم وقد يتطوّر أكثر، إن من ناحية تحرّكات الناشطين، أو من ناحية إعلان أطراف معيّنة عن مواقف جديدة تجاه «رؤيا» الذهب الأزرق. وفي الحالتين كلتيهما، فلا أرضيّة مشتركة بين مختلف الفرقاء، إذ لا حوار جدّياً يقيّم الحالة وينتج حلولاً تصون مصلحة الجميع.

القطاعات الحياتيّة ومجرّد الصمود

يعدّ كلّ من المياه، والكهرباء، والطاقة والاتصالات عناصر حياتيّة لصمود الإنسان، فهو يحتاج إليها للمحافظة على الحدّ الأدنى من مستوى المعيشة.

وتبيّن مرونة السعر لهذه العناصر أنّ الطّلب عليها لا يتأثّر إن ارتفعت الأسعار، ويزداد إن ارتفع المدخول. لكن ماذا لو ارتفعت أسعارها مع عدم ارتفاع المدخول؟ وإن جرت خصخصة أيّ من هذه القطاعات، فهل سيؤدّي ذلك إلى وضع شريحة كبيرة من اللبنانيين ضمن خانة «مجرّد الصمود» أو حتّى تحت خطّ الفقر؟ من يراقب ومن يحاسب؟

المحاسبة وحلّ النزاعات

من المنظور القانوني، وفي حال وقوع خلاف مع الشركة المالكة، هل تستطيع الحكومة اللبنانيّة إدارة هذه الأزمة وحلّ النزاع لحماية المواطن المستهلك ؟ للأسف، لم يحصل هذا الأمر في السابق، إذ لم تستطع الدولة محاسبة التجاوزات الحاصلة في «سوليدير»، ولا في «سوكلين» ولا أيّة شركة خاصّة وجِّهت لها إدارة مرفق عام.

الشفافيّة

لا تطوّرات إيجابيّةَ في ملفّ محاربة الفساد في لبنان الذي يصنّف في الوقت الراهن بالمرتبة 127 على 138 وفق تصنيف منظّمة الشفافية الدوليّة، إذ تراجع عن الماضي ما يقارب 10 درجات، فضلاً عن عدم إقرار الموازنة العامة منذ عشر سنوات تقريباً.

أمّا «ملتقى التأثير المدني»، فغاب عن موقعه الإلكتروني عدد الذين صوّتوا ضدّ المشروع، ليكون الرقم البارز هو مجموع كلّ المشاركين من الذين صوّتوا سواء ضدّ أم مع Blue Gold . فأين الشفافيّة البديلة؟

الأرباح والكلفة

إنّ هدف أيّ شركة خاصّة هو جني الأرباح للمساهمين لا حماية حقوق العميل. وفي هذا السياق، تتّبع الشركات مجموعة من السياسات والإجراءت لتحقيق الأهداف الماليّة كزيادة الخدمات، وجذب مستثمرين جدد، والبحث عن أسواق جديدة وضبط التكاليف.

في إطار إدارة الكلفة، قد ترى الشركة أنّ إيصال خدماتها أو سلعها إلى مناطق معيّنة أصبح مكلفاً ويخفّض من أرباحها. فمن يروي هذه المناطق في حال توقف إيصال المياه إليها بسبب ارتفاع الكلفة؟ إضافةّ إلى ذلك، إذا قرّرت الشركة تصدير المياه إلى الخارج في سبيل البحث عن أسواق جديدة، على حساب من ستكون؟ وهل نملك الكمّ من المياه اليوم لهذه المخاطرة؟

الإطار والشروط

إنّ السوق التنافسية الحرة، والمؤهلات الإدارية العالية، والسوق المالية المتطوّرة هي من أبرز الشروط لنجاح الخصخصة.

وإذا ما توافرت شروط الخصخصة، كالحالة في لبنان، اتّجهت الحكومة نحو الإصلاح المالي وما يرتبط به من إعادة هيكلة لتحديث النظام الضريبي كأحد السبل للخروج من الأزمة. وهنا السؤال، هل هناك استعداد لتحديث النضام الضريبي في لبنان؟

في مخاض مسار الخصخصة في لبنان، هل ستكون الأرباح الخاصّة أولويّة بعضهم فقط من أصحاب المصالح، فيما يضيع «الحقّ العامّ»؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى