أفراح سورية… ومآتم الغرب!
محمد يوسف
كان مقدّراً إسقاط النظام السياسي في سورية، وكسر جيشها، واستباحة شعبها أمام أميركا و«إسرائيل» وتركيا والتنظيم الدولي لـ»الأخوان المسلمين»، خلال شهر واحد بعد سقوط ليبيا وكسرها مطلع عام 2011، كي تتمكن «إسرائيل» بعد ذلك من أن تعربد باعتبارها ستكون ـ بعد كسر سورية ـ أقوى قوة إقليمية في المنطقة، من خلال كونها قاعدة حربية حقيقية في الشرق الأوسط للغرب الاستعماري وحلف «الناتو»، كما تعربد أيضاً تركيا ـ بعد كسر سورية ـ باعتبارها الامتداد الفعلى للاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» داخل المنطقة التي عانت طوال تاريخها كله من العدوان والاحتلال والإجرام والتخريب والانتقام الغربي، فوق السلب والنهب والسرقة الفاضحة لموارد الأمة والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم!
كان مقدّراً لمصر أن تعيش ذلك الوضع المنكسر والمهزوم، وأن تخرج من دائرة التأثير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي في المنطقة، الى المجهول، أو في أحسن التقديرات تتحوّل مصر إلى أم التاريخ وأم الاجتماع البشري، التي فتحت للبشرية كلّها أبواب العلوم والفنون والثقافة، والتي بزغ فجر الضمير الإنساني من أرضها في أول التاريخ، وبلد الأزهر، وموطن جمال عبد الناصر… كان مقدّراً لمصر تلك أن تتحوّل ـ في أحسن التقديرات ـ الى «ولاية» تابعة للسلطنة العثمانية، وأن يعود أهلها خدماً لدى «الباب العالي» في اسطنبول، وأن يصبح هذا «الأردوغان» الفاجر السلطان الجديد الذي يعربد مثل أجداده في جسد الأمة، ويبعث «جمال باشا الجزار» الى سورية ليحتلّها ويذلّها ويقتل في نصف يوم فحسب، أربعين ألف مواطن في دمشق وحدها، وبذلك انتزع هذا السفاح ـ في التاريخ السياسي ـ لقبه الإجرامي المنحط «جمال باشا الجزار».
لكن الشعب المصري كسر وحطم مخططات هذه المنظومة المعادية كلّها، وأذهل العالم حين خرج في أكبر احتشادين بشريين يومي 30 حزيران و26 تموز 2013 ليفرض إرادته ويعلن قراره، ذلك القرار الذي توّج بانتخابه للمشير عبد الفتاح السيسي رئيساً للجمهورية بنسب تصويت وفوز غير مسبوق في كلّ تاريخ ما يدعيه الغرب من «ديمقراطية».
في ما يتعلق بسورية، كان «الشرط الحاكم» الذي أطاح أحلام الغـرب وتركيا، وهو ذاك الصمود الأسطوري للشعب العربي في سورية، وللجيش السوري، وللقيادة السياسية لسورية المتمثلة في الرئيس بشار الأسد… حين قذفت أميركا و«إسرائيل» وتركيا والتنظيم الدولي لـ»الإخوان المسلمين» وخدمه وبقاياه في المنطقة العـربية والدول الإسلامية، بكل ما في جوفهم من مجرمين وعملاء وخونة ومرتزقة من بقاع الأرض كلّها، حتى أن أعضاء جيش الإجرام هذا حملوا جنسيات نحو مئة دولة، ويا للأسف المر، كان بين هؤلاء من حمل جنسية مصر، ومن حمل جنسية سورية! ولكسر سورية وإخضاعها وإنهاء أسطورة أن هناك عرباً يقاومون.
لكن ما حدث هو سطوع الإدراك الجمعي الفطري والتاريخي للشعب السوري بأبعاد تلك المؤامرة وزواياها وأهدافها الكبرى وتلك العقيدة القتالية العربية الراسخة والمستكنة والمستقرة لدى الجيش السوري والجيش العربي المصري، والمتمثلة في «النصر أو الشهادة»… بمعنى أنّ الذراع العسكرية للوطن وادهت العدوان والافتراء على هذا الوطن، على ضوء حقيقة أنّ الوطن وجد في التاريخ قبل الدين، إذ كان للإنسان وطن قبل أن يتديّن، وبذلك فإنّ الذراع العسكرية للوطن هي في مواجهة أي خطر يحيق بالوطن الذي، لا بد من أن يجلّل رأسه بأيّ من الشرفين: النصر أو الشهادة… ومن الثابت تاريخياً أن التصّدي والمقاومة والنضال والثبات والإدراك بجوانب الخطر القادم، عناصر تحقق النصر وتحفظ الحياة والأمل والمستقبل، وتنفي الموت والغياب والانسحاب. نقول إنّ الإدراك الجمعي للشعب السوري، وعقيدة جيشه القتالية السوية، حسما جميع تفاصيل المشهد السياسي في سورية، وكان اختيار الشعب السوري وجيشه وقيادته اختياراً واعياً وعنيداً للعناصر التي تحقق النصر وتحفظ الحياة، وهذا الشرط حفظ على سورية ووفّر سلامتها وبقاءها شوكة عربية حادة في خاصرة المنظومة المعادية.
نأتي الى مشهد الأفراح التي تعيشها سورية، والى مشهد المآتم التي يعيشها الغرب وخدمه وأتباعه. الانتخابات الرئاسية التي حصلت أخـيراً في سورية حققت، مثل الانتخابات الرئاسية في مصر نسب تصويت وفوز غير مسبوق. كما تجللت تلك الانتخابات بفوز كاسح وحاسم للرئيس بشار حافظ الأسـد برئاسة الجمهورية. كان الغرب بقيادة أميركا و«إسرائيل» وتركيا، مستعداً للقبول بفوز أي شخص آخر غـير بشار الأسد، وإذا كان ضرورياً أن يحدث ذلك فلا تكون بهذه النسب غير المسبوقة! تلك كانت أمانيهم العمياء والبلهاء… فهم لا يعرفون شيئاً غير القوة الباطشة والتآمر والعدوان المجرم، وغاب عنهم وعميت بصائرهم عن الشعوب وعن إراداتها الحاسمة الفارضة، المتحدية، المقاومة… فإذا بهم يترنّحون ويسقطون ويصيبهم سعـار عـدواني فاجر، إذ خرج الشعب العربي في سورية ليلتف في حلقة محكمة حول قائده ورئيسه بشار الأسد، ويكلفه بأن يبقى ويـقاوم من موقع رئاسته للجمهورية، مرة أخرى. كما انتابهم السعار العدواني الفاجر نفسه عندما خرج الشعب العربي في مصر قبل ساعات قليلة مما حدث في سورية ملتفاً في حلقة محكمة حول أمله في الخلاص المشير عبد الفتاح السيسي.
تفجّر الفرح والرقص والزغاريد والابتهاج بأنواعه كافة في كلّ من مصر وسورية في وقت واحد، ومشى التاريخ مفاخراً ومملوءاً سعادة وزهـواً، وهو يخترق «الجمهورية العربية المتحدة» من إقليمها الجنوبي الى إقليمها الشمالي، مستعيداً الأمل العربي الوحدوي، ومبشراً بعودته قوياً وصامداً وتقدمياً مثلما كان.
المنظومة المعادية تاريخياً للعرب تعيش الآن أحزاناً كاسـرة وسوداء ومظلمة بسبب تلك الأفراح الكاسحة في كلّ من مصر وسورية، وفي الوقت عينه. وهذه المنظومة تسمع وترى ذلك الصدى الصاخب والواعي، ومهرجانات الفوز والخلاص التي تملأ وتجتاح «الجمهورية العربية المتحدة»، إذ تعرف يقيناً أنّ متانة الأمة وصلابتها ومقاومتها تتأتى من متانة مصر وسورية والعراق وصلابتها ومقاومتها تحديداً… وتعرف يقيناً أنّ كسر هذه الأمة لا يتحقق إلاّ بكسر هذا الثلاثي العربي.
كاتب قومي من مصر