انقسام 14 آذار بين فريق سعودي وآخر قطري

روزانا رمّال

يتوزع حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الاوسط في جزءين رئيسيّين يتقاسمان من خلالهما النفوذ والأدوار، ومعها تنسق الخطوات المرافقة للأحداث الكبرى التي تشهدها المنطقة، بحيث تبقى الولايات المتحدة محيطة بكلّ ما يجري في المنطقة عموماً وعلى تخوم «إسرائيل» حليفتها الرئيسية خصوصاً، فلا تخسر نفوذها في ايّ ساحة بل تبدّلها بحساب تكتيكي فقط.

ما جرى في مصر يدرس ويؤخذ في الاعتبار بشكل أساسي لفهم هذا المنطق الأميركي البراغماتي، فاندلاع ثورتين فيها والحضور الأميركي في الحالتين كان واضحاً لجهة حرص واشنطن على عدم خسارة ايّ ضفة بأيّ حال من الأحوال.

في مصر ثورة أولى ضدّ حسني مبارك حليف الولايات المتحدة، أتت بالرئيس محمد مرسي المنبثق من امتداد إخواني تركي، وهو رئيس حزب الحرية والعدالة، فاعتلى الكرسي بعدما مهّدت الأحداث في تونس لفوز إخواني، او بالاحرى ارتفاع نجم تنظيم «الإخوان المسلمين» والحركات التابعة له في المنطقة، فاستكمل المشروع الإخواني نحو ليبيا وسورية بنفس الزخم، وكان الراعي الرئيسي الحزب «الأمّ» في تركيا وهو حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان.

أردوغان هو حليف أساسي لأميركا في المنطقة ويتقاسم معها قواعد عسكرية واستراتيجيات طويلة المدى وقواسم ترعى المصلحة «الاسرائيلية» وتقاطعاتها مهما ساءت الأحوال او اضطرت الى ذلك، فهذا لا يحيد عن الهدف وتكريس أهمية تركيا أميركياً.

خسر محمد مرسي المدعوم تركياً والمموّل قطرياً بأصوات ثورة جديدة انتفضت تماماً على كلّ ما تقدّم عبره وعبر حزبه كمشروع مصري واعد، وعملياً خسر المشروع التركي في مصر كمخطط ومنفذ ومموّل بيد عربية قطرية، لتمتدّ اليد السعودية وترخي بظلالها على الشارع المصري بدعم غير متناه لوزير الدفاع وقائد الجيش آنذاك الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي تسلّم السلطة بأصوات ملايين مصرية مجدداً.

الحليفان المنافسان يجتمعان تحت مظلة أميركية واحدة تدفع باتجاه احدهما الى آخر الطريق لتنفيذ ما لا يمكنها تنفيذه، لكن يمكنها تلقفه سياسياً وتلقيه كمساحة نفوذ محفوظة في هذه المنطقة او تلك… وهكذا يربح الأميركي دائماً في كلّ الساحات من دون ان يبدو داعماً لحليف دون الآخر، وكأنه يدفع حلفاءه باتجاه حجز مكانتهم بجدارة في قلب الخرائط الجديدة.

لبنان واحد من أهمّ الدول التي تعتمد عليها السياسة الأميركية، ومن أهمّ الدول التي خضعت للجراحة نفسها التي خضعت لها مصر، لكن قبل ان تندلع فيها الثورة بسنوات، فبشكل لافت دخل الدور القطري على الساحة اللبنانية السياسية فعلياً بمؤتمر جامع في الدوحة العاصمة القطرية طار حينها القادة اللبنانيون للاتفاق على تهدئة الأجواء بعد أحداث 5 و 7 أيار عام 2008، وبقوا هناك إلى حين الاتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة وقانون الانتخاب ورئيس للجمهورية «عيّنوه» بعد عودتهم فكان قائد الجيش السابق الرئيس ميشال سليمان.

الدخول القطري حينها كان نافراً وجديداً على مسامع اللبنانيين الذين اعتادوا لزمن طويل، ايّ لزمن اتفاق الطائف تحديداّ ان الدولة العربية الخليجية الوحيدة القادرة على رعاية شؤونهم والتي تحظى بنفوذ وامتداد سياسي في لبنان عبر تيار المستقبل القادر على البت في قضايا الداخل هي المملكة العربية السعودية.

بقيت السعودية لاعباً اساسياً في لبنان لكن هذه المرة دخل معها اللاعب القطري الذي كان حينها يبدو منضوياً تحت عباءة ما لبث ان أعلن انه خارجها تماماً، وانه مغطى بعباءة تركية وأجندة طويلة الأمد، وكان الخلاف بين السعودية وقطر، وقد ظهر هذا الخلاف في أوجه بين السعودية وقطر بعد سحب سفراء أكثر من دولة خليجية منها واعتبارها تضرّ بمصالح مجلس التعاون الخليجي على خلفية مواقفها ومواقف إعلامها من أحداث ما سُمّي «الربيع العربي».

في لبنان الحلف الأميركي المنقسم إلى جزءين دخل بشكل مقلق على الحركة النابعة من نفس الفلسفة الأميركية بالتغيير، وبادّعاء أنها أول منتج لثورات المنطقة الحديثة، أيّ ما سُمّيَ «ثورة الأرز» التابعة لقوى الرابع عشر من آذار، على أنّ هذين الجزءين انخرطا في صلب الحركة حتى باتت جزءاً سعودياً وآخر قطرياً وبمعنى أدق جزء من 14 آذار ينفذ أجندة سعودية وآخر ينفذ أجندة قطرية.

يخرج نهاد المشنوق وزير الداخلية اللبناني ممتعضاً من الحراك الشعبي وأحداث الشغب في بيروت ويتهم دولة خليجية صغيرة بدعمه «قطر»… يردّ عليه بعد أيام رئيس تيار المستقبل الذي ينتمي إليه المشنوق سعد الحريري محاولاً تصحيح الموقف المحرج، ويعلن اعترافه بالأيادي البيضاء لدولة قطر وفضلها على دول «الربيع العربي»، ويستقبل رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة سفير قطر في لبنان… ثم يطير رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع الى الدوحة متلقيا جرعة الدعم السياسي الأهمّ من هناك، ويعلن قبيل وصوله عدم مشاركته في الحوار الذي دعا اليه الرئيس نبيه بري، باعتباره غير مجد وهو الذي كان قد شارك بعدة حوارات سابقة مماثلة. اما الحريري وتياره فيعلنون المشاركة في الحوار برغبة سعودية لإنجاحه هي نفس الرغبة التي أبقت على حوار المستقبل حزب الله صامداً امام أعاصير البلاد…

وبين السعودية وقطر 14 آذار منقسمة الولاء والهدف والرؤية…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى