كتاب مفتوح لقادة طاولة الحوار اللبناني
ناصر قنديل
– تجتمعون اليوم أيها القادة السياسيون وأنتم على رغم ما اهتز من صورتكم التمثيلية في الإعلام بضوء تظاهرات حراك الساحات، لا زلتم تحوزون بلا أدنى شك قرار الأغلبية الكاسحة من اللبنانيين، ولن يغيّر من هذه الحقيقة إجراء انتخابات نيابية جديدة فوراً أو بعد حين ووفقاً للقانون الحالي أو وفق أفضل القوانين، ولا تزالون بهذه الصفة الأقدر على تقديم الحلول للأزمات الضاغطة كحدّ أدنى من العرفان للناس الذين يبايعونكم ويمحضونكم ولاءهم وثقتهم وحق تمثيلهم، وليس التطلع نحوكم من باب الأمل بتلبية السقف الأعلى لما يريده اللبنانيون كطموحات، بدولة القانون والمواطنة، دولة القوة والقدرة على ردّ العدوان ومواجهة الإرهاب، دولة التعاون والتكامل بين مصادر قوتها الداخلية بجيشها وشعبها ومقاومتها، وعلاقاتها الخارجية العابرة من خلالكم للقارات ومصادر الاستقواء.
– المطلوب بسيط جداً، ويبدأ من التوافق على تحويل مصادر القوة التي يراها كلّ منكم في شخصه وجمهوره وعلاقاته وتحالفاته إلى رصيد يوضع على الطاولة يضاف إلى أرصدة الآخرين ليتكوّن رصيد لبناني هو حاصل تكامل وجمع أرصدتكم، لأنّ الذي جرى حتى الآن أنكم جرّبتم استخدام أرصدة كلّ منكم لحسابه وحساب مشروعه، في وجه أرصدة الآخر وحسابه ومشروعه، فبقي لحساب لبنان ورصيده حاصل طرح أرصدتكم وحساباتكم لا حاصل جمعها، بدلاً من أن تتحوّل جماهير تيار المستقبل وحلفائه إلى قوة توازن وردع لجماهير حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل، وبدلاً من أن تتحوّل علاقات تيار المستقبل بالسعودية والغرب إلى قوة توازن لعلاقات حزب الله وحلفائه بإيران وروسيا وسورية، فلتجرّبوا لمرة الجمع، فتضعوا الزخم الشعبي والعلاقات الخارجية في حساب التكامل بدلاً من حساب التوازن والتنافس، وسترون أنّ ما تتفقون عليه يسهل أن يحوز على الإجماع الداخلي والخارجي ويحصل على قوة الدفع ليذهب في طريق التنفيذ.
– إنْ استعصى هذا عليكم فوراً فلتتقبّلوا تحييد مصادر قوة كلّ منكم عن ساحات التجاذب والتنافس، فلا يبقى بعض من الشعب ضدّ بعض آخر، بل نسحب الشعب من اللعبة، ونحيّد الكتل الشعبية من المواجهات المفتوحة، وبدلاّ من أن تتحوّل العلاقة بالسعودية والغرب مصدر تجاذب في وجه العلاقة بإيران وسورية وروسيا، فلتحيّدوا لبنان عن كونه ساحة تجاذب للخارج المختلف، فتتحوّل طاولة الحوار إلى الميدان الوحيد لصناعة السياسة اللبنانية، وتبقى مصادر قوة كلّ منكم مصادر قوة له، وتصير قوة لبنان بما تتفقون عليه، وليس بما تضعونه في رصيد قوته، وينال لبنان من تحييد الشعب وولاءاته وانقساماته عن التجاذبات، وتحييد العلاقات الخارجية عن لبنان كساحة مواجهة، بعضاً يحتاجه من الاستقرار، ريثما تصير القوة الشعبية والسياسية والخارجية لكلّ منكم قابلة للتلاقي في مناخ مختلف دولياً وإقليمياً فيصير لبنان على طرف التلقي الإيجابي لتوزعكم على محاور التجاذب.
– إنْ استعصى عليكم ذلك، لأنّ اللحظة الإقليمية محتدمة، والمناخات في مرحلة ما قبل الربع الساعة الأخير تضع الرهانات مقابل بعضها البعض في لحظة حماوة، فلتتفقوا على المشترك بين خصوماتكم وخصومات حلفائكم، ومحوره اليوم اثنان، القتال ضدّ الإرهاب بعيداً عن تصفية الحساب حول ما مضى ومن شجع ومن احتضن وآوى ومن استجلب، بجمع القدرات لحسم المعركة وأمامكم عرسال، وفي ضفة أخرى إقصاء المشاغبة القطرية عن الساحة السياسية والإعلامية، وهي مشاغبة تستهدف المقاومة وحلفاءها وتضارب وتشوّش على السعودية وحلفائها، ومشاغبة تضع رؤوس جسور «إسرائيلية» ولو بعناوين شعبوية ووطنية، وحسم في وجه المشاغبة القطرية سيمنع طابوراً خامساً يستدرج خلافاتكم وخلافات حلفائكم إلى مواجهات لم تبرمجوها ولن تقرّروها لكنكم ستجدون أنفسكم في قلبها من حيث تدرون ولا تدرون.
– الخيار الأول أيها القادة السياسيون يعني أن تخرجوا بتفاهم رئاسي تستطيعون تسويقه على جمهوركم وتحالفاتكم ويشكل مدخلاً لكلّ الحلول من الأزمات بقوة توافقكم، والخيار الثاني يعني أن تخرجوا بإقلاع المؤسستين التشريعية والتنفيذية والتمسك بحماية الاستقرار ودعم الجيش بقرارات حاسمة لحماية البلد من الإرهاب شرقاً وجنوباً بمظلة سياسية تمتدّ من عرسال إلى الشمال وعين الحلوة، أما الخيار الثالث فيعني حلّ الحدّ الأدنى لقضية النفايات والبدء بفكفكة الجماعات القطرية في الإعلام والسياسة من جهة، ومعالجتها في الأمن بدءاً من عرسال.
– المهم أيها السادة القادة أن تتذكروا أن أمامكم من سيحوّل كلّ بطء في التحرك من قبلكم إلى فاتورة تدفعونها أمام جمهوركم وتحالفاتكم وتخسرون بالتدريج صدقيتكم أمامهم ويخسر لبنان معكم.