هل يعيد اكتشاف حقل شروق ترتيب علاقات مصر مع إسرائيل والعالم؟

إنعام خرّوبي

إلى جانب الصعوبات السياسية التي غالباً ما عكّرت صفو التطبيع الطاقوي بين مصر و إسرائيل ، ظهر في الآونة الأخيرة عامل جديد، وهو عامل اقتصادي هذه المرة. لا شكّ في أنّ الكشف عن احتياطيات غازية في المياه الإقليمية المصرية تقدّر بنحو ثلاثين تريليون قدم مكعب، كان له الأثر الكبير على مشاريع تصدير الغاز إلى مصر من إسرائيل . فالأخيرة تراهن على تعزيز بقاء معاهدة وادي عربة مع الأردن من خلال مشاريع اقتصادية مماثلة بعيدة المدى، تزامناً مع مساعيها لـ الإطباق على القاهرة بالطرق عينها من خلال عقود مقترحة بقيمة 6.5 مليار دولار.

ومع محاولة بعض الجهات في تل أبيب التقليل من شأن الاكتشاف الغازي الكبير، إلا أنّ المؤشرات كانت تعطي صورة مخالفة. فقد انخفضت أسهم نوبل إينرجي في سوق نيويورك بنسبة تتجاوز 7 في المئة، فور الإعلان عن الاكتشاف الضخم، علماً أنها الشركة التي تقوم بتطوير حقل ليفاثيان مع بعض الشركات الإسرائيلية التي لم تسلم أيضاً من تداعيات الكشف عن حقل شروق . وبحسب صحيفة فاينانشال تايمز ، فإنّ أسهم شركة ديليك هبطت بنحو 14 في المئة فيما كانت أسهم نظيرتها أفنر أويل تهبط بنحو 16 في المئة، بخسائر إجمالية قاربت المليار دولار للشركتين، مع الإشارة إلى أنهما من كبريات الشركات الإسرائيلية العاملة في قطاع الغاز.

في المقابل، ورغم أنّ هناك من يعترف بأنّ شروق المصري يشكل عقدة للمستثمرين على مستوى إسرائيل ، يرى هؤلاء أنّ من المستبعد أن يؤثر على حالة التطبيع الاقتصادي الغازي مع إسرائيل لكنه يفسح في المجال أمام استقلال القاهرة طاقوياً عن تل أبيب في غضون سنوات، وحتى ذلك الوقت سيبقى ملف الطاقة ورقة في يد السلطات المصرية لتبرير العلاقة مع إسرائيل ، وكان ذلك واضحاً في تصريحات وزير البترول المصري الحالي شريف اسماعيل الذي قال: لسنا في تنافس مع آخرين … وأي مباحثات بين الشركات الخاصة في مصر وفي شرق البحر المتوسط، وأعني بهذا إسرائيل وقبرص، لم تتوقف ، تصريح رأى فيه مراقبون رسالة طمأنة من القاهرة إلى تل أبيب. من جهة أخرى، اعتبر وزير البترول المصري الأسبق أسامة كمال أنّ الحقل الجديد قد أنهى آمال إسرائيل في تصدير الغاز لمصر ، مؤكداً أنّ بلاده كانت بمثابة مشتر محتمل للغاز من إسرائيل ، قبل اكتشاف حقل شروق ، وأنّ الجانب الإسرائيلي لا يملك الآن إلا الاستجابة للشروط المصرية لاستيراد الغاز.

وفضلاً عن تحسين شروط مصر التفاوضية في حال أصرّت على المضيّ قدماً بخطط استيراد الغاز من إسرائيل وغيرها، فإنّ أوساط الباحثين الاقتصاديين المصريين تشير إلى انتعاش الآمال بتدفق المزيد من الاستثمارات الأجنبية على البلاد وخفض فاتورة الطاقة التي ترهق كاهل الميزانية المصرية والمقدّرة بقيمة 1.8 مليار دولار شهرياً. وكما تنقل تقارير إخبارية، تبلغ الاحتياجات الشهرية للسوق المصرية من السولار نحو 450 ألف طن، والبوتاجاز 300 ألف طن، والبنزين 500 ألف طن. أما على المستوى السياسي، فيُنظر إلى الأمر على أنه فرصة تاريخية للتقليل من ارتهانها السياسي تحت ضغوط البترودولار الاقتصادية. ومن المعلوم أنّ القاهرة حصلت على تعهدات سابقة من جانب السعودية والكويت والإمارات بدعمها بإمدادات بترولية تفوق قيمتها ثلاثة مليارات دولار، ومساعدات مالية أخرى مقابل ضمان مساندة مصر لها على المستويين العسكري والسياسي.

أمام هذا المشهد المفعم بالتفاؤل، ثمة من يشكك بحقيقة الكمية المكتشفة فعلاً، من باب المخاوف من استيلاد ممارسات نظام مبارك في هذا الشأن، حين نام المصريون على تصريحات رسمية حول كميات الغاز الهائلة التي بحوزة بلادهم قبل أن يستيقظوا على حقيقة الخطط المقترحة لاستيراد الغاز من إسرائيل بعدما كانوا يصدّرون الغاز إليها لسنوات بـ أسعار تفضيلية .

قد يكون الكشف عن حقل شروق الذي يمثل 40 في المئة من الغاز المكتشف في المياه الإقليمية المصرية، موضوعاً اقتصادياً بحتاً، غير أنّ من الواضح أنه يكتسي دلالات جيوسياسية بعيدة المدى. وبحسب ما تذهب إليه دراسة أعدّها مركز السادات ـ بيغن للدراسات في إسرائيل ، فإنّ الاكتشافات البحرية فى شرق البحر الأبيض المتوسط ستصبح سبباً فى صراعات جديدة فى منطقة متقلبة سياسياً وعسكرياً مع تزايد نشاط التنظيمات الإرهابية. وبالإضافة إلى حقول الغاز التى تمّ اكتشافها في قبرص وفلسطين المحتلة، هناك احتمالات لاكتشاف حقول جديدة بالقرب من الشواطئ السورية واللبنانية وغزة. وتخلص الدراسة إلى أنّ الاكتشافات قد تكون أقلّ من حيث الكمية مقارنة بالآبار الموجودة فى منطقة الخليج، ومع ذلك سيكون لها بالغ الأثر على التنمية فى منطقة شرق المتوسط، وستسهم فى تأمين مصادر الطاقة بالنسبة إلى أوروبا .

في وقت تُعزّز فيه القاهرة علاقاتها مع واشنطن تحت ذرائع أمنية واقتصادية، كيف ستستثمر قيادتها السياسية في حقل شروق ؟ هل يشرق الاكتشاف العملاق تحصيناً للقرار الوطني المصري المستقلّ، أم ستمضي أم الدنيا في سياسة بيع المواقف الأقلّ كلفة بالنسبة إلى صانع القرار المصري؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى