زيتون لأبي مالك التلّي: «لحقونا»… فإما الذبح أو الأسر
محمد حمية
في الأول من تموز الماضي، انطلقت المعارك العسكرية في مدينة الزبداني، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن تواصل قوات الجيش السوري والمقاومة تحقيق الإنجازات الميدانية. إذ أحكمت قبضتها على معظم النقاط والتلال الاستراتيجية في السلسلة الجبلية، وتم تطهير عدد من المناطق والأحياء داخل المدينة وطرد المسلّحين منها، وما تبقى منهم عدد قليل يبلغ 1200 مسلّح محاصرون في نقطة دائرية تقع في منطقة عبارة عن مزارع بين الزبداني ومضايا تبلغ مساحتها 500 متر مربع، ومحاصرة من كل الجهات بعدما نفذت الذخيرة منهم، ما وضعهم أمام خيارين، إما الاستسلام أو الموت. ما يعني أن الزبداني إلى الحسم النهائي خلال أيام.
لا شك أن طبيعة الزبداني وموقعها الجغرافي احتاجا إلى هذا الوقت الطويل لحسم المعركة. فالمعركة معركة أحياء وأبنية وأنفاق، ولم تكن سهلة. المسلّحون منذ سنتين يخزّنون الاسلحة ويحفرون الأنفاق استعداداً لهذه المعركة.
طلب المسلّحون خلال الهدنة التي تم الاتفاق عليها لمدة 24 ساعة ممراً آمناً باتجاه القلمون مقابل ممر آمن لأهل الفوعا وكفريا، لكن هنا كانت المفاجأة التي لم يحسب لها المسلّحون حساباً. فخلال هذه الهدنة وصل الدعم إلى أهالي الفوعا وكفريا، وفي المقابل لم يتمكن المسلّحون من إيصال الدعم للمسلّحين في الزبداني. وفي هذه الأثناء ارتأت قيادتا المقاومة والجيش السوري أنهما في الموقف الأقوى وبالتالي لا حاجة للتراجع عن الحسم في الزبداني.
وتؤكد المعلومات الميدانية فرار محمد زيتون قائد المجلس العسكري للفصائل المسلّحة في الزبداني باتجاه مضايا، في حين رفض أهالي مضايا وسرغايا دخول المسلّحين إليهما كي لا تتعرضان للخطر والدمار. هذه الوقائع والظروف الصعبة التي يعاني منها ما تبقى من مسلّحين في الزبداني دفع زيتون قبل فراره إلى إرسال رسالة منذ يومين إلى قائد «جبهة النصرة» في القلمون أبو مالك التلي يطلب منه التحرك لإنقاذ مجموعاته المحاصرة في الزبداني، ويقول له: «إذا ما لحقتونا إما الذبح أو الأسر».
وبعد هذه الرسالة حاول أبو مالك التلي تحريك المجموعات المسلّحة التابعة له في عرسال لفك الطوق عن المسلّحين المحاصرين في الزبداني. لكن طيران الجيش السوري يعيق هذا التحرك، فيما الجيش اللبناني والمقاومة يرصدان الجبال.
حسم الزبداني مهم جداً لقيمتها الاستراتيجية والجغرافية والسياسية والمعنوية وموقعها الجغرافي، فهي شوكة في خاصرة العاصمة السورية ويمكن ان تهدد الطريق الدولية الوحيدة بين بيروت ودمشق. كما لا يمكن استكمال تحرير القلمون السوري، وظهرها ـ أي الزبداني ـ غير مؤمن.
بعد حسم الزبداني سيتجه الجيش السوري والمقاومة لاستكمال معركة القلمون التي توقفت فجأة لأسباب عدّة، لأن تحرير القلمون يريح لبنان ويقطع تواصل المجموعات المسلّحة المحاصرة في لبنان بين القلمون والزبداني، أما الهدف الثاني فهو وادي بردى، لأن هذه المنطقة مفتوحة على الغوطة الشرقية. ما يفتح معركة ما تبقى من مناطق يسيطر عليها المسلّحون في ريف دمشق.
فما هي حقيقة الوضع الميداني في الزبداني، وماذا جرى خلال تفاوض ربع الساعة الأخير قبل اتخاذ الجيش السوري والمقاومة قرار الحسم؟ وهل يقاتل ما تبقى من مسلّحين محاصرين أم يسلّموا أنفسهم؟ وما هي أهمية حسم الزبداني وما هي الأهداف التالية؟
الزبداني سقطت
بعد مرور شهرين على انطلاق العمليات العسكرية في مدينة الزبداني، أحكمت قوات الجيش السوري والمقاومة قبضتها على مجموعة من النقاط والتلال الاستراتيجية في السلسلة الجبلية وأبرزها «قرقماز» و«رأس الخشعة» و«شير القرنة» و«شير الهوة» و«شعيب الألد» و«بير كاسو» و«قصر النمرود» و«جبل الشيخ» منصور» و«رأس القرن» و«الشقيف الأحمر».
يؤكد مصدر عسكري لـ«البناء» أن الهجوم الواسع الذي يشنه الجيش السوري والمقاومة على الزبداني انتهى. وما يحصل حالياً عملية تنظيف المنطقة بقعة بقعة ضمن منطقة واحدة محصورة ومحاصرة تترواح ضمن مساحة دائرية عرضها 700 متر وطولها 500 شرق ـ شمال جامع الزهراء.
ولفت المصدر إلى أن المسلّحين وضعوا نقطة الدفاع المركزية التي تتكون من الألغام والمتفجرات والافخاخ التي تعتبر عملية اختراقها وإزالتها صعبة، فتراكم الابنية والتراب يمثل خط دفاع عن المسلّحين، لأنها تعيق تقدم المهاجمين، لذلك توقف حزب الله والجيش السوري عن القصف المدفعي والتدميري كي لا يتراكم التراب والابنية المهدمة ما يعيق تقدمهما الميداني.
وأوضح أن مجموعات خاصة من الجيش والمقاومة تنفّذ الطوق الأخير وعملية الخنق التي تقتصر على ضربات وجراحة موضعية لتواجد المسلّحين ونقاط الأسلحة الثقيلة. ويضيف: المنطقة كلها محكومة من كافة الجهات ولكن لدى المسلّحين بعض الأنفاق تحت الارض يتنقلون عبرها لاستنزاف هجوم الجيش السوري والمقاومة، اللذين أوقفا الهجوم ويعملان على الرد على مكان اطلاق النار بالحجم نفسه.
وجزم المصدر أن لا إمكان لصمود المسلّحين في الزبداني، المسألة الاساسية تدور حول دور مضايا وسرغايا في تقديم المساعدة في فك الطوق عن المسلّحين وبالتالي الزبداني باتت خارج إطار المفاوضات التي حصلت في السابق، لأن ما تبقى منها هما مضايا وسرغايا المطوّقتان من الجيش السوري والمقاومة. وأهمية حسمهما تكمن في استكمال تنظيف القلمون الجنوبي.
وبيّن المصدر أن معادلة الزبداني مقابل كفريا والفوعا لم تعد قائمة اليوم بعد التقدم الكبير للجيش والمقاومة. كما أن مضايا وسرغايا موصولتان من الجهة اللبنانية عبر جنتا أعلى جبال لبنان الشرقية، حيث يتواجد فيها حزب الله ومن الجنوب الجيش السوري ومن الشمال أي من جهة القلمون مطوّقة.
وادي بردى الهدف المقبل
ورجّح المصدر أن يشنّ الجيش السوري وحزب الله هجوماً باتجاه وادي بردى، لأن هذه المنطقة مفتوحة على الغوطة الشرقية إلى البادية عبر مطار «الضمير». كما أنّ أهالي وادي بردى يضغطون على المسلّحين للخروج منها.
وأضاف: المنافذ الحقيقية للمسلّحين في الزبداني هي عبر وادي بردى، والتي تعتبر نقطة التهريب الأساسية تاريخياً. ودخلت إليها التنظيمات المسلّحة التي تعرف مسالك الدخول والخروج منها.
ويتابع المصدر: معظم المقاتلين في الزبداني هم من مضايا وسرغايا. وفي المفاوضات السابقة طرح خروجهم إلى إدلب بلا أسلحتهم الثقيلة، لكن ذلك لم يحصل، لأنه عند وصولهم إلى إدلب سيؤمَّن لهم السلاح من التنظيمات الاخرى.
وكشف المصدر أن عدد المسلّحين المتواجدين الآن في مناطق مضايا وسرغايا والزبداني ووادي بردى يتراوح بين 1000 إلى 1500 مقاتل، وتساءل: هل هناك مصلحة للقيادة السورية والمقاومة في إخراجهم من المنطقة إلى مناطق أخرى؟ خصوصاً انتقالهم إلى منطقة سهل الغاب في حماه؟، هذا تقدّره القيادة وفقاً للمعطيات الميدانية.
المسلّحون محاصَرون
وأكدت مصادر ميدانية في الزبداني لـ«البناء» أن 1200 مسلّح محاصرون في نقطة دائرية تقع في منطقة عبارة عن مزارع بين الزبداني ومضايا تبلغ مساحتها 500 متر مربع، ومحاصرة من كل الجهات بعدما نفذت الذخيرة منهم. وأشارت إلى أن مضايا وسرغايا قريتان صغيرتان ساقطتان، والمسلّحون لا طريق لهم للانسحاب بعدما حوصروا وخسروا القائد وهو محمد زيتون قائد المجلس العسكري للفصائل المسلّحة في الزبداني الذي فرّ باتجاه مضايا.
وكشفت المصادر أنّ المفاوضات التي حصلت منذ أسبوع دارت حول طلب المسلّحين في الزبداني ممراً آمناً باتجاه القلمون مقابل ممر آمن لأهالي الفوعا وكفريا. ومدة المفاوضات كانت 48 ساعة مددت إلى 72، وخلال هذه الهدنة وصل الدعم إلى أهالي الفوعا وكفريا. وفي المقابل لم يتمكن المسلّحون من إيصال الدعم للمسلّحين في الزبداني. وارتأت قيادتا المقاومة والجيش السوري أنهما في الموقف الأقوى، وبالتالي لا حاجة للتراجع عن الحسم في الزبداني. ليستقر الوضع على الحسم، خصوصاً أن عوامل الصمود موجودة في الفوعا وكفريا.
وتحدثت المصادر عن أن أعداد المسلّحين في الزبداني الذين يسلمون أنفسهم للجيش السوري والمقاومة إلى تزايد في الايام القليلة الماضية، إذ سلم 82 مسلّحاً انفسهم للجيش السوري وأربعة لحزب الله، فيما بلغ عدد جرحى الجيش السوري حوالى 20 جريحاً ولا شهداء، وسقط للمسلّحين 210 جريحاً و1000 قتيل في الاسبوع الماضي.
وكشفت المصادر أن أبا مالك التلّي وبطلب من قادة المسلّحين في الزبداني، يحاول تحريك المجموعات المسلّحة التابعة له في عرسال لفك الطوق عن المسلّحين المحاصرين في الزبداني، لكن طيران الجيش السوري يعيق هذا التحرك. كما كشفت المصادر أن أبا مالك التلي هو عملياً قائد لواء «الغرباء» الذي يتواجد بين عرسال والقلمون، لكن لم يستطيع تحريكه لأن الجيش اللبناني يرصد الجبال والمقاومة ترصد في منطقة التل.
وأشارت المصادر إلى أن أهالي مضايا وسرغايا يرفضون دخول المسلّحين إليهما كي لا تتعرضا للخطر والدمار والاشتباكات. وأكدت أن الاقتحامات مستمرة لمخابئ المسلّحين وأنفاقهم. لكن ثمة مفاوضات بين الفترة والأخرى، وحصلت هدنة واحدة الاسبوع المنصرم تم تمديدها يوماً واحداً. لكن قيادتَي الجيش السوري والمقاومة الآن حسمتا قرارهما بأن لا مفاوضات مع المسلّحين، بل عليهم تسليم أنفسهم للدولة، لذلك أمام المسلّحين في الزبداني خيارين إما الاستسلام أو الموت، ما يعني أن الزبداني إلى الحسم النهائي خلال 48 ساعة.
رسالة زيتون إلى التلّي
وحصلت «البناء» على رسالة أرسلها قائد المجلس العسكري للفصائل المسلّحة في الزبداني محمد زيتون منذ يومين إلى قائد «جبهة النصرة» في القلمون أبو مالك التلي، يطلب منه التحرك لإنقاذ مجموعاته المحاصرة في الزبداني. ويقول له: «إذا ما لحقتونا إما الذبح أو الأسر».
وهذ نصّ الرسالة كاملاً وحرفياً مع كامل أخطائه: «أخي أبو مالك، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخي من الآخر الزبداني معها اليوم وبكرا وبعد بكرا اعتباراً من الرسالة هاي، أقسم بالله إذا لحقتوها لحقتوها وما لحقتوها راح ألف أخ يا أسرى يا ذبح. الحزب والجيش يا أخي، إذا فيه مجال تتواصل مع جماعة الجبهة فوق تقلو لهيدا القائد الشامي تبع لواء الشام فيلق الشام، يا بيتواصلوا وبيتنازلوا شوي وبلحقوهن بهاليومين، يا إما وينك، فيه يوم قيامة أقسم بالله لنحاججكم وإنت بالذات، لأنك قادر إنك توصل وتحل. أما إذا ما بدكن تحلّوها، وينك، أنا شاكيكن لواحد أحد، انت والجولاني وأبو جابر قائد الاحرار، كل شي بدل لأحرار الشام ولجيش الفتح او للجبهة او أي فصيل والله لن نسامحن والله ينتقم منكن وخذلنا وأهل الزبداني، لأن أهل مضايا والزبداني ما فيه مطرحة تعرضت للغزو الا وكانو أول الناس بالمعركة، في يبرود أول ناس كانوا ورنكوس أول ناس كانوا، ليه هلئ تخاذلتو معنا؟ إذا ما بدكن تعينونا وتكونوا معنا فيه يوم قيامة انشالله منقعد عليه. وسامحني إذا كنت قاسي بالحكي، لحقونا… يا إما بتلحقنا يا إما يصطفل فيكن الله جميعاً والسلام عليكم»!
وأكدت مصادر ميدانية مقتل ياسر العمري قائد ما يسمى «الجيش الحر» في الزبداني أثناء فراره الثلاثاء الماضي، كما سيطر الجيش السوري وحزب الله على حارة «الماس» في الحي الغربي من الزبداني، وضُبط مصنع صواريخ وعبوات ناسفة.
كما قالت المصادر إنّ مسلّحي ما يسمّى «الجيش الحر» وبعض الفصائل الارهابية أعلنوا منذ الثلاثاء الماضي عن بدء معركة ما يسمى «نصرة الزبادني» في ريف درعا الشمالي. وأولى نتائج هذه المعركة مقتل وجرح عشرات المسلّحين خلال اشتباكات مع المقاومة والجيش السوري في محيط بلدتي تل قرين وكفرناسج عند مثلث البطولة دمشق درعا القنيطرة في ريف درعا.
الزبداني والحسم الاستراتيجي
وأكّد الخبير العسكري والاستراتيجي العميد هشام جابر لـ«البناء» أن حسم الزبداني مهم جداً، نظراً إلى قيمة المنطقة الاستراتيجية والسياسية والمعنوية وموقعها الجغرافي، فهي شوكة في خاصرة العاصمة السورية دمشق ويمكن ان تهدد الطريق الدولية الوحيدة بين بيروت ودمشق. كما لا يمكن استكمال تحرير منطقة القلمون السورية وظهرها ـ أي الزبداني ـ غير مؤمّن.
وأشار الدكتور جابر إلى أن تحرير الزبداني يريح العاصمة السورية دمشق المهددة من اليرموك والغوطة الشرقية ومن الجنوب بين الحين والآخر. كما تصبح الغوطة الغربية تحت سيطرة النظام في سورية.
وإذ لفت جابر إلى وجود مئات المقاتلين في الزبداني ومحيطها، أكد ان هذا العدد مخيف، لأن مئة مسلّح يستطيعون إرباك الجيش لمدة اسبوع، فضلاً عن انهم يعرفون الارض والمخارج جيداً، وإذا لم يفتح لهم الطريق للانسحاب، فإما سيحاربون حتى الموت أو الاستسلام.
ورجّح جابر أن يتجه الجيش السوري والمقاومة بعد الزبداني لاستكمال معركة القلمون التي توقفت فجأة لأسباب عدّة، لأن تحرير القلمون يريح لبنان ويقطع تواصل المجموعات المسلّحة المحاصرة في لبنان بين القلمون والزبداني. كما ان تحرير الزبداني يريح الجهة اللبنانية لأن الزبداني تبعد خمسة كيلومترات فقط عن الحدود اللبنانية، ولا يمكن ترك معركة الزبداني حتى تحريرها بالكامل.
ويشرح جابر الظروف الميدانية لمعركة الزبداني، ويعتبر أنها أخذت هذا الوقت لأنها معركة أحياء وابنية وأنفاق، لذلك لم تكن سهلة إضافة إلى أن المسلّحين منذ سنتين يستعدون ويخزنون الاسلحة ويحفرون الأنفاق ويحشدون مزيداً من المسلّحين.
ويرى أن حسم الزبداني له تأثير على جبهة عرسال التي ، على رغم أنها محاصرة ـ إلا أنّ المسلّحين من تنظيمَي «داعش» و«النصرة» موجودون في داخلها مع عائلاتهم في مخيم النازحين، والجيش يحاصرها من الشرق ويقوم بواجباته بشكلٍ مستتر. لكن مخيم النازحين في عرسال يضمّ 1000 إلى 2000 مسلّح يعيشون بين النازحين مع سلاحهم سيخرجون لقتال الجيش في أيّ معركة مقبلة في هذه الجبهة.