طلب وقح
حميدي العبدالله
طلبت الولايات المتحدة من اليونان إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية المتجهة إلى سورية. لا شك أنّ هذا الطلب ينطوي على قدر كبير من الوقاحة والصلافة غير المعهودة في العلاقات الدولية.
سورية دولة ذات سيادة، معترف بها في الأمم المتحدة، وتشارك في جميع هيئاتها، جنباً إلى جنب مع ممثلي الولايات المتحدة، على الرغم من الحرب التي شنّت عليها منذ حوالي ما يقارب خمس سنوات. روسيا هي الأخرى، دولة كبرى وعضو في مجلس الأمن وتتمتع بالعضوية الدائمة، وهي شريك مؤثر وفاعل في النظام الدولي منذ عام 1945 وحتى الآن.
إنّ تجاوز هذه الوقائع الصلبة، والطلب إلى اليونان إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية المتجهة إلى سورية، مهما كانت مبرّراته وحيثياته هو مخالف للأعراف والقوانين الدولية، وهو يعبّر عن عقلية استعمارية، فضلاً عن عقلية الهيمنة والاستحواذ التي لا يسندها أيّ مبرّر لا قانوني ولا حتى في إطار توازن القوى.
الولايات المتحدة لم تعد الدولة الكبرى القادرة على فرض مشيئتها، وظروف عقد التسعينات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي قد ولّت إلى غير رجعة في ظلّ عودة روسيا لاعباً دولياً مهماً، وفي ظلّ قدرتها على إنشاء تحالفات دولية وإقليمية تسهم في إحداث تغيير عميق في التوازن الدولي، ولا سيما مجموعة «بريكس» ومنظمة شنغهاي، حيث تحتشد أكبر دول العالم عسكرياً واقتصادياً في إطار هاتين المجموعتين.
ليس لدى الولايات المتحدة في ظلّ التوازن الدولي وحتى الإقليمي الجديد، أيّ قدرات تؤهّلها لوضع مثل هذا الطلب الوقح موضع التنفيذ، فروسيا قادرة أولاً على انتزاع حقوقها والحفاظ على الامتيازات التي يمنحها القانون الدولي والأعراف والتقاليد المعتمدة، ولديها من القدرات العسكرية والسياسية ما يجعلها قادرة على حماية هذه الحقوق والامتيازات، بما في ذلك حق عبور الطائرات المجال الجوي لأيّ دولة أخرى، سواء كانت اليونان، أو حتى لو كانت تركيا، لا سيما أنّ روسيا بمقدورها أن تردّ على أيّ مبادرة غير ودّية من أيّ دولة عبر المعاملة بالمثل، ومن شأن ذلك أن يلحق الأذى بهذه الدولة، وهذا ما يدفع اليونان وغيرها إلى عدم الامتثال للطلب الأميركي أو إلى أيّ طلب آخر يشبهه.
كما أنّ روسيا لديها أوراق كثيرة للردّ على أيّ استفزاز أميركي مثل هذا الاستفزاز، الأمر الذي يؤكد أنّ الطلب الأميركي يوجه إهانة للولايات المتحدة، أكثر منه إلى سورية أو روسيا أو اليونان طالما أنّ هذا الطلب غير قابل للتنفيذ.