أسئلة في التعجيل والتأجيل للمجلس الوطني واليوم الذي يليه؟

رامز مصطفى

غريبة هي الساحة الفلسطينية، فجأة ومن دون مقدّمات، وكما النار في الهشيم، يحتلّ الصدارة خبر طلب رئيس السلطة السيد محمود عباس دعوة المجلس الوطني، لتأتي بعده سبحة الأخبار والتسريبات والمعلومات والتكهّنات عن التصوّر الذى يسعى خلفه أبو مازن من وراء عقد المجلس في ظلّ انقسام سياسي حادّ لم تشهد الساحة الفلسطينية مثيلاً له، بعد أن أنجز والمراقبون والمحيطون به استقالات جماعية بهدف إعادة هندسة المنظمة وفق سياساته تشكل المبرّر في طلب عقد المجلس.

وترافق ذلك مع بورصة الأسماء الهابطة والصاعدة من داخل حركة فتح وخارجها طبعاً من الشخصيات من خارج بعض الفصائل وداخلها، لتطال أيضاً شخص رئيس المجلس الأخ سليم الزعنون بداية الأمر .

تجري الترتيبات سريعاً، وكأنّ هناك من يريد أن يسابق الزمن، فمن جلسة استثنائية لتتحوّل إلى جلسة عادية، وجدول أعمالها من نقطة واحدة، هي إعادة انتخاب لجنة تنفيذية، ورئاسة المجلس، وطبعاً حسب المُسرّب الأخ سليم الزعنون أبو الأديب باقٍ في موقعه، بعد التسوية التي حصلت بينه وبين رئيس السلطة، الأمر الذي سرّع من عجلة التحضيرات وتوجيه الدعوات إلى أعضاء المجلس، وتجهيز قاعة اجتماعات المجلس، والتي تتسع لـ 1500 مشارك، وهو لهذه الغاية تفقدها للوقوف على العمل فيها، والحرص على تأمين كافة المستلزمات الخاصة بها.

وفي خضمّ الهرج والمرج السياسي الذي ساد بين المؤيدين والمتحمّسين والمتحفظين والرافضين، وكلّ لديه روايته ورؤيته وحججه في ما هو قانع به، تقفز وبشكل مفاجئ الأصوات من داخل قيادة حركة فتح مطالبة بضرورة تأجيل عقد المجلس الوطني، لأنّ الاستمرار نحو عقده سيزيد المصاعب في الساحة الفلسطينية وتعميق الانقسام داخلها.

حسناً فعلت تلك القيادات بتوجيه الطلب إلى السيد رئيس السلطة بالتأجيل، إذا كان من خلفية انتظار المزيد من إجراء ما يلزم من ترتيب للساحة الفلسطينية، وتخفيف حدة الاستمرار في الجنوح نحو المزيد من الانقسام، إذا كان من غير المتاح ولأسباب موضوعية وذاتية، إنهاء هذا الانقسام البغيض، وفق اتفاق المصالحة في أيار 2011، وهو غير متاح يطول شرحها. أما إذا كان من خلفية أنّ هؤلاء أدركوا حقيقة ما يسعى وراءه رئيس السلطة من دعوته إلى عقد المجلس الوطني، وهو أنّ ترتيب اللجنة التنفيذية للمنظمة وفق رؤية رئيس السلطة يُتيح له ترتيب اللجنة المركزية لحركة فتح في المؤتمر العام المقبل بعد شهرين أو أكثر بقليل، فهم يريدون قطع الطريق على أبو مازن في ما يعمل عليه وطاقمه من داخل وخارج حركة فتح. فإنّ هذا الطلب لا يخلو من انتهازية مغلفة بستار الحرص والغيرة على المصلحة الوطنية. وما نتمناه أن تكون خلفية الحرص هي الدافع لا سواها.

وبين التعجيل والتأجيل لعقد المجلس الوطني يبرز العديد من التساؤلات المشروعة حول التعجيل أو التأجيل، ونحن من المطالبين بالتأجيل من خلفية المحافظة على المصلحة الوطنية . ومن هذه التساؤلات:

ـ هل ما حمله الدكتور صائب عريقات المكلف بأمانة سرّ اللجنة التنفيذية، إلى لقائه مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الأستاذ خالد مشعل في الدوحة، كان صحيحاً؟ ومفاده أنّ رئيس السلطة وبحسب عريقات، يريد ترتيب المنظمة وحركة فتح لأنه ينوي خلال تواجده في نيويورك نهاية أيلول الجاري، أثناء التصويت على رفع العلم الفلسطيني فوق مقرّ الأمم المتحدة، أن يتخلى عن رئاسة السلطة في خطوة نحو حلها وتحميل «إسرائيل» مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والطلب إليها أن تدير الأوضاع في الضفة بشكل مباشر بوصفها قوة احتلال. ودعوة المجتمع الدولي أن يتحمّل مسؤولياته في عدم قدرته على إيجاد حلّ عادل «وفق رؤية رئيس السلطة»، للقضية الفلسطينية وعناوين الحلّ النهائي وفق «أوسلو».

– هل خطوة أبو مازن في عقد المجلس الوطني، تتصل فقط في التخلص من خصومه ومنافسيه أولاً في اللجنة التنفيذية، لتُشكل المدخل إلى التخلص من خصومه الحركيين في المؤتمر القادم للحركة؟ أم أنّ الخطوة تتصل في رفع السقف في وجه «إسرائيل» وحماس والمجتمع الدولي، حول ما يُقال عن مفاوضات غير مباشرة تجري عبر السمسار الدولي «طوني بلير». الخطوة التي يعتبرها أبو مازن تستهدفه وسلطته مباشرة، لصالح تعزيز دور حماس وتمكينها من قطاع غزة كقوة أمر واقع، بحسب تصريحات الناطقين الإعلاميين لحركة فتح. وخطوة التخلي عن السلطة وحلها حسب ما نُسب على لسان عريقات، يراها الكثيرون أنها لا تتعدّى كونها رفع الكارت الأحمر في وجه نتنياهو وحكومته، وخطوة يعتقد منها دفع الإدارة الأميركية إلى التدخل لدى بعض الدول الإقليمية المتدخلة في شأن ما يُسمّى المفاوضات الغير مباشرة بين «إسرائيل» وحماس عبر بلير، إلى التوقف عن هذه اللعبة. وما يُعزز هذا الاعتقاد، أولاً أنّ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في مؤتمره الصحافي حول الموقف من عقد المجلس الوطني، لم ينف لقاءه بلير، ولكنه أكد أنّ بلير لم يأت بشيء مهمّ أو جدّي، لذلك لا جديد على هذا الصعيد، وإن قال سنفعل أيّ شيء لرفع المعاناة عن شعبنا في قطاع غزة. أما ثانياً ما كتبته صحيفة «هآرتس» العبرية، أنّ حكومة نتنياهو أوقفت الاتصالات مع حماس عبر الوسطاء، حتى لا تخسر أبو مازن، وتكون على حساب السلطة والعلاقة معها. وهذا ما ذهب إليه نتنياهو في خطوة تطمين لرئيس السلطة عندما صرح أنه «على استعداد للقاء أبو مازن لمعاودة المفاوضات، ولكن من دون شروط».

– أم أنّ خطوة التأجيل إذا ما حصلت، فلها أسبابها ودوافعها من خارج حسابات أنّ دائرة الرافضين لعقد المجلس الوطني تتسع، من فصائل وأعضاء في المجلس الوطني وشخصيات ومثقفين وإعلاميين وكتاب ومفكرين وأصحاب رأي فلسطينيين، إذ أن على أهمية هذا الأمر، إلاّ أنّ اعتبارات التأجيل أو خلفياته أبعد من ذلك، لأنّ المقرّبين أو من هم في الدائرة المحيطة من رئيس السلطة في تصريحات للعديد منهم يؤكدون أنّ النصاب القانوني لعقد المجلس أصبح في متناول اليد طبعاً إذ أن حسبتهم تقوم على أنّ الأعضاء من خارج الأراضي المحتلة، ولربما الأعضاء من غزة، والرافضين المشاركين من الفصائل وخارجها وكذلك أعضاء المجلس التشريعي لم يحضروا المجلس. وبذلك تكون الجلسة الثانية بمن حضر، وهكذا يتحقق النصاب لعقد الجلسة . لذلك قد تكون دوافع التأجيل في حال حصل، تقف وراءها الضغوط التي قيل إنّ الإدارة الأميركية وحلفاءها في الواقع الدولي والإقليمي قد مارستها في الأيام الماضية على رئيس السلطة لثنيه عن الذهاب قدماً نحو عقد المجلس الوطني. لذلك إذا ما استجاب أبو مازن لهذه الضغوط، فهو سيكون قد وظف أصوات القيادات الفتحاوية والفصائل وأعضاء من المجلس الوطني والشخصيات المطالبة بتأجيل عقد المجلس، وعندها سيظهر على أنه قد استجاب لهذه النداءات، وليس للضغوط المُمارسة عليه من الأميركيين وحلفائهم. والتجربة في سياقها الطويل أكدت على الدوام أنّ أبو مازن يأخذها على محمل الجدّ ويستجيب لها.

رُغم ذلك نحن سنكون من المرحّبين لخطوة التأجيل فيما لو ذهب إليها رئيس السلطة، لأننا نريدها انتصاراً المصالح الوطنية العليا لقضيتنا وشعبنا، على أية اعتبارات فصائلية أو تكتلات فئوية ضيقة تريد وبأي ثمن أن تطفو على سطح هذه المصالح غير عابئة بالنتائج أو تداعياتها. ويبقى السؤال، وهو برسم الجميع، في حالتي المضي في إجراءات عقد المجلس الوطني، أو في تأجيله، ماذا عن اليوم التالي الذي يليه؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى