موسكو تكسب جولة تشريع دورها العسكري في سورية… وأوروبا تسلّم بالأسد التمرين الأول للحوار يتخطى خطر الفشل… ويشكل المختبر اللازم للتسويات
كتب المحرر السياسي
خلال أربع وعشرين ساعة من التجاذب عالي التوتر حسمت موسكو الأمر لمصلحتها وثبتت دورها المحوري عسكرياً في سورية ومشروعيته، وأسكتت الاعتراضات الأميركية التي ترجمت ضغوطاً أدّت للطلب من كلّ من بلغاريا واليونان لمنع مرور الطائرات الروسية المتجهة إلى سورية في أجوائها، وهي خطوة جاء حدوثها قبل الحوار الهاتفي بين وزيري الخارجية الروسي والأميركي لتعادل إعلان حرب، فكان الردّ الروسي الفوري باستبدال الممرّ الغربي بممرّ شرقي في أجواء أذربيجان وإيران، وتابعت موسكو حركتها بمطالبة اليونان بموقف فحسمت اليونان تغليب حرصها على العلاقة بروسيا، وربحت موسكو مرتين، مرة بتأمين الجسر الجوي الذي كشفت علناً أنه مستمر ومتواصل ونوعي، ومرة بحسم موقع اليونان، والأهمّ أنها استدرجت واشنطن إلى ثلاث مكالمات هاتفية أجراها وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف انتهت بالتسليم الأميركي بمشروعية الحضور الروسي قياساً بالحضور الأميركي في الحرب على الإرهاب كعنوان متفق عليه في الجبهتين السورية والعراقية، مع فارق أنّ الدور الأميركي الذي يتمّ بالتنسيق مع الحكومة العراقية في وجه «داعش» داخل الأراضي العراقية يطابق معايير القانون الدولي، بينما يعدّ انتهاكاً للقانون الدولي في سورية لتجاهله سيادة الدولة السورية التي يقوم الحضور العسكري الروسي على التنسيق والتعاون معها، ما يعني عملياً تبلور حلفين قانونيين للحرب على الإرهاب بالتعاون مع حكومتي البلدين المعنيين، واحد في العراق تقوده واشنطن وآخر في سورية تقوده موسكو، وبفقدان المظلة الأممية لحلف موحد ضدّ الإرهاب كما تطلب موسكو يصير واقعياً التشارك عبر التنسيق، ولا حجة أميركية بأخطار التضارب وهي تشارك في الغارات في سورية ولم يحدث تضارب مع سلاح الجو السوري الذي لا يغادر الأجواء السورية، ومن جهة أخرى لم يمنعها الخلاف الكبير مع إيران قبل التفاهم النووي، من التنسيق معها في العراق، مرة من خلال الحكومة العراقية ومرات مباشرة، وجلس الخبراء الإيرانيون والأميركيون في غرفة عمليات واحدة.
كسبت روسيا الجولة الحاسمة وعنوانها، الحرب على الإرهاب في سورية لن تتواصل وفقاً للأجندة الأميركية، فروسيا موجودة من اليوم هناك، وإنْ رغبت واشنطن الاستمرار فالتنسيق هو الطريق، وبدايته اعتراف بالحاجة إلى التنسيق مع الجيش السوري، وإنْ لم ترغب فموسكو وحلفاؤها من إيران والعراق وحزب الله جاهزون لمسؤولية الحرب على الجبهة السورية إذا انكفأت واشنطن وحلفاؤها إلى الجبهة العراقية.
مع هذا التحوّل الدولي الإقليمي الكبير بدا أنّ الربع الساعة الأخير للحرب على سورية يقترب، خصوصاً مع تتابع الإعلانات الأوروبية عن التسليم بالرئيس السوري بشار الأسد شريكاً في صناعة الاستقرار مهما كانت الصياغات مدروسة وحذرة لمراعاة شروط النزول الهادئ عن شجرة التصعيد من جهة، ومراعاة الحلفاء أصحاب المواقف المتشنجة من جهة أخرى، وتهويناً على بعض المعارضة الضروري إشراكه في الحلّ السياسي لتسويغ التراجعات من جهة ثالثة. فبعد كلام صريح وواضح من وزيري خارجية كلّ من أسبانيا والنمسا خرج وزير خارجية بريطانيا أمام مجلس العموم ليتحدّث عن الرئيس الأسد كشريك في صناعة الاستقرار، في توقيت متسارع ينسجم مع وجهة الحركة الروسية.
في هذا المناخ كان لبنان ينجح في التقاط الفرصة لصناعة مختبر الخيارات التفاوضية عبر طاولة الحوار التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، وحيث لم يكن المعيار الذي تقيس به القوى المعنية بتهيئة لبنان لدخول الربع الساعة الأخير من الحروب، مدى نجاح الجلسة الأولى في تحقيق تقارب أو إنجاز تفاهمات، بل كان سقف الطلب هو منع الفشل، وتخطي خطر انفراط عقد الحوار، ليكون منصة ومنبر ومائدة، لمرحلة نضج الحلول فيتلقى الإشارات الإيجابية من المناخات الدولية والإقليمية ويلاقيها ويلبننها، كما يشرح الرئيس بري، وعندها يبدأ البحث الجدي في الاستحقاق الرئاسي، وتخطي الحوار لخطر الخطوة الأولى ونجاحه بكسر الجليد يفسّران درجة الحرارة المقبولة التي رافقت بعض المساجلات.
الحوار هنا مسار وليس خطوة، ووجود الحراك في جواره بات عنصراً ذا فائدة بدلاً من أن يكون عنصراً سلبياً يضغط لحساب أخطار الفوضى، فقد أدّى ضغط الرأي العام على الحراك والحوار معاً إلى إيصال رسالة مزدوجة مضمونها، ممنوع الفشل، الفشل في الحوار هو انفراط عقد الطاولة والرأي العام كان حاضراً ومستعداً كي يحمل من يقود للتصعيد ويتسبّب بتفجير طاولة الحوار خسائر لا يحتملها أمام الرأي العام فانضبط المشاركون تحت هذا السقف، والفشل في الحراك هو أخذه للتصادم المجاني والسقوف العالية، وكانت الرسالة من الرأي العام بعد تجارب الصدامات المفتعلة والتصعيد بلا هدف، هي تخفيض منسوب المشاركة، فخفض القيّمون على الحراك سقوفهم نحو القضايا المطلبية، وتفادوا التصادم المفتعل، وانضبط القيمون على الحراك فمرّت التظاهرة بسلام، وهكذا تلاقت مع انعقاد الحكومة لبحث ملف النفايات الذي يبقى إنجازه أولوية لبنانية تلزم الحراك والحكومة بعدم تخطيه أو محاولة تمييعه، ليتلاقى الحوار والحراك في إنتاج مناخ ضاغط كان وراء الاجتماع الحكومي الذي تخطى التحفظات والانقسامات لأنّ الرأي العام كان حاضراً للمحاسبة.
جولة أولى من الحوار تنتهي بلا نتائج
وكما كان متوقعاً عقدت الجولة الأولى من الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري ظهر أمس في المجلس النيابي، وعلى رغم أهمية انعقاد هذا الحوار وجلوس معظم الأطراف على طاولة واحدة في ظل الانقسام السياسي الحاد بينها وانسداد أفق الحلول، إلا أن المتحاورين لم يتوصلوا في الجولة الأولى إلى أي نتيجة لا سيما في ملف الرئاسة البند الأول على جدول الأعمال، فأرجأ الرئيس بري الجلسة إلى يوم الأربعاء الواقع فيه 16 أيلول الساعة الثانية عشرة ظهراً، وأبدت كل كتلة نيابية خلال الجلسة موقفها من الاستحقاقات المقبلة لا سيما انتخاب رئيس للجمهورية، وشدد جميع المتحاورين على ضرورة الاهتمام بالقضايا المطلبية في ظل تصاعد وتيرة الحراك الشعبي.
واستهلت الجلسة بالنشيد الوطني، ثم بادر بري إلى القول: «هذه الطاولة المستديرة ستبقى في هذه القاعة، وإن شاء الله أن لا نحتاج إلى حوار ثان، لكنها ستكون مخصصة أيضاً لاجتماعات أخرى إن على صعيد اللجان أو المؤتمرات أو غير ذلك».
ولفت إلى أن «الأزمة السياسية التي من عناوينها الكبرى الشغور الرئاسي وتعليق التشريع والتفكك الحكومي والأزمة الاجتماعية». وشدّد على أن «الأزمة الاجتماعية التي من مظاهرها البارزة فضيحة النفايات تحتاج إلى إنجاز الحوار بحلول ناجحة وناجعة وسريعة، لأنّ الاستمرار في لعبة عض الأصابع الجارية إنما تتم على حساب الوطن والمواطن».
وأردف الرئيس بري: «نجتمع لنحاول وضع حلول عادلة ومخارج صحيحة وهذا الأمر يحتاج إلى توحيد المواقف لا إلى حوار الطرشان، إن الوطن يناشدكم الاتفاق متمنياً ألّا يكون قد فات الوقت وأن نتمكن من رسم خريطة طريق لعبور الاستحقاق الرئاسي وإطلاق عمل التشريع لوضع القوانين الرئيسية التي ترسم صورة لبنان غداً وإخراج السلطة التنفيذية من واقع التفكك وتنشيط أدوارها». واعتبر «أن هذا الاجتماع يشجع الآخرين للحوار من أجلنا ويعطي اندفاعة سياسية جديدة، ليس على مستوى لبنان فحسب بل على مستوى المنطقة». وتابع: «كل البلاد العربية أو أكثرها هي بحاجة لحوار، عدا ذلك أيها السادة فإننا سننتظر أن يأخذ أحد بيدنا إلى إحدى العواصم ليتم إبلاغنا المخرج الذي نوافق عليه وتعليق لبنان على مسمار في حائط الشرق الأوسط إلى لحظة انفجار جديد. فهل نستحق لبناننا».
وطرح رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان «مجموعة من المعايير التي على أساسها يقارب الحزب القومي استحقاق رئاسة الجمهورية، وأهمّ هذه المعايير أن يكون قوياً قادراً على حماية الدستور وعلى ترجمة الخيارات التي نص عليها اتفاق الطائف وتكون لديه إرادة لتحقيق البنود الإصلاحية من الاتفاق التي أهملتها الطبقة السياسية منذ سنوات طويلة».
وقال رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد: «علينا أن نتفق على اسم رئيس لديه عقل سيادي ورؤية سيادية لكي نكون قادرين على ائتمانه على السيادة، نحن نريد رئيساً قوياً ذا شعبية كبيرة، نريد انتخاب الرئيس الماروني الذي يشكّل عنصراً من عناصر الاستقرار الداخلي والإقليمي والدولي».
ودعا رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون إلى «جعل هذا المجلس الحالي مجلساً تأسيسياً، فإما أن نعدّل المادة 49 لنجعل انتخاب الرئيس من الشعب، خصوصاً أنّ هذه المادة عدّلت أكثر من مرة لأسباب أقلّ أهمية أو أن يقوم هذا المجلس بإقرار قانون انتخابي جديد». وسأل عون: «لماذا المسيحي لا يستطيع أن يختار الرئيس الذي يمثل الأكثرية المسيحية»؟
وشدّد رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة على «أنّ الانتخابات مسؤولية والرئيسmaster key «. ولفت السنيورة إلى «أن خريطة الطريق تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، حكومة، قانون انتخاب، انتخابات نيابية».
ولفت رئيس حزب الكتائب سامي الجميل إلى «أننا لا يمكن أن نوصل أيّ مرشح من الأقطاب الأربعة الموارنة إلى رئاسة الجمهورية، صحيح أنّ الرئيس أمين الجميّل مرشح حزب الكتائب، لكننا لن نعطل هذا الاستحقاق ولذلك فإني اقترح رئيساً إدارياً وحكومة تكنوقراط لتقطيع المرحلة».
وكانت شهدت الجلسة تلاسناً بين ميشال عون والسنيورة توسّع ليشمل الوزير بطرس حرب، على خلفية مطالبة رئيس تكتل التغيير والإصلاح بالاحتكام إلى الشعب في انتخاب رئيس للجمهورية، وإقرار المجلس الحالي الذي يعتبره تأسيسياً قانون انتخاب جديداً.
وبعد جلسة الحوار التي استمرت حوالى ثلاث ساعات، تلا الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر، بياناً مقتضباً جاء فيه: «بعد أن افتتح دولة الرئيس نبيه بري الجلسة بكلمة، تحدث المشاركون عارضين وجهة نظرهم في القضايا المطروحة مع التركيز على البند الأول المتمثل بانتخاب رئيس الجمهورية والخطوات المطلوبة للوصول إلى هذا الأمر، وحدد موعد الجلسة المقبلة يوم الأربعاء الواقع فيه 16 أيلول الساعة الثانية عشرة ظهراً».
وبالتزامن مع انعقاد طاولة الحوار في ساحة النجمة، تجمع عدد من المعتصمين من الحراك المدني أمام المجلس النيابي رفضاً لانعقاد الحوار والمتحاورين وقام بعضهم برشق البيض باتجاه سيارات الشخصيات التي تحاول الدخول إلى مجلس النواب من خلال المسرب الوحيد المفتوح نحو ساحة النجمة.
تظاهرة حاشدة للحراك المدني
وبعد انتهاء جولة الحوار الأولى وعلى وقع انعقاد جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي، لبى حشد كبير من ناشطي المجتمع المدني في مختلف المناطق، الدعوة إلى الاعتصام، الذي بدأ عند السادسة من مساء اليوم في ساحة الشهداء، ألقيت خلاله عدد من الكلمات لممثلي هيئات المجتمع المدني، ومشاركين من مختلف المناطق. وقد حمل المشاركون الأعلام اللبنانية واللافتات، التي تتضمن سلسلة مطالب أبرزها: حل مشكلة النفايات، إيجاد قانون انتخابي على أساس النسبية، وقانون إيجارات عادل. وبعد الانتهاء من إلقاء الكلمات، قام المتظاهرون بدق المسامير في نعش رمزي، أسموه «نعش النظام الطائفي»، ثم توجهوا إلى أمام مقر وزارة البيئة، للتضامن مع الشبان المضربين عن الطعام منذ 8 أيام، بعدما انشدوا النشيد الوطني.
وطالبت حملة «طلعت ريحتكم» بـ»استقالة وزير البيئة ومحاسبة وزير الداخلية وكل من اعتدى على المتظاهرين وإطلاق سراح المعتقلين». ولفتت إلى أن «المشاكل جمعتنا كي نصرخ بوجه حوار التآمر علينا».
وبعد انتهاء الاعتصام توجه عدد من الشبان الذين شاركوا فيه باتجاه السراي الحكومي وحاولوا إزالة الأسلاك الشائكة، ورموا المفرقعات النارية باتجاه القوى الأمنية إلا أنها لم ترد.
جلسة ماراتونية لمجلس الوزراء
بدأت النتائج الأولية لانعقاد طاولة الحوار بالظهور على صعيد تفعيل المؤسسات لا سيما مجلس الوزراء الذي انعقد في جلسة استثنائية ماراتونية دامت ست ساعات انتهت بإقرار خطة وزير الزراعة أكرم شهيب لحل أزمة النفايات، وذلك بحضور وزراء حزب الله وتيار المرده والطاشناق ووزير التربية الياس بو صعب الذي أشار قبل دخوله الجلسة إلى أن «حضوري جلسة الحكومة رسالة إيجابية عن جدية تعاطينا بملف النفايات». وأوضح أن «غياب وزير الخارجية جبران باسيل فيه رسالة أيضاً وموضوع آلية الحكومة عالق ولا يزال عالقاً».
وكانت الجلسة قد عقدت في السراي الحكومي ترأسها رئيس الحكومة تمام سلام والتي تضمنت بنداً واحداً على جدول أعمالها هو ملف النفايات، وتم خلال الجلسة إقرار خطة وزير الزراعة أكرم شهيب لحل أزمة النفايات.