من يوقف حرق وذبح وقتل أبناء فلسطين والأمة؟
راسم عبيدات
مسلسل الحرق والذبح والموت بحق أبناء فلسطين والأمة متواصل، والنبكة الفلسطينية متواصلة أيضاً، ويبدو أنه بفضل حروب التدمير الذاتي العربي والعدوان المستمر على الأمة العربية، استتبعتها نكبات عربية على نحو أشد وأوسع، الموت والدمار منتشر في كل العواصم التي اجتاحها ما يسمى بـ«ثورات الربيع العربي»، والناس تفرّ هائمة على وجوهها من الموت من أجل البقاء على الحياة، وليس من أجل عيشة آمنة، في ليبيا والعراق وسورية واليمن، والفرار من رائحة الموت والدمار، ليس نحو البلدان التي ساهمت وشاركت في تدمير بلدانهم بأموالها ونفطها، فهي التي وعدتهم بالحرية والديمقراطية واللبن والعسل، ترفض استقبالهم وتوفير العيش الكريم لهم، بل تجاه البلدان الأوروبية التي كانت عواصمها أرحم عليهم، من أبناء جلدتهم الذين ورطوهم في حروب التدمير الذاتي.
المحتل الصهيوني يطلق العنان لسوائب مستوطنيه لكي يمارسوا القتل بحق أبناء شعبنا الفلسطيني، فكانت جريمة خطف وتعذيب وحرق الفتى الشهيد أبو خضير حياً في 2/7/2014، بمثابة «هولوكست» جديد في القرن الحادي والعشرين، وفصول الجريمة البشعة تلك، لم تغلق ولم تنته، فالقتلة والمجرمون ما زال قضاة الاحتلال وحكامه يبحثون لهم عن مخرج، لكي يفلتوا من العقاب مرة بادعاء ان اثنين من القتلة المجرمين قاصرين وأخرى بأن المتهم الرئيسي مضطرب ومختل عقلياً وغير سوي نفسياً، ولم يمض عام على تلك الجريمة حتى أقدم القتلة من سوائب المستوطنين على جريمة أخرى على حرق عائلة بكاملها في قرية دوما الفلسطينية، حتى اللحظة استشهد الرضيع علي الدوابشة ووالده سعد ولتلتحق بهم الأم ريهام، وليبقى شقيقه الآخر أحمد في حالة خطر شديد، جريمة مكتملة كل أركانها، ولكن القتلة الذين يتوعدون بحرق مزيد من أبناء الشعب الفلسطيني، ما زالوا طلقاء يهددون ويتوعدون، ووزير جيش الاحتلال يعالون حدد العقوبة سلفاً لهذه الجريمة، بالاعتقال الإداري لمن ارتكبوا هذه الجريمة البشعة، لا هدم بيوت ولا طرد ولا ترحيل لعائلات وأسر مرتكبيها، كما هي حال العقوبات الجماعية بحق أسرة الشهيد غسان أبو جمل منفذ عملية الكنيس اليهودي، هو وابن عمه الشهيد عدي أبو جمل.
وجرائم المستوطنين بحق شعبنا، سبقتها جرائم بحق شعب كامل في قطاع غزة، واجه ويواجه أبناؤه الموت كل يوم من خلال حصار مستمر يدخل عامه العاشر، وثلاث حروب شنت على شعب أعزل ألقت فيه طائرات الاحتلال مئات الأطنان من القنابل والأسلحة المحرمة دولياً لتقتل الآلاف وتشرد عشرات الآلاف وتبقيهم في العراء من دون مأوى.
في عالمنا العربي مسلسل الذبح والحرق والموت متواصل بلا توقف، والمشاهد اليومية للقتل والذبح والخراب والدمار، تؤشر إلى أن أوطاننا ضاقت بأبنائها، حيث مخيمات اللاجئين السوريين والعراقيين والليبيين واليمنيين منتشرة في كل دول الجوار في ظروف تفتقر الى أبسط مقومات الحياة البشرية والإنسانية، وتمارس كل أشكال الاستغلال والتعذيب وامتهان الكرامة بحق هؤلاء اللاجئين، فلا عمل بكرامة ولا معاملة لائقة، ناهيك عن الاستغلال الجنسي للنساء والفتيات، حيث أصبحت تجارة الجنس والدعارة والقوادة لحساب الباحثين عن اللذة الجنسية من أغنياء وأثرياء الخليج رائجة، وينتشر أبناء المخيمات على الأرصفة والطرق والشوارع كباعة متجولين أو متسولين، بلدان كانت مزدهرة تنعم بالاستقرار والأمان، بل مزدهرة ومتقدمة اقتصادياً قياساً بالبلدان العربية الأخرى تحديداً العراق وسورية، تحولت الى دول فاشلة يعمها الخراب والدمار.
فقراء اليمن يذبحون لا ذنب لهم سوى أنهم يريدون نظاماً يعبر عن أمانيهم وتطلعاتهم، ويوفر لهم شيئاً من العدالة الاجتماعية، وينتشلهم من الجوع والفقر والتخلف، ويخلصهم من حكام فاسدين، هم وعائلاتهم ينهبون خيرات وثروات البلد، ويستولون على أموالها، ولكن هناك من لا يريد لهم ذلك، بل يريد أن يبقي وصايته وسيطرته عليهم بالقوة والنار. وطائرات وجيوش عربية تهاجمهم كل يوم وتعمل القتل والذبح فيهم، لم نسمع بها ولم نراها في معارك الدفاع عن فلسطين أو العزة والكرامة وحماية السيادة الوطنية العربية، لا أثناء الحرب العدوانية على لبنان والمقاومة في تموز 2006، ولا في الحروب الثلاث التي شنتها «إسرائي»ل على قطاع غزة وآخرها في العام الماضي.
أما سورية والعراق المستهدفتان بشكل أساسي في مشاريع حروب التدمير الذاتي والفوضى الخلاقة، حيث الجماعات التكفيرية والجماعات المتسترة بالدين من «القاعدة» ومتفرعاتها من «داعش» و«النصرة» و«جند الشام» و«أحرار الشام» و«السلفية الجهادية» وغيرها، فهي تمارس القتل بحق المواطنين ممن تعتبرهم معادين ورافضين لفكرها وعقيدتها سواء من أتباع النظام أو غيره، بأبشع الطرق وبوسائل قتل وحشية وبوهيمية مبتكرة لم يعرف لها التاريخ البشري مثيلاً حتى على يد التتار والمغول وغيرهم.
وتلك العصابات عملت على ترحيل وتهجير طوائف بكاملها، كما هي حال مسيحيي العراق وسورية واليزيدية العراقية.
وهرباً من جحيم الموت والدمار والذبح بطرق وحشية، خرج مئات الآلاف إن لم يكن الملايين في رحلة لجوء من بلدانهم الى البلدان الأوروبية، بعد أن ضاقت بهم بلدان أبناء جلدتهم، الذين كانوا يذرفون عليهم دموع التماسيح، ويريدون لهم «الحرية» و«الديمقراطية» من جحيم وظلم واستبداد أنظمتهم، في وقت كانت أموالهم وأسلحتهم من تسفك دماءهم وتدمر بلدانهم.
خرجوا في رحلات محفوفة المخاطر بطرق غير شرعية طلباً للنجاة وغريزة حب البقاء والحياة دفعتهم لذلك، لكي يقعوا ضحايا وفرائس في العديد من الرحلات لتجار وقوادين عديمي الضمير والقيم والأخلاق، لكي يغرقوهم في غياهب البحار، أو يتخلوا عنهم في منتصف الطريق أو الصحارى، لكي يموتوا جوعاً وعطشاً، أو التحلل في البرادات المثلجة على الحدود لتتحلل جثثهم، أو تتقاذف شواطئ البحار جثث الغارقين منهم، كما حصل مع اللاجئين السوريين أخيراً، أو التوسل لرجال الحدود الأوروبيين من أجل السماح لهم بالعبور والمرور.
معاناة ونكبات فلسطينية وعربية مستمرة ومتواصلة، قتل وذبح وحرق وموت مستمر، والمأساة والطامة الكبرى، ليست القتل بأيدي الأعداء، ولكن عندما يكون ذلك بأيدٍ وأدوات عربية وبمال عربي وسلاح مدفوع الثمن من قبل مشيخات النفط والغاز.
النفط والغاز العربي بدل أن يكونا نعمتين للعرب من أجل إحداث تنمية ونمو وتطور اقتصادي وتحقيق أوسع عدالة اجتماعية وتقدم علمي وتكنولوجي، كانا وبالاً على هذه الأمة أفسدا الثورات ودمرا بلداناً وشعوباً بكاملها، وكانت أولى ضحاياهما لبنان، ومن ثم الثورة الفلسطينية، والآن كل بلد حلت عليه لعنة «ثورات» الربيع العربي، ليبيا والعراق وسورية واليمن والقائمة تطول.
ولا نعتقد بأن مسلسل القتل والذبح والحرق والموت بحق أبناء الشعب الفلسطيني والعربي ستتوقف قريباً، من دون أن تكون هناك صحوة عربية تمكن من سحق حملة هذا المشروع المدمر، ليس فقط للأدوات المنفذة، بل لحواضن وممولي تلك الأدوات المجرمة والتكفيرية.
وعندما يستعيد المشروع القومي العربي عافيته، وتتحقق أوسع حالة وحدة عربية مقاومة، يمكن وقف مسلسل القتل والحرق والذبح والموت العربي، وبما يمكن من تحرير الأراضي العربية المحتلة وفي المقدمة منها فلسطين، وحينها سيتوقف القتل والحرق والذبح بحق الشعب الفلسطيني.
Quds.45 gmail.com