التفاهم النووي وعبث مواصلة الحرب

عدي رستم

تتسم استراتيجيات محور المقاومة على مدى سنوات ما سمُيّ بـ«الربيع العربي» والتي شكلت سورية ساحة الاشتباك المعقدة فيها بالتبدّل وفقاً لقراءة حسابات موازين القوى والقدرة على تحديد عناصر القوة ونقاط الضعف، سواء في المشروع أو في جسم حلف المقاومة، حيث كانت الحرب على الدولة السورية في شق منها تشتغل على استنزاف قوة الحلف وصولاً إلى النفاذ لتغدو مؤشرات الانكسار ترجح كفة الموازين للحلف الذي يقود الحرب على سورية.

الآن وبعد مضيّ خمس سنوات من الحرب على سورية اختلطت الأوراق الإقليمية بالمحلية بالدولية فمن جهة تقدر إيران على انتزاع التفاهم والتوقيع على البرنامج النووي، لكن قد يشتبه على الرأي العام أنّ الضعف في التفاوض الإيراني الأميركي يكرّس في أنّ إيران لم تطرح الملفات الإقليمية على طاولة التفاوض بالتزامن مع التفاوض على برنامجها النووي، في حين أنّ من يقارب بعقل بارد وهدوء يستنتج أنّ التفاهم النووي وُقّع، لكن الملفات العالقة هي بنود شكلية من تفتيش المنشآت إلى التحقيق مع العلماء لعودة إيران وانضمامها إلى الساحة الدولية، وأنّ الانتصار الإيراني المدوّي هو بانتزاع شرعية البرنامج النووي من دون التطرّق إلى غيره من الملفات، ومن جهة أخرى إنّ الحرب السورية هي المفصل المهم في كلّ مشاهد الحروب لأهميتها في تحديد مصير الجغرافيا الجديدة في الشرق الأوسط دوناً عن باقي فصول الحروب التي تشهدها المنطقة من حرب اليمن، والتي باتت تحدّد النفوذ السعودي، إلى حرب أوكرانيا والتي هي حرب مكانة ووزن روسيا على المستوى الدولي، وصولاً إلى حرب ليبيا والتي هي حرب تواصل امتداد «الإخوان المسلمين» بصيغ مختلفة، لذلك أوقفت مفاوضات بغداد عام 2012 بعد الرفض الإيراني في بحث الأزمة السورية على طاولة التفاهم النووي منعاً لتحقيق هدف الغرب بفصل إيران عن سورية، لتعود وتُستأنف المفاوضات وتنتهي بانتصار يضاف إلى رصيد حلف المقاومة.

لأنّ جرعة التصاعد في الوضع الدولي تتوقف على امتلاك معطيات في الميدان، لذلك نجد سخونة في المواقف الدولية لا تقلّ في حماوتها عن الاشتباكات التي تجرى في الداخل السوري لجهة المزيد من التقدّم والانتصار لثنائية الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية، والانتقال إلى إشعال جبهة الزبداني بعد الصراخ النصروي في القلمون لنجد أنّ الأميركي أوجد اللعبة الداخلية المسلحة لتعويض فشله الناجم عن عجزه عن اختيار القرار بالذهاب إلى حرب، فالآن بات لا يستطيع حماية هذه الحركة المسلحة إلا بالذهاب إلى حرب لكنها أيضاً محكومة بالفشل، الأمر الذي استدعى تدخلاً «إسرائيلياً» في الجنوب السوري عبر غارات استهدفت القنيطرة لكن «إسرائيل» تدرك جيداً أنّ مستقبلها سيلفه المجهول جراء العبث المفتوح بالتركيبة السورية وارتكاب حماقة الدخول في حرب ستمتدّ إلى نار شاملة.

على الجبهة الشمالية، نجد استعاراً تركياً من خلال كثرة الحديث عن المناطق العازلة في حين نجد لحظات في التاريخ تتكثف فيها كلّ عوامل القوة والجبروت والإرادة ليصير عندها التاريخ متوقفاً على قرار، لكن عندما تمرّ تلك اللحظات من دون أن يكون هناك إلا الطريق للصراخ عالياً ندرك جيداً أنه مهما تكاملت عناصر القوة بعدها لن تكون ثمة قدرة على مجرد التفكير في التغيير، وفي قراءة التاريخ التركي في الأزمة السورية سنجد أنه لم يمرّ لحظة أفضل من اللحظة التي أُسقِطت فيها الطائرة التركية بقدرة الدفاعات السورية للجرأة على اتخاذ قرار إنشاء المنطقة العازلة، لكنه مرّ بـ«التهديد بالقصف في الزمان والمكان المناسبين» لأنّ تركيا قرأت في دفتر حسابات موازين القوة أنّ القدرة الرادعة للدولة السورية أعظم من مخيّلة أردوغان الصغيرة.

زمن حلف الحرب على سورية ينفد… فالتفاهم النووي يشكل أرضية المعادلات المقبلة التي ستُقرّر في المنطقة والتي ستكون محكومة بتوازناته لكونه يحدّد سقف الانخراط في التسويات ليضيف إنجازاً آخر لرصيد الانتصارات المقرّرة، ما يجعل الاتجاه للتسويات الخيار الوحيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى