مخيّلة وصوَر
ما أبدعَ مخيّلة الإنسان! نرسم بالصوت شكلاً لأحدهم، ونرسم بالكلمة صورةً ما، وبالصورة نرسم صورةً أخرى، مشابِهةً أو مختلفة، لكنّها حتماً ليست كالأصل. إنّ تعاملنا مع الآخر أو مع الأشياء مُتَماهٍ مع ذاتنا إلى حدّ الانصهار. إنّنا نُلبِس مَنْ وما حولنا، ما تنسجه ذواتنا، حتّى إذا ما تبدّلت الأردية، تبعثرت الصوَر، واختلطت الألوان، وتداخلت الأشكال، فيتملكنا الشكّ والأوهام، وعلى رغم ذلك نُصدر الأحكام… وكم من بريء نُفِّذ به الإعدام، وما أكثر الجُناة الذين شملهم عفوٌ عام! لماذا يطلق الإنسان لنفسه العنان، لترمي إسقاطاتها جزافاً على الأنام؟ لا نتكلّم هنا عمّن سبقت أعمالُهم الكلام، فالفعل حجّة دامغة تمهر سجلّ الأيام، وإنْ كانت، حتّى الأفعال، لا يجرّدها المنطق من دوافع وأحوال. ولكنّنا نُمعن النظر في مَنْ نصّبوا أنفسهم قُضاةً، بعدما كسروا قوس الحقّ، وحطّموا الميزان. يذهب بنا القلم إلى حيث خبايا الألم، وحين يسيل الحبر، يتنحّى الصبر، فترتسم الحروف كلمات، وفي ظلال الكلمات صور… إنّما بديعة هنا الصوَر، إيحاءات ألوانها أطياف ناسٍ، حَبَتهم السماء محيّا قمر، ووسمت نفوسَهم باللطف والخفر، وأسبغت عليهم سحر البيان والفِكَر! تسمعهم تُسرّ، تراهم تفخر، تجالسهم فتخالجك الغبطة أكثر. ملكٌ أنتَ، تثرى بإنسانيتك والجوهر! يسود المرء، يستبدّ، يسخر، ويتجبّر… ولكنْ، مَنْ على شمس المحبّة أقدَر؟!
سحر عبد الخالق