الاستغلال الأميركي للنفط السعودي
ناديا شحادة
مع دخول القرن العشرين وبروز الولايات المتحدة كقوة دولية، توسع الأميركيون في سياسة بناء الأحلاف لإحكام السيطرة على بقاع العالم الاستراتيجية. وخلال هذه الحقبة ارتبطت دول الخليج عامة، وخصوصاً السعودية بأحلاف وثيقة مع الولايات المتحدة، فالشراكة الأميركية ـ السعودية بدأت في مطلع الخمسينات، في إطار اقتصادي ـ أمني، وأصبحت هذه الشراكة واحدة من الثوابت واستمرت هذه العلاقة، على رغم وجود بعض الخلافات مثل الحظر النفطي العربي عام 1973 حيث قام أعضاء منظمة الدول العربية المصدرة للبترول «أوبك» بفرض حظر على شحنات من النفط إلى أميركا التي رفضت بيع السلاح إلى السعودية في الثمانينات من القرن الماضي، إلا أنّ هذه الخلافات لم تعكر صفو العلاقة والشراكة الأميركية ـ السعودية إلى الدرجة التي وصلت إليها مؤخراً، حيث باتت تلوح في الأفق أمور واضحة تتعلق بأميركا والسعودية، فالأولى، على ما يبدو، بدأت في التخلي عن السعودية التي تعاني مشكلة مجابهة القوى الكبرى بمفردها بعد تورطها في أزمات المنطقة مثل الحرب على سورية والعراق واليمن حتى باتت المملكة تعاني من مشكلة حقيقية.
خطوات عدة صادرة عن الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة تدلّ على أنّ العلاقة الاستراتيجية بين البلدين في طريقها إلى التدهور وتخلي أميركا عن حليفها الخليجي الأكبر، ومن أهم تلك الخطوات التوصل إلى اتفاق على النووي الإيراني، متجاهلة الغضب الخليجي من حصول إيران على ما تريده لتصبح بذلك قوة إقليمية عظمى.
يؤكد المتابعون أنّ المملكة أصبحت تشعر بمخاطر كبرى تهدّدها بعد تضاؤل نفوذها على واشنطن، في وقت قللت الأخيرة من اعتمادها على النفط السعودي، خصوصاً بعد تصريحات أحد المرشحين للرئاسة الأميركية عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب الذي دعا إلى إرغام السعودية على دفع أموال لقاء حمايتها ودعمها سياسياً وأمنياً، مؤكداً «أنّ السبب الرئيسي لدعمنا السعودية هو حاجتنا إلى النفط ولكننا الآن لا نحتاج كثيراً إلى نفطهم، وفي حال تغير الحكم في أميركا، فإننا قد لا نحتاج نفطهم على الإطلاق ويمكننا ترك الآخرين يتصارعون حوله.
استمرت الحماية الأميركية للمملكة لسنوات، حتى أنّ السعودية كانت تُسمى محمية أميركية، وقد أكد ذلك وزير الإعلام السوري عمران الزعبي في 15 كانون الأول عام 2013 قائلاً: «إنّ السعودية هي إحدى المحميات الأميركية التي تحتضن قواعد عسكرية جوية وبرية وبحرية أميركية».
فالقواعد الأميركية المغروسة في أراضي المملكة يتواجد عليها عدد كاف من الطائرات والعتاد لردع أي عدوان محتمل على آبار النفط السعودية التي هي رأس المصالح الأميركية، مقابل المليارات من النفط السعودي، فاهتمام واشنطن ينصبّ على النفط السعودي والعمل على إلزام الأسرة السعودية بعدم فرض حظر نفطي عربي على العالم الغربي مقابل حمايتها من أي تطورات أو محاولات يمكن أن تُطيح بها عن سدة الحكم. وهذا ما أكده الكاتب الأميركي جون بيركنز، مشيراً إلى أنه بعد الحظر الذي تمّ عام 1973 الذي تحول إلى هاجس لواشنطن دفعها إلى إدراك الأهمية الاستراتيجية للمملكة على الاقتصاد الأميركي ودفع الإدارة الأميركية إلى استغلال واقع نقص الهياكل الإدارية والتأسيسية التي تمكن حكومة السعودية من إدارة ثروتها الكبيرة إدارة صحيحة.
فواشنطن أدركت أنّ السعودية هي الضمان المالي لها ولم تنتظر الإدارة الأميركية طويلاً لتنفيذ خططها فبدأت واشنطن بعد نهاية عملية الحظر مباشرة بالتفاوض مع السعوديين فعرضت عليهم مقايضة المساعدة التقنية والمعدات والتدريبات العسكرية وفرص للنهوض ببلدهم لتلحق بركب القرن العشرين مقابل دولارات النفط، فتمّ إنشاء وكالة التنمية الأكثر غرابة في التاريخ وهي اللجنة الأميركية ـ السعودية للتعاون الاقتصادي التي اشتهرت بجيكور التي تعتمد على الأموال السعودية لتمويل الشركات الأميركية. فسعت واشنطن إلى إيجاد مئات المشاريع التي تستنزف مليارات النفط السعودي لمصلحة الإمبراطورية الأميركية ولتجذير تبعية المملكة للولايات المتحدة لتصبح بذلك العلاقة بين السعودية والحماية الأميركية بين الابتزاز المستمر والتبعية الدائمة. هكذا اتبع الأميركيون هذا الأسلوب الذي ضيق الخناق على نظام آل سعود وجعل المملكة تابعة لواشنطن، خوفاً من المصير الذي سيلحق بالسعودية إن تخلت عنها واشنطن التي تعرف مكامن الضعف في النظام السعودي واستطاعت استغلاله مادياً طيلة السنوات الماضية مقابل حماية أمنه.