تقرير
كتب آلِكس فيشمان في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية:
في مدوّنة تديرها زوجات ضباط من الجيش الروسي، تظهر في الأيام الأخيرة شكاوى غير قليلة عن أن أزواجهن أرسلوا إلى سورية لفترة ثلاثة حتى ثمانية أشهر. ولكنهن لسن فقط منزعجات من تجنّد روسيا وإيران من أجل الرئيس الأسد.
لقد أثار كشف «يديعوت أحرونوت» النقاب عن التدخل العسكري الروسي في سورية أصداء في وسائل الإعلام العالمية وأحرج الادارة الأميركية. ومع أنهم في البيت الابيض كانوا يعرفون المؤامرة الروسية ـ الإيرانية لإنقاذ الأسد بخطوة عسكرية، إلا أنّهم فضّلوا أن يتجاهلوا طالما بقي هذا التحالف الجديد سرّياً. وكشف النشر عجز السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة وإلزام الادارة بالرد. وأعرب وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن احتجاج حادّ على مسمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ولكن الروس يتجاهلون باحتقار الاحتجاجات الأميركية.
حاولت وزارة الخارجية الأميركية الاختباء خلف العذر بأنّ التدخل الروسي ـ الإيراني يساهم في الحرب ضدّ «داعش»، وهذا كان مريحاً لها أن تتجاهل الآثار التي قد تكون لهذه الخطوة على المنطقة بأسرها. غير أن الانبطاح الأميركي سيسمح للإيرانيين، بمساعدة روسية، لأن يديروا شؤون سورية الداخلية، وهكذا ستجد «إسرائيل» نفسها على حدود مشتركة مع الجمهورية الإسلامية، سواء في الجبهة السورية أم في الجبهة اللبنانية.
وكشف مصدر أمنيّ رفيع المستوى النقاب أمس عن أنه، إضافة إلى قوات الجيش الروسي التي تأتي للقتال إلى جانب الأسد، بدأت إيران أيضاً تنفّذ نصيبها في الصفقة. في المرحلة الأولى وصل إلى سورية بضع مئات من المقاتلين النظاميين من الحرس الثوري للقتال إلى جانب حزب الله ضدّ «الثوّار» في منطقة الزبداني، قرب الحدود السورية ـ اللبنانية.
ويدّعي الروس والإيرانيون أنّ تدخلهم العسكري في سورية جزء من الجهود لصدّ «داعش». ولكن جهود الجيش الروسي، بتنسيق مع «فيلق القدس» الإيراني، تبعد أثراً أكثر بكثير، وموجّهة لأفقين اثنين.
الأفق الأول جمع الوحدات السورية المفكّكة، تسليحها وإدخالها في نظام تدريبي بمساعدة مستشارين عسكريين روس وإيرانيين للسماح لها بالعودة إلى القتال بشكل ناجع. لهذا الغرض نقل الروس في الشهرين الأخيرين إلى ميناء طرطوس ما لا يقل عن عشر إنزالات ثقيلة محمّلة بوسائل قتالية للجيش السوري. مجنزرات، مدافع، صواريخ، مقذوفات صاروخية وغيرها. وتسمّى البارجة الأخيرة التي اجتازت مضيق البوسفور باتجاه طرطوس قبل بضعة أيام «نيكولاي بلشنكوف»، وهي تحمل مجنزرات وذخيرة. وبحسب التقارير في روسيا، بدأ يصل إلى سورية مقاتلون من لواء «البحارة 810»، الذين كانوا يرابطون في الشرق الأقصى، وكذا بحارين من اللواء المرابط في منطقة شبه جزيرة القرم.
الأفق الثاني يتمثل بقوّات جوّية روسية ستحلّ مكان سلاح الجوّ السوري. وتساعد القوات الأسد البرّية. ويستعد الروس في المطار السوري «حميميم»، بين اللاذقية وطرطوس. وبحسب تقارير وكالات الأنباء الأجنبية، ففي المطار نُصِب منذ الآن رادار للتحكم الجوّي، ويتوقعون هناك وصول مروحيات هجومية، طائرات قتالية ووحدات الدفاع الجوّي للجيش الروسي.
حاول الأميركيون منع عبور القطار الجوّي الروسي إلى سورية عبر سماء اليونان وبلغاريا، ولكن أمس، في مؤتمر صحافي، أوضح لافروف أنّ العتاد العسكري يصل في إطار رحلات جوّية إنسانية يتبيّن أن الروس ساخرون بما يكفي كي يعترفوا أنه إلى جانب الحفّاضات للاجئين السوريين، فإنهم يرسلون أيضاً الصواريخ.
مئات المقاتلين من الحرس الثوري الإيراني ممّن وصلوا إلى سورية هم فقط سلاح الطليعة لـ«فيلق القدس» بقيادة الجنرال قاسم سليماني. كما يستخدم الإيرانيون في سورية آلاف رجال الميليشيات الشيعية ممّن جيء بهم من العراق وأفغانستان. وجلب رجال الميليشيا هؤلاء معهم عائلاتهم وسيطروا على مبانٍ في منطقة إدلب واللاذقية حيث سكنوا حتى وقت غير بعيد مضى.
بينما يكتفي الأميركيون بالأقوال والأعمال الجوّية الرمزية، قرّر الروس والإيرانيون القيام بعمل ما ليحفظوا بالقوّة مصالحهم في الشرق الأوسط. ونسّق الروس هذه الخطوة مع السعوديين، ومعقول جدّاً الافتراض أنّ اتصالات أيضاً أجريت بين روسيا و«إسرائيل». الوحيدون الذين لم يسأل أحد رأيهم هم الأميركيون.