موسم «الحجّ الأوروبي» إلى لبنان
يوسف المصري
يقول تقرير أوروبي تداولته أوساط سياسية في بيروت، إن زيارات كبار المسؤولين الأوروبيين إلى لبنان ستتكثف خلال هذه الفترة. ولقد كان متوقعاً أن يفتتح موسم «الحجّ» الأوروبي إلى بيروت الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند غير أن لندن قرّرت استباقه بزيارة عاجلة قام بها رئيس حكومتها.
يؤكد التقرير أنه كان يمكن للاتحاد الأوروبي أن يوفد إلى لبنان وفداً موحداً يضمّ كلّ الدول الأوروبية، لو أن وجهات نظر عواصم أوروبا متفقة على نظرية واحدة لكيفية إسهامها في تخفيف وطأة قضية النازحين السوريين على دول المنطقة والعالم. وحقيقة أن الخلافات في وجهات نظر الأوروبيين عميقة، قاد إلى جعل زعماء هذه الدول يأتون إلى لبنان فرادى لتسجيل مواقف تبرّئهم من التقصير في هذا الملف الذي بدأت وسائل الإعلام العالمية تطرحه بوصفه قضية أخلاقية كبرى ومصدر تحدّ ديموغرافي واقتصادي لأوروبا.
يؤكد التقرير أن الأوروبيين يتحمّلون مسؤولية كبرى حيال ملف النازحين السوريين الذين باتوا يهدّدون أوروبا بموجات ديموغرافية مغايرة – بحسب وصفه – على المدى البعيد وبتكاليف اقتصادية باهظة على المدى المتوسط، وذلك في وقت تعيش دول القارة البيضاء أزمات اقتصادية عميقة.
وتقع المسؤولية من وجهة نظر التقرير على الأوروبيين في الأساس. والسبب أنهم تَرَكُوا الأزمة السورية تدخل متاهات أمنية وعسكرية وسياسية، حتى وصلت الحال إلى ما هي عليه اليوم. علماً أنه كان عليهم بحسب القناعات الأوروبية الجديدة التعامل مع الحكومة السورية منذ وقت مبكر من أجل رسم حدود للفوضى وجعلها ضمن نطاق سيطرة منطق الدول عليها، بدلاً من تركها تتفاعل وفق منطق الجماعات الإرهابية التي يتعاظم دورها بفعل وجود رهان دولي وإقليمي عليها يعتبر أنه «يمكن إبقاءها تحت السيطرة، واستخدامها في إسقاط الدولة السورية في آن».
البريطانيون يعترفون الآن بأنّ التعامل مع الدولة السورية وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد هو الحلّ الإنقاذي المتبقي. إيطاليا لديها الرأي نفسه. حتى باريس تقول ذلك همساً، ولكنها تحاذر إغضاب الرياض التي ترتبط معها باتفاقات اقتصادية وصفقات بيع وشراء كبيرة. ألمانيا من جهتها تتحرك منذ فترة لتشجيع حوار بين الحكومة السورية بقيادة الأسد والمعارضات المعتدلة. أكثر من ذلك قامت مؤخراً بمحاولة لتعريب وجهة نظر للحلّ في سورية، تقول: الحلّ تنتجه مفاوضات بين الخمسة زائداً واحداً وبين الدولة السورية، وذلك على غرار ما حدث بين الغرب والعالم وإيران. تقول النظرية الألمانية – ودائماً بحسب التقرير – لا أحد في الغرب يثق بأنّ هناك معارضة خارجية مستقلة في سورية، أو أن هناك معارضة فعّالة ومعتدلة داخل سورية. وعليه يكون الحلّ بحوار بين دول وازنة في الأزمة السورية مع الدولة السورية، ومن ثم يُصار إلى إسقاط الحلّ بالمظلة على الواقع السوري.
والواقع أن الفكرة الأساس في التقرير الأوروبي تركز على أن الأوروبيين يدفعون ثمن تأخرهم عن التعامل بمسؤولية مع الأزمة السورية، وأنّ الوقت الآن قد أزفّ لوقف الأضرار التي تصيبهم نتيجة تشظيات هذه الأزمة عليهم المتفاعلة من خلال عاملين اثنين: وصول تسونامي النزوح السوري إلى أوروبا، وتوقع أن يعود الإرهابيون الذين ذهبوا من أوروبا للمشاركة في الحرب على سورية إلى البلدان التي وفدوا منها.
ويراهن في هذه اللحظة زعماء أوروبا على القيام بزيارات إعلامية إلى مخيمات النازحين السوريين في لبنان، وذلك لتحقيق أهداف عدة: أولها الظهور بأنهم أخلاقيون وأنهم فهموا رسالة المعاناة السورية. الثاني محاولة إقناع دول المنطقة باستيعاب النازحين حتى لا يذهب هؤلاء إلى أوروبا. الثالث استطلاع الكلفة المالية لإبقاء النازحين في المنطقة وفي المقابل الكلفة السياسية للتعاون مع الحكومة السورية لإعادتهم إلى سورية، والحلّ الأخير هو الأمثل في نظر أوروبا، لا سيما أن الاتحاد الأوروبي يعرف أن النسبة الأكبر من سكان سورية تستقر الآن في المناطق التي تسيطر عليها الدولة، فيما النسبة الأكبر من النازحين هم هاربون من المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية.
يكشف التقرير أن لندن حاولت جسّ نبض الكلفة السياسية لإيجاد حلّ لأزمة النازحين السوريين لا يكون على حسابها، فصرّحت عبر أعلى موقع رسمي فيها، بأنه لا بدّ من حلّ مع الرئيس الأسد. فرنسا تنتظر كيف ستتفاعل عملية جسّ النبض البريطانية هذه. ولكن بانتظار المزيد من مناورات الأوروبيين الإعلامية الأخلاقية ! ، والسياسية الخاصة بمعرفة الكلفة السياسية والمالية لتفادي وصول تسونامي النازحين السوريين إليهم، يبقى من المهمّ القول إنه يجب الحذر من موسم «حجّ المسؤولين الأوروبيين إلى لبنان» ، فهؤلاء يريدون إقامة سدّ سياسي يؤدّي إلى إبقاء الأزمة السورية من دون حلّ كي يتجنّبوا دفع كلفة خطأهم السياسي بتشجيع الإرهاب في سورية على حساب الدولة السورية، ويريدون أيضاً إيصال قناعة للبنان والأردن بأنه من الأفضل لهم التعايش مع كلفة النزوح السوري عندهما، على التعاون مع الدولة السورية لإنهاء هذه الأزمة على النحو الأمثل.