الدور الروسي: كي لا تتحوّل الأمنيات إلى خيبات
عامر نعيم الياس
منذ عدة أشهر، سرّبت صحيفتان لبنانيتان تقارير عن وجود عسكري إيراني في سورية وبآلاف الجنود إن لم نقل بعشرات الآلاف، كون العدد الذي تمّ الحديث عنه يتجاوز عشرة آلاف مقاتل ومن الحرس الثوري الإيراني تحديداً، الذي يمثّل نخبة القوات المسلّحة الإيرانية. وترافقت التسريبات الصحافية مع حملةٍ رعاها الغرب حول دور الجنرال الإيراني قاسم سليماني المحوري في الحربين السورية والعراقية، وهو ما دفع وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية إلى ركوب موجة رفع المعنويات غير المسبوقة عبر الترويج لسيناريوات وخطط والحديث عن توقعات وانتصارات تشابه إلى حدٍّ كبير ما يجري على شاشات التلفزة من تنافس بين منجّمين مرتبطين برجل أعمال أو سياسي ما.
الشارع بدوره وهو المستهدف الأول من هذ الحملة الإعلامية ومن التسريبات الصحافية غير الموفقة البتّة، اندفع في تفاؤله راسماً سيناريوات المرحلة المقبلة، خصوصاً في مناطق شمال غرب البلاد والتي بات استرجاعها في حكم البديهي في رأي الشارع السوري. لكن الرياح جرت عكس ما تخيّل الشارع، وأراد الإعلام والمسرّبون، وبات من الصعب معالجة حال الاحباط في الشارع التي ترافقت مع تراجع حاد في الجانبين الخدمي والاجتماعي، وتراجعات طفيفة على صعيد الميدان، أدّت في مجملها إلى ارتفاع منسوب الهجرة من البلاد إلى مستويات غير مسبوقة منذ عام 2012.
اليوم، نعود إلى ما كنا عليه قبل أشهر. فمع انتهاء مفعول التعزيزات العسكرية الإيرانية الإعلامية والتغيير المرجو في موازين القوى على الأرض، بدأ الحديث بشكلٍ مكثّف عن الدور الروسي في سورية، والتواجد العسكري المباشر إلى جانب الجيش السوري. وانبرت الأقلام التي تهوى الحديث عن الخطط لتكتب عنها وترسم ملامح انتصارات، لرفع معنويات الشارع السوري. في ما يبدو على أنه إصرار على ممارسة النهج الخاطئ ذاته في كل مرة وعلى امتداد أشهرٍ خلت. إذ برع كل من هو موصّف على أنه محلل سياسي أو استراتيجي أو غيره في «نفخ» المعنويات للشارع السوري إلى حدّ مؤذٍ جعل من أي إنجاز أو صمود عمِّد بدماء الشهداء، لا جدوى له إذا ما قورن بهذا النفخ غير المبرّر والمفهوم.
إن الوجود العسكري الروسي في سورية وفي هذا التوقيت بالذات يعبّر عن الالتزام الروسي المطلق في سورية وأمنها كدولة وكنظام قائم ومؤسسة عسكرية. فالحديث عن الدولة السورية يشمل كل ما سبق، لا كما يحاول الغرب تجزئة ما سبق وفقاً لما فعل في العراق وليبيا، وأدّى إلى انهيار الدولة كاملةً. وحتى الدعاية الأميركية والحملة على موسكو لها أهدافها التي تتعلق بالصراع الداخلي الأميركي حول الخيارات الواجب اتّباعها في سورية, ولها أيضاً بعد يتعلق بالسياسة الأميركية الحالية ومؤيديها. فالخطوة الروسية تفرّغ أيّ تحرّك أميركي قادم من مضمونه سواء لجهة الابقاء على مستوى الاستنزاف الحالي أو لجهة استمرار الرهان على العامل الميداني من أجل دفع الدولة السورية إلى التفاوض تحت ضغط التراجع الميداني في بعض مناطق البلاد. وبهذا المعنى يجب مراعاة الموضوعية في الحديث عن الوجود العسكري الروسي في سورية. فلا التقليل من أهمية التوقيت والخطوة ينفع، ولا رسم الخطط والحديث عن انقلاب في الموازين والطاولات وما إلى ذلك من تعابير رنانة يساهم في خدمة المعركة التي يخوضها الجيش والشعب في سورية.
كاتب ومترجم سوري