تقرير

نشرت صحيفة «إيكونوميست» مؤخراً تقريراً جاء فيه: لفترة طويلة جداً، لم تكن الأنباء الواردة من منطقة الشرق الأوسط سوى عن الحرب والإرهاب و«الثورة». ومع ذلك فإن بعض البلدان في المنطقة وحتى الآونة الأخيرة، كانت تشعر بارتياح.

عقد من ارتفاع أسعار النفط خلف 2.5 تريليون دولار من الأصول السيادية لدى الدول المصدّرة في المنطقة، جنباً إلى جنب مع رفاهية بدت ملامحها في المدن الجديدة، والطرق السريعة الجديدة، والسكك الحديدية، والمصانع، والموانئ والمطارات، ناهيك عن ترسانات من الأسلحة الحديثة.

ساعدتها تلك الأصول والثروات النفطية على مواجهة التداعيات الخطيرة لانهيار أسعار النفط العالمية السنة الماضية. وعموماً، فإن أموال المنتجين للنفط في الشرق الأوسط في وضع أفضل بكثير من منافسيهم النفطيين مثل فنزويلا ونيجيريا.

ولكن مع عدم وجود علامات على قرب انتهاء تخمة النفط الحالية في العالم، تتصاعد المخاوف من حوض مستدام. وراء الأبواب المغلقة وفي مواقع التواصل الاجتماعي، يجري الحديث في المنطقة عن تكرار حقبة الثمانينات، حقبة قاتمة لمنتجي النفط لم تفضِ فقط إلى تحطم الإيرادات فحسب، إنما بقيت مخيبة للآمال لنحو 20 سنة.

من المستحيل التنبؤ بما سيحدث في المستقبل القريب، حتى أنه من المرجح أن تختلف التداعيات التي قد يخلفها أثار الركود على المدى القريب من بلد إلى أخر.

قطر، على سبيل المثال، لديها عدد قليل جداً من المواطنين والكثير من الأموال التي يمكن، عند الحاجة، أن تبقيها على قيد الحياة لسنوات اعتماداً على الدخل من الاستثمارات في الخارج، كما الحال مع الاستثمارات العقارية القطرية في لندن، والتي تبلغ قيمتها 10 مليار دولار.

وعلى النقيض تأتي الجزائر. مع تعداد سكاني يبلغ 40 مليون نسمة، تواجه أزمة أكثر إلحاحاً بكثير. تجلى ذلك في عجز تجاري بلغ 8 مليار دولار في الفترة التي امتدت حتى أغسطس الماضي ما يقارب من 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي مقارنة بفائض بلغ 4 مليار دولار في الفترة نفسها من السنة الماضية. علاوة على ذلك، انخفضت قيمة العملة الجزائرية بما يوازي 25 في المئة أمام الدولار.

لدى الجزائر ذكريات مظلمة من تراجع الأسعار الذي شهدته حقبة الثمانينات. انهيار أسعار النفط آنذاك وضع حد لعقد اجتماعي وفرت الحكومة من خلاله فرص العمل والرعاية الاجتماعية السخية في مقابل السياسة الخارقة. بينما انخفضت الأجور وارتفعت معدّلات التضخم والبطالة، اندلعت أعمال شغب، تلتها الاضطرابات السياسية ثم، خلال التسعينات، كانت الحرب الأهلية.

جنرالات الجزائر الذين كانت لهم اليد العليا في نهاية المطاف، قضوا على خصومهم الإسلاميين. ولكن ما أنهى السلام الهش كان عودة العقد الاجتماعي ذاته، الذي أصبح ممكناً بفضل حدوث انتعاش في أسعار النفط. عندما اندلع «الربيع العربي» عام 2011، بقيت الجزائر هادئة. ولم يكن هذا فقط لأن شعبها يعرف جيداً خطورة الثورة، ولكن لأن عصابة الجنرالات والموالين، كما يطلق عليهم الجزائريون، الذين يديرون البلد يمكن أن يوفروا دفعة كبيرة في الأجور والإنفاق العام على البنية التحتية. على رغم الاضطرابات المزمنة والقيادة العجوز، إذ يبلغ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من العمر 78 سنة، ليست الجزائر في خطر فوري من الانتكاس. فالطفرة النفطية تركتها مع قليل من الدين والاحتياطيات الضخمة. ومع ذلك، فقد انخفضت هذه الاحتياطيات التي تبلغ 194 مليار دولار بالفعل ما يقارب من 20 مليار دولار السنة الماضية. لا تزال الجزائر تعتمد على النفط والغاز في 95 في المئة من صادراتها والجزء الأكبر من إيرادات الدولة.

في السنة الماضية، عندما انهارت أسعار النفط من خانة المئات إلى أقل من 50 دولار للبرميل الواحد، واجهت الحكومة عجزاً قدره 6.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وبينما يرجح أن ينخفض الدخل إلى النصف هذه السنة، جنباً إلى جنب مع عبء الدعم الحكومي الذي يستهلك 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، والبطالة بين الشباب التي بلغت بالفعل 25 في المئة، فليس من المستغرب أن تدعو الحكومة الجزائرية مؤخراً إلى عقد اجتماع طارئ لمنظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك»، لإيجاد وسيلة لتعزيز الأسعار.

منتجو النفط الكبار في الخليج العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، تجاهلوا الدعوة التي وجهتها الجزائر لعقد اجتماع طارئ لـ«أوبك». ليس لديهم فقط عازلة أكبر بكثير من المدخرات، بل إنهم، في الواقع، يقودون انخفاض أسعار النفط في السعي إلى تحقيق استراتيجية طويلة الأجل.

بالفعل، قلص انهيار الأسعار الأخير بحدة خططاً لتوسيع التنقيب عن النفط والتنمية في مكان آخر، ولكن هذا لم يؤثر بعد على الإنتاج.

والسؤال هو: إلى متى يمكن للمملكة العربية السعودية وحلفاء نفطها تحمل الانتظار، وبأي تكلفة؟ مثل الجزائر، اعتمدت المملكة بشدة على احتياطياتها التي توازي 740 مليار دولار، والتي تقلصت بنسبة 11 في المئة قبل سنة.

بدأت المملكة في إصدار سندات دين للمرة الأولى منذ سنوات. صندوق النقد الدولي، في تقرير صدر مؤخراً، توقع عجزاً في الميزانية السعودية هذا العام بنسبة 20 في المئة، في الوقت الذي كانت فيه المملكة تحافظ على نفقات الدفاع بدرجة أكبر من روسيا وتتابع في الوقت نفسه حرباً في اليمن، وتعكف على إنجاز مشاريع البنية التحتية العملاقة مثل خط المترو في العاصمة الرياض وتوفر مليارات من الدولارات لدعم حكومة عبد الفتاح السيسي في مصر.

ومع ذلك، يمكن للمملكة العربية السعودية، جنباً إلى جنب مع الكويت والإمارات وقطر، الإبقاء على هذا الأمر لبعض الوقت. يمكن للملكة اتخاذ تدابير بسيطة مثل فرض المبيعات والضرائب العقارية، أو رفع أسعار الطاقة المحلية المنخفضة، وهو ما يمكن أن يساعد بسرعة في تمويل العجز في الموازنة.

وحتى مع ذلك، يجب أن تكون أغنى الدول المصدرة للنفط قلقة.

على رغم تحذيرات لا حصر لها ومحاولات لا حصر لها، فشلت تلك الدول في تنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط، وكلها تقريباً لا تزال تعتمد على النفط بشكل كبير. لم يعد الأمر سوى مسألة وقت لتصاعد الأزمة، خصوصاً مع تزايد السكان المضطرد واحتياجات الشعوب المتنامية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى