رقعة الشطرنج
شهناز صبحي فاكوش
هل يمكن أن تكون سورية رقعة الشطرنج للاعبين الكبار، تتحرّك فوقها البيادق والقلاع والفيلة والخيول، حسب أوامر اللاعبين؟ فيما هي اللاعب الأكثر حذاقة بين الجميع. هل تنتهي بـ «كش ملك» أميركا أو أحد وكلائه من أصحاب عروش المنطقة؟
مهما طال أمد اللعبة، فلن تنتهي إلا بسيادة الدولة السورية، وقرارها الشعبي المبرم مع قائدها. لكن قطعاً لن يُقال لصديقها وحليفها القيصر «كش ملك»، إذا أردنا توصيف الفريقين المتقابلين، نجد أنّ الفريق المتحالف مع أميركا، هو ذاته الذي يموّل الإرهاب المتحرك على الساحة السورية، وكثير منهم مع الأسف ممّن يدّعون أنهم عرب، رغم تصنيفهم أممياً جماعات إرهابية، ما زالوا يدعمونها.
لأجل محاربة الإرهاب خاصة الذي نجده يتجمّع في سورية، يدعو القيصر بوتين الجميع إلى تشكيل حلف يواجهه معها. لأنها اليوم الدولة الأكثر فاعلية في محاربته، نيابة عن العالم فمعظم تعداده أصبح يتجمّع على أرضها.
يرغب القيصر في أن يكون هناك تحالف كبير يضمّ الجميع ضدّ الإرهاب على أن يكون ذلك بالتنسيق مع الدولة السورية، الأمر الذي استفز العدو الصهيوني وخاصة وزير الحرب الصهيوني موشيه يعالون، فهو مسكون بالورقة السورية، ولا يهتمّ بغيرها.
التخوّف الصهيوني يزداد خشية فتح الجبهة الثالثة معها. لذلك هي تريد أن تطول الأزمة لإنهاك الجيش العربي السوري. وتخاف اللاعب الروسي، لأنه يوماً ما طلب أن تكون قواته هي البديلة على حدود الجولان بعد اختطاف العناصر الدولية عام 2003.
التخوّف الثاني هو في تنفيذ روسية للعقود المبرمة مع سورية، في تأمين بعض العتاد العسكري، ومساعدة خبرائها. وهذا أمر مستمرّ منذ أيام الاتحاد السوفياتي.
المقلق بالنسبة للكيان الصهيوني، هو تنامي القوة العسكرية السورية ما يخلّ بميزان القوى الذي تعتقد أنه لا يمكن أن يكون إلا لصالحها، التفوّق الجوي السوري يزعج أميركا أيضاً كما «إسرائيل»، ما يدعو إلى الضغط على روسيا اقتصادياً.
روسيا تمتلك تكتيك اللعبة، وترفض الشروط التعجيزية التي تطلبها أميركا وحلفاؤها من سورية. فلا مساس بقيادة الأسد، ولا انتخابات مبكرة تفرض عليها.
اللاعب الأميركي يحاول الضغط بملف المهجرين، معتمداً على ترويج الميديا، وكأنه سيحقق المعجزة لينال بعضاً من الشروط التي يحاول تمريرها، فيدور في دوامة باقي الفريق اللاعب وينجرّ خلفهم، فالحركة الخطأ تفيد الخصم الروسي.
روسيا اللاعب الذكي تعرف ماذا تريد، وماذا تفعل، وتتصرف بحزم عند الحاجة. وقد فجر القيصر القنبلة الكلامية، حين أعلن أنه إنْ وجد من ضرورة فسيتحرك لصالح الموقف السوري، وعلى الجميع أن يرتب أحجاره باتجاه محاربة الإرهاب.
روسيا الحليف التاريخي لسورية، خبراؤها متواجدون فيها قبلاً ولم يتخلوا عنها، وهم يعربون عن امتعاضهم من الموقف «الإسرائيلي» تجاهها ما يزعج بوتين ايضاً، فذلك يعرقل المصالح الروسية في المتوسط. وسورية هي المدخل.
أما الأمر الذي يجعل بوتين أكثر امتعاضاً فهو الموقف السعودي المتشدّد تجاه سورية رغم المحاولة الروسية والمصرية، ما يعرقل الحلّ السياسي، الذي قطعت فيه شوطاً لا بأس به، فهي تؤكد مع إيران على سلامة الدولة السورية.
اللاعب الروسي يحدّد اليوم موقفه من الأزمة السورية وانّ الأولوية فيها لمكافحة الإرهاب، وقد أحدث ذلك تطوراً جوهرياً في الموقف الأميركي، بفرضها واقع التنسيق عبر غرف عمليات مشتركة تُستحدث لمكافحة الإرهاب.
هل يمكن أن تكون السعودية التابعة تاريخياً لولي نعمتها الناتو الغربي والعراب الأميركي، متمردة عليهما اليوم، لتجعل لذاتها ثقلاً من عدائيتها السافرة لسورية، وصداقتها الحميمة المستترة لـ«إسرائيل» كما أعلن نتنياهو قبل أيام.
هل تنتظر أن تنال منه شهادة حسن سلوك قبل الكشف عنها، والثمن التعنت تجاه الأزمة السورية. وقد حشي في دماغها أنها الدولة الأكثر فاعلية في المنطقة، فصدقت، بوتين إلى أوباما خلال أيام، على الجميع كل أن يعرف حجمه الطبيعي.
الفريق الذي يساند سورية يشكل محور الاستقرار في المنطقة، بإرساء ركائز الدولة السورية، ومنع انهيارها بعد كل الصمود الأسطوري الذي أثبته الجيش العربي السوري والشعب العظيم، ها هي إيران تثبت مجدداً عدم تخليها الحميم عن سورية.
القلق الذي يضيّق الخناق على نتنياهو هو إعلان خسارته مع الكونغرس الأميركي في الملف النووي الإيراني، رغم التطمينات الأميركية والدعم الصاروخي المتطور واستراتيجية ما يدعى اغتيال بعضاً من قادة من المقاومة.
«إسرائيل» تحلم بتنسيق استخباري مع أميركا لمواجهة إيران، رغم فقدان الاحترام بين نتنياهو المهزوم تجاه الملف الإيراني، وأوباما المنتصر، بتصويب ما هو متعارف عليه أنّ الصهيونية و«إسرائيل» هما المتحكمان بالقرار الأميركي.
أسقط أوباما هذا الترويج وأعاد إلى الأذهان أنّ «إسرائيل» تعيش على المساعدات الأميركية. وأنّ اللوبي الصهيوني في أميركا لا يؤثر في القرار الأميركي وعليه فإنّ أوباما، سيلتقي نتنياهو في العاشر من تشرين الثاني مظهراً انتصاره عليه.
الملف النووي قسّم اللوبي الصهيوني الأميركي لأول مرة في الموقف وتباين وجهات النظر. وقسّم الجمهوريين لصالح قرار أوباما. مع الإجماع على الحفاظ على أمن «إسرائيل»، والتأكيد على أن لا حليف ولا صديق لـ«إسرائيل» أفضل من أميركا.
ما فعله أوباما في الشرق الأوسط لم يفعله حتى بوش الابن، فذاك حطم العراق وحدها. بينما أوباما خرّب الوطن العربي كله عبر الربيع العربي. والإرهاب العابث بسورية. التي بقيت دائماً الفأس الذي تخشى «إسرائيل» أن تشجّ رأسها.
مع كل ما قدّمه أوباما لـ«إسرائيل»، بما فيه الاضطراب والتفكك في الداخل التركي، الذي قد يخدمها في المنطقة لتقوى شوكتها، إلا أنّ الملف الإيراني قضّ مضجع نتنياهو، فهو مسكون فيه كما الورقة السورية مسكونة في موشيه يعالون وزير حربه.
الروس، الإيرانيون، المقاومة، سورية، فريق واحد، سيهزم الجميع. وإنْ كانت سورية هي رقعة الشطرنج. فستظلّ اللاعب الأعظم، والحامل الأكبر للكرامة العربية. وسيظلّ حلفاؤها مخلصون لها لأنها الجامعة الوفية دائماً.
لا بدّ أن تنتهي اللعبة لتقول سورية كلمتها الفصل. كش إرهاب، وسيجرّ في ذيوله كلّ مصنّعيه وداعميه، والمعتمدين عليه للإجهاز على سورية الوطن. الذين جعلوه أداة لهم، فتمرد عليهم وسيصبحون بعد القضاء عليه الرماد الذي تذروه الرياح.
إنها سورية الوطن…