عندما يسقط أول شهيد في بيروت!
روزانا رمّال
يتحرّك شباب لبنان يوماً بعد يوم تقريباً نحو وزارات ومؤسسات عامة احتجاجاً على فساد السلطة التي عاثت خراباً في البلاد لحكومات تعاقبت طويلاً دون إيجاد حلول لأهمّ مشاكله المعيشية، لكن لبنان يدخل اليوم مرحلة الخط الأحمر التي تؤشر الى مخاطر مقبلة ستستغلّ كما استغلت إعلامياً من جهات واضحة الأهداف والتوجهات والعلاقات العربية.
لم يترك الشبان الساحات ليوم واحد لكن المتغيّر الأساسي هو انّ عدد المتظاهرين قد بات أقلّ مما كان عليه أول أيام الحراك، حيث حصدت الساحة قبل ان تتضح الأمور اعداداً مهمة لشريحة من الشبان أرادوا التغيير، وبالواقع عزف الكثيرون من المشاركين في الحراك عن النزول الى الشارع وتراجع بعض المؤيدين من مثقفين وفنانين أعلنوا عن ذلك ايضاً بعدما توجّسوا شراً من بعض المشاركين والمنظمين، وبلا شك أصيب الحراك بضربة قاسية؟
تحاول الشاشات المشاركة بنقل الحدث «حصراً» الإيحاء بأنّ الحراك لا يزال في عز معنوياته وأوجه، وتعتمد على أساليب تشجيعية تعتبر تحريضية بتعبير أدق على جذب الناس للنزول بعدما باتت في مأزق يقترب من الفشل في المهمة.
الشباب اللبناني لم يترك الساحة لكنه انقسم بين يسار ويمين، وبين مخاطر فشل الحراك وانكفاء الشبان تحت وقع الشكوك بمشاركات ومنظمين يعملون طويلاً مع فريق سفارات، أخذ الحراك يعتمد على أساليب قادرة على إبقاء الحدث حياً ولافتاً وإنسانياً يحاكي مطالب محقة وشبان صادقين، لكن اللجوء الى تلك الوسائل أخطر من خطوة وأبعد من رسالة وبينها «الإضراب عن الطعام» الذي على ما يبدو بدأ وأصبح طريقاً ينضم اليه من يودّ.
اللجوء الى الإضراب عن الطعام ليس سوى وسيلة تأكيد على انّ الحشود باتت أقلّ، وانّ هناك ضرورة لاستنهاض اللبنانيين مجدداً، وما يجب ان يكون حاضراً على وسائل الإعلام بين قضايا إنسانية ونشاطات مؤثرة وكلمات ومواقف تملأ فراغ شبان لم يحضروا بزخم كان متوقعاً. ومن بين الوسائل ايضاً الهجوم على ابنية عامة ووزارات لإحداث أعمال شغب يختلف اللبنانيون في ما بينهم على أحقيتها في التعبير وعدم قانونيتها إذا ما أراد هؤلاء رسم صورة إيجابية عن الحراك.
يتضح اذاً انّ هناك إدارة حقيقية للحراك توجهه بيومياته، وهذه الإدارة نجحت في جعله حدثاً يستفيد منه متسلقون موجودون دائماً بانتظار فرصة التلقف، دون قراءة أبعد مما يشاهدون من جهة، وحدثاً يؤكد انّ تغييراً ما وإحساساً برغبة بالتغيير في لبنان.
النزول الى الشارع بالأمس كان الأخطر على الإطلاق، فبين الحوار والحراك شهدت شوارع بيروت اشتباكات بين المتظاهرين وقوى الأمن بعدما كان تحرّكهم تحت عنوان منع المتحاورين من الوصول الى مجلس النواب، وتخللتها مواجهات أبرزها أمام وزارة البيئة، وقيل إنّ «المعتدين» هم من مناصري الرئيس نبيه بري الذين استفزتهم بعض الشتائم التي نقلت مباشرة على الهواء.
إحدى القنوات اللبنانية، وضمن حملتها على بري استغلت ما جرى للتحريض ضدّه، وهي التي فتحت عليه حرباً قبل الحراك واستثمرت فيه ووجدت الفرصة هامة لاقتناصها فاستمرت.
في لبنان كلّ يغني على ليلاه، والشبان في الشارع دون مخطط واضح ولا قائد ولا زعيم ولا ايّ وجهة منطقية تأخذ مطالبهم الى برّ الأمان وتبدّد شكوك الذين امتنعوا عن المشاركة.
فشل الحراك في لبنان أخطر من نجاحه بكثير لأنّ نجاحه يعني خيراً وإصلاحاً بكلّ تأكيد من دون أثمان ولا خفايا، أما فشله فهو يعني الرهان على ما هو أخطر من أجل إطالة عمره ليتماشى مع ما يجب ان يكون «هكذا أراد المخطط».
يفيد التذكير دائماً بأنّ هناك من خطط لما يجري وأعلن نيته استغلاله لاستحالة جاهزية وسائل إعلام قادرة على تبني الحدث 24 على 24 ساعة واعتبارها قضية القضايا من دون تمثيل جهات مستفيدة.
بيروت على موعد مع مزيد من التوتر، هكذا قال مشهد الأمس، فقد بات أكيداً انّ الاحتقان يتفاعل بين من يدركون جيداً قدرة مناصري بعض الأحزاب والتيارات اللبنانية في تلك المنطقة على تشكيل أرضية تسخين إذا ما تمّ استفزازهم، ويبدو أنّ الرهان اليوم هو على إراقة الدماء مطلوبة او بالحدّ الأدنى، يخشى ان تكون الحاجة ماسة الى «جنازة» لأن للجنازة أيضا أدواراً وأدوار…
عندما يسقط اول شهيد في بيروت سيقوم رفاقه بالنزول الى الشارع وسيشيّعونه وسيجتمع غضب الشباب والفوضى معاً، كم مرة تكرّر هذا المشهد؟ اين؟ ماذا حصل بعدها؟
الرهان على الدماء وحده قادر على تأجيج هذا الحراك كما غيره في سورية واليمن وتونس وليبيا، واذا كانت المسؤولية اليوم أمام الدولة اللبنانية تفادي ما هو أعظم وتلبية مطالب الشبان المعيشية، فإنّ مسؤوليتها الأكبر هي في الالتفات الى ما ذكرته تقارير الأمن العام عن نوايا خلايا «داعش» لاختراق المتظاهرين، وبالتالي فإنّ مسؤولية أمن الشبان أوْلى، ومعهم البلاد تتطلب حزماً ووعياً لكلّ ما يجري ويحضّر للبلاد.