تقرير

إذا كنت تصدّق الأخبار المتداولة مؤخراً عن خسارة المملكة العربية السعودية المعركة التي شنّتها ضد منتجي النفط الأميركيين في السنة الماضية، فإن تقرير سوق النفط الأخير الذي أصدرته وكالة الطاقة الدولية سيغيّر رأيك. السعودية تربح المعركة، على رغم أنّهم يدفعون ثمناً باهظاً من أجل ذلك.

التحدث عن قدرة النفط الصخري الأميركي على الصمود أمام قرار السعودية رفع أسعار الإنتاج، استناداً إلى قدرة الصناعة الأميركية على خفض التكاليف واستخدام تقنيات مبتكرة للوقوف أمام قرار السعودية، قد تبدو هذه القصة ساحرة ولكن البيانات مغايرة لذلك.

قامت وكالة الطاقة الدولية ـ وهي المصدر المستقلّ الأكثر مصداقية للحصول على معلومات عن سوق النفط ـ بتغيير منهجيّتها في قياس الإنتاج الأميركي: فبدلاً من الاعتماد على الأرقام الواردة من الولايات المتحدة، أصبحت الآن تقوم باستطلاع آراء المنتجين. هذا التغير دفع الوكالة لمراجعة بيانات الإنتاج للنصف الأول من 2015، ما أظهر تباطؤاً ملحوظاً.

الولايات المتحدة ما زالت تضخ أكثر من السنة الماضية حتى الآن، ولكنّ الإنتاج في تناقص واضح:

تظهر التقارير الشهرية لوكالة الطاقة الدولية انخفاضاً في الإنتاج يقدر بـ90 ألف برميل يومياً في تموز، وحوالى 200 ألف برميل يومياً في آب، إضافة إلى انخفاض الإنتاج في الشركات السبع الكبرى المنتجة للغاز الصخري في الولايات المتحدة. تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن إنتاج الولايات المتحدة الأميركية من النفط الصخري ـ النوع الذي تضخه غالبية حفارات النفط الأميركية ـ سينخفض بما يقارب 400 ألف برميل يومياً في السنة المقبلة، أي أنه تقريباً يساوي ما تنتجه ليبيا حالياً. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أنه في عام 2016 سيؤدّي هذا التراجع إلى انخفاض الإنتاج بحوالى 500 ألف برميل يومياً خارج منظمة الدول المصدّرة للبترول «أوبك».

لا تعتقد وكالة الطاقة الدولية أن منتجي النفط الصخري قادرون بالشكل الكافي على خفض التكلفة الحدّية لإنتاج النفط من الآبار المحفورة بالفعل. كما تشير إلى أن آبار النفط الصخري تجف بشكل أسرع كثيراً من الآبار العادية: تشير التقارير الأخيرة انخفاض الإنتاج بحوالى 72 في المئة في غضون 12 شهراً من بدء تشغيلها و82 في المئة بعد سنتين. يشير تقرير وكالة الطاقة الدولية إلى أنه لزيادة معدلات الإنتاج أو حتى الحفاظ عليها، يتطلب الأمر استثماراً مستمراً. انخفاض أسعار النفط أدّى إلى انخفاض السيولة المالية التي توقعت الدول الكبرى حصدها، إضافة إلى انخفاض أعداد منصات إنتاج البترول عالمياً مرة أخرى، ففي أوائل أيلول كان الانخفاض هو الأكبر منذ أيار الماضي.

انخفض عدد منصات البترول النشطة بنسبة 40 في المئة مقارنة بعددها منذ سنة، إلا أنها أصبحت أكثر إنتاجية لأنها تستخدم فقط في المناطق التي تحقق الربح الأكبر. ولكن هذه الطريقة قد استنفذت نفسها إلى حد كبير، فلم يعد ممكناً إيقاف التراجع الحاد في الإنتاج لمدة أطول من ذلك.

يجب ألا يكون أي من ذلك مفاجئاً. إذا كان هناك أمر واحد يعرفه السعوديون جيداً، فهو البترول. إضافة إلى أنهم يعرفون التكنولوجيا الجديدة التي تستخدمها الولايات المتحدة في إنتاج البترول الصخري، هم أيضاً يعملون مع شركات الخدمات الدولية نفسها، ويحضرون المؤتمرات نفسها. هم لا يقومون بأي خطأ غبي بالمقامرة بميزتهم الاقتصادية الوحيدة. أشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أنه: «في ظاهر الأمر، فإن استراتيجية أوبك التي تقودها السعودية لتأمين حصتها في السوق بغضّ النظر عن السعر، تبدو أنها تهدف إلى إبعاد الإنتاج المكلف غير الفعال».

الاعتقاد بأن السعودية تخسر معركة البترول يستند إلى عدم وجود انهيار كبير في صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، إضافة إلى الصعوبات المالية التي تواجهها السعودية. فالمملكة تستهلك احتياطياتها من العملات الأجنبية بشكل أسرع من معدل تراجع إنتاج النفط الصخري.

إذاً، فحروب الأسعار باهظة التكلفة، والانتصار فيها لا يعني الانهيار الكامل للطرف الخاسر. وعلى رغم ذلك فإن السعودية تسعى إلى الانتصار.

تشير وكالة الطاقة الدولية إلى زيادة في الطلب على البترول في ظل الأسعار المنخفضة الحالية، خصوصاً في الدول المتقدمة ـ بما في ذلك الولايات المتحدة ـ فالناس الآن أكثر استعداداً للقيام برحلات طويلة مع هذه الأسعار الرخيصة للوقود. السعودية ـ لا المنتجين الأميركيين ـ هي القادرة على تلبية هذا الطلب الزائد، إذ يصل إنتاجها إلى مستويات قياسية تقريباً. تملك «أوبك» 2.27 مليون برميل فائض يومياً، وتملك السعودية وحدها حوالى 86 في المئة من هذه الكمية.

السعوديون يلقّنون السوق درساً بأنهم هم الموردون الذين يمكن اللجوء إليهم في أي وقت تحت أي سعر، على عكس المنتجين الأميركيين الذين يتهربون عند الأزمات. كما أنهم يلقّنون درساً للمستثمرين في قطاع النفط الصخري الأميركي بأنهم ـ السعوديين ـ إذا ما استثمروا المزيد من الأموال في هذا المجال، سيقومون بزيادة الإنتاج وخفض الأسعار، وبذلك يدمّرون تلك النماذج الاقتصادية التي استثمروا أموالهم بناء عليها. هذا هو الدرس الذي تريد السعودية أن توجهه، خصوصاً أن الحديث ما زال قائماً عن مدى مرونة النفط الصخري في الاستجابة لظروف تغيّر الأسعار.

بغضّ النظر عن ذلك، فإن أسعار النفط لا يمكن أن ترتفع في الفترة المقبلة في الحين الذي تلقّن فيه السعودية درسها للمنتجين الأميركيين. ما دامت صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة تتفاعل مع ارتفاع الأسعار عن طريق زيادة الإنتاج، ستستمر الأسعار في التراجع. ستستقر الأسعار عند مستوى مقبول بالنسبة إلى الدول النفطية عندما تتوقف تلك الدول عن القيام بردّ فعل، ووقتئذ، لن تكون هناك حاجة إلى إعلان المنتصر في تلك الحرب، فقط ستستقر الأمور مرة أخرى.

بلومبرغ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى