من أجل تفعيل العلاقات المصرية ـ السورية لمواجهة الإرهاب وحماية الأمن القومي
د. محمد أشرف البيومي
هذه دعوة ملحة للمثقفين المهتمين بالدفاع عن الدولة الوطنية في سورية ومصر، حيث تواجه هجوماً شرساً من جهات عدة. وهو نداء للقيام بواجبنا لتفعيل العلاقات المصرية ـ السورية، كخطوة ضرورية لمحاربة الإرهاب ومواجهته بشكل متكامل.
في كانون الثاني من العام الماضي تساءلتُ، عبر مقال نشر في جريدة «التحرير» المصرية، عن أسباب الصمت المدوّي «للنخبة المصرية» حول ما يدور في سورية. ومن المهم أن نتناول الأسباب الموضوعية التي تفسّر هذا السكوت وما إذا كانت هذه الأسباب لا تزال قائمة بنفس الدرجة، وما إذا كان الوقت قد حان لتفعيل العلاقات بين البلدين، وخصوصاً على المستوى الشعبي، وأهمية ذلك بالنسبة إلى الأمن القومي المصري. وهنا يُطرح السؤال: ما الذي نستطيع فعله للمساهمة في تحقيق هذا الهدف؟
أسباب الصمت
من أهمّ أسباب هذا الصمت أنّ مصر خضعت، لعدة عقود، لمناخ «كامب دايفيد» والانفتاح الاقتصادي، فانتشرت ثقافة تغييب الوعي القومي، ونشأ فراغ ثقافي ملأته إما الثقافة الوهّابية المنحرفة، أو الثقافة الليبرالية الجديدة التابعة، وقد ساهم كلاهما في تسخيف الشعارات والمصطلحات والأولويات الوطنية لحساب أولويات مقبولة أميركياً وصهيونياً ورواج مصطلحات وشعارات مخادعة ومغرضة، مثل شعار»مصر أولاً» الذي ساهم في عزل مصر عن محيطها العربي، وشعار «الديمقراطية أولاً»، كمدخل إلى التخريب الأميركي وتغييب القضايا القومية، وشعار»السلام خيارنا الاستراتيجي» لقتل روح المقاومة وقلب الأمور، رأساً على عقب، باستخدام شعار «قبول الآخر».
لا شك أنّ الخداع الإعلامي والأكاذيب المتكرّرة عبر قناتي «الجزيرة» و«العربية»، وسط غياب إعلام مصري يبثّ الحقائق عن الأزمة السورية، ساهم، في شكل أساسي، في تشويه الحقائق وانصراف غالبية المثقفين عن هذا الأمر.
مستجدات خلقت مناخاً مواتياً لتفعيل العلاقات
بعد سقوط حكم الإخوان في مصر وعزل محمد مرسي، الذي رفع شعار «لبيك يا سورية»، معلناً دعمه لمجموعات «المعارضة المسلحة» والإرهابيين، تفاعلت عوامل عدة لخلق مناخ جديد في مصر إزاء الأزمة السورية. ولعلّ أهمّ هذه العوامل الصمود الأسطوري السوري. فلا النظام سقط كما توقع أو تمنّى البعض، ولا انهار أو تفكك الجيش الوطني السوري، ولا انتصرت جحافل الإرهابيين، رغم تعرّض سورية لدمار واسع شمل التراث الحضاري، ورغم تعرّض السوريين لمعاناة ضخمة.
اليوم، زال الكثير من الغبار الذي أخفى الحقائق، فانكشف الدور الأميركي ـ التركي ـ القطري ـ السعودي ـ الأردني ـ الصهيوني في دعم الإرهابيين وتوحّدت أهدافهم للقضاء على النظام السوري الذي يرفض الإملاءات الأميركية، كما أنّ الدور الكبير للإرهابيين الأجانب، دحض مقولة الحرب الأهلية، وانكشفت تبعية المعارضة لقوى إقليمية أو دولية، ومدى هامشيتها وانتهازيتها، وظهر الوجه القبيح لحكّام السعودية في اعتدائهم وجرائم الحرب التي يشنونّها ضدّ الشعب اليمني. برز بشكل واضح دور الإرهاب وممارساته البشعة وذاق الشعب المصري بعضها عندما قطعت رؤوس مصريين في ليبيا، واتسعت العمليات الإرهابية ضدّ جنود وضباط الجيش المصري وقوات الأمن واغتيل قضاة ودمّرت منشآت. اتضح بدرجة أكبر كيف أنّ الإرهاب واحد ومصادر تمويله واحدة وأسلوبه واحد، وتبيّن، بدرجة أكبر، الهدف الصهيو ـ أميركي بإضعاف الجيش المصري والسوري وإنهاكهما. كذلك برزت المساندة المبدئية الروسية للنظام السوري اعترافاً بمحوريته في حماية الدولة السورية ومنع تفككها. كما اتضح أنّ الإرهاب لا يأبه بالحدود القطرية، ما يعطيه مرونة وحركة وهذا يحتِّم معالجة شاملة واستراتيجية متكاملة تسلب الإرهاب مرونة حركتهم.
دور الدولة المصرية
رغم أنّ طموحاتنا بالنسبة إلى مؤازرة سورية رسمياً أعلى بكثير من موقف الحكومة المصرية، إلا أنّ الحكومة تبدو مدركة لهذه المستجدات، وقد رفعت مستوى التعاون الأمني بعد أن عزل الشعب وجيشه الرئيس محمد مرسي. أكدت الحكومة المصرية، رغم عدم رضى السعودية، على ضرورة وحدة سورية، رافضة الانجرار وراء شعار إزاحة الرئيس السوري بشّار الأسد، معتبرة أنّ الشعب السوري وحده هو الذي يختار رئيسه. كلّ هذا أعطى مؤشرات واضحة، فزار وفد إعلامي مؤخراً العاصمة السورية دمشق ومدناً سورية عدة، وتلمّس الوضع على أرض الواقع. كان التأثير الإيجابي للزيارة ملموساً من خلال المقالات في الصحف الرئيسية، وإبراز ضرورة التعاون من أجل رفع كفاءة حربنا على الإرهاب، برغم القيود التي تحاول السعودية فرضها على الحكومة المصرية. وكما قلما مراراً، فإنّ حاجة السعودية لمصر أكبر من حاجة مصر للسعودية، فبرغم العناء الاقتصادي، لا يمكن الانتقاص من الأهمية الاستراتيحية التي تملكها مصر كما أنّ الشعب المصري أثبت، مراراً، أنه مستعدذ لتحمُّل الكثير من أجل حماية كرامته واستقلاله. كلّ هذا يعطي الدولة حرية حركة، كما أنّ مصر تملك بدائل اقتصادية وعسكرية تمنع الإملاءات الإقليمية أو الدولية.
تتصاعد حرية الحركة هذه، إذا كان هناك دعم غير رسمي في اتجاه التعاون السوري ـ المصري والذي يطالب بعودة العلاقات التي قطعت في عهد مرسي. ومن المتوقع أنّ الأعباء الاقتصادية التي تعاني منها السعودية، نتيجة عدوانها على اليمن وانخفاض أسعار البترول، بالإضافة إلى الاكتشاف المثير لأكبر حقل غاز في البحر الأبيض قبالة الشواطئ المصرية بالقرب من العريش، ستكون له تداعيات جذرية تحرّر مصر من أعبائها الاقتصادية ومن أيّ ضغوط سياسية تمارسها السعودية أو «إسرائيل».
علينا أن نتذكر أنه قبل أكثر من ثلاثة عقود وقبل أن تتغلغل ثقافة «كامب دايفيد» انتفض قطاع واسع من الشعب المصري، ورغم القيود الأمنية، شكل اللجنة المصرية لمناصرة الشعب الفلسطيني واللبناني وذهب بعض أعضاء اللجنة إلى بيروت المحاصرة على سفينة المناصرة.
ألا تستحق سورية وشعبها لجنة مناصرة تكون بمثابة جبهة سورية ـ مصرية مشتركة؟ يجب أن نشارك الدولة في جهود محاربة الإرهاب في مصر وسورية، فالإرهاب لا ينبغي فصل مكوناته، وخصوصاً النشاطات التي قد تجد الدولة قيوداً في ممارستها.
فلنبدأ بإرسال وفود مصرية تمثل هيئات مختلفة، ولتبدأ كلّ من نقابة الصحافيين ونقابة المحامين واتحاد الكتاب، كهيئات رائدة في قيادة العمل الوطني، بالإضافة إلى شخصيات عامة وإعلامية من أجل زيارة سورية لمعاينة الواقع عن كثب ومقابلة مسؤولين ومعارضين في الداخل وللمساهمة في حوارات ثقافية. والشقّ الملازم لهذا النشاط هو دعوة وفود سورية لهيئات مماثلة لزيارة مصر والقيام بلقاءات سياسية وثقافية وإعلامية. فهل يلبّي رؤساء النقابات المذكورة ومجالسها هذا الطلب العاجل والهام؟
إنّ مثل هذا التفاعل وغيره على المستويات الفنية والرياضية كافة، وعلى مستوى المحاربين القدامى من أبطال «حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973» سيكون له أثر بالغ وسيدفع الحكومة في اتجاه علاقات وثيقة مع سورية ودعم الأمن القومي لكلا البلدين.
أستاذ الكيمياء الفيزيائية في جامعتي
الاسكندرية وولاية ميشيغن سابقاً