العراق ملعب مونديال القرن وبغداد مرمى الهدافين واشنطن وحلفاؤها يستشعرون لحس المبرد

كتب المحرر السياسي

في لبنان تحسّب عراقي من التطورات ومخاوف من استرداد مفردات تنظيم القاعدة وخلاياها النائمة حيويتها، وتسريع للخطة الأمنية نحو جرود عرسال بعد إشارات تجميع مقاتلي جبهة النصرة وتنظيم داعش لقواهم المشتتة ومحاولة شنّ هجوم معاكس في رنكوس بالقلمون لفتح الطريق إلى عرسال مجدداً.

قيادة الجيش السوري وقيادة المقاومة تتدارسان الخطط لتحصين الإنجازات ومنع أي ارتدادات للحدث العراقي على الخريطة العسكرية، التي تسجل التقدم تلو الآخر لحساب الجيش في الجغرافيا السورية، وخصوصاً جبهات الشمال.

في الداخل اللبناني الجمود مستمرّ في قضايا الاستحقاق الرئاسي على رغم الزيارات والموفدين والتداول المستمرّ بالإصرار على الإنجاز، لكنها حركة بلا بركة طالما المشهد الدولي الإقليمي الذي يفترض أن يشكل العامل الحاسم في إنتاج الرئاسة اللبنانية منشغل بما يجري في العراق، وكيفية ترصيد الأرباح والخسائر للأطراف الفاعلة التي ستنعكس على شخص الرئيس ونسب توزع أسهمه بين الأفرقاء.

الجمود الرئاسي واكبه مثله في شأن سلسلة الرتب والرواتب، ومثل الحراك والمساعي هنا حراك ومساعٍ هناك، ومثل النتائج الباهتة مشفوعة بالوعود هنا نتائج باهتة مشفوعة بالوعود هناك، بينما كانت الامتحانات الرسمية تشق طريقها على قاعدة امتحانات بلا نتائج، كان وزير التربية الياس بو صعب يزهو بالإنجاز وينجح في الامتحان.

العيون كلها على العراق حيث الملعب المفتوح منذ عشر سنوات، لترصيد أرباح وخسائر الأطراف الدولية والإقليمية الكبرى المتواجهة على مسرحي آسيا وأوروبا، وحيث الرابح في العراق سيكون الأقرب لتسجيل المكانة الأولى في ترتيب القوى، سواء بين القوى الفاعلة الإقليمية أو الدولية.

إقليم الوسط العراقي، الذي يضمّ محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى والأنبار صار عملياً بمثابة شريط جغرافي يفصل سورية وإيران شرقاً وغرباً، ويفصل الأكراد والشيعة في العراق جنوباً وشمالاً.

المعركة على بغداد تبدو هي الحلقة المقبلة، ومن نتائجها يتقرّر من بيده قدرات الهجوم نحو البصرة في الجنوب إذا انتصر حلف داعش وقوات عزة الدوري، أو بدء الهجوم المعاكس نحو تكريت والموصل إذا انتصرت القوات التي تضمّ الجيش والشرطة ومعهما التعبئة التي أطلقتها القوى السياسية العراقية، خصوصاً كتائب عصائب الحق والصدريين والمستجيبين للفتوى المرجعية بوجوب حمل السلاح والقتال.

لم يعد خفياً حجم الدور التركي والسعودي والقطري في تقديم ما يجري في العراق كثورة طائفية ضدّ التهميش، ومشروع دعوة للفيديرالية على أساس الأقاليم الثلاثة التي تبناها نائب الرئيس الأميركي السابق جون ماكين، ما ترجم تراجعاً من الرئيس الأميركي باراك أوباما في اللهجة التضامنية مع العراق.

تقول بعض المراكز الأميركية المنتبهة لما يجري في العراق، إنّ لحظة الارتباك الغربية والعربية والتركية تشبه حالتها في فتح الفالق الأوكراني، حيث السير بالتقسيم الطائفي لأوكرانيا يهدّد وحدة سبع دول أوروبية، فالتركي والسعودي لن يستطيعا منع تشقق بلديهما على أساس ذات التكوين القومي والطائفي الذي يريدانه للعراق، فتصير السعودية مع ولادة إقليم شيعي لعراق الجنوب على بوابة ولادة إقليم شيعي في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط والممسكة بساحل الخليج، وتركيا ستجد التشقّق الكردي نحو الانفصال أسرع من الخيال، أما الغرب الفرح بالقطع الجغرافي لإقليم الوسط العراقي بين سورية وإيران رداً على إنجاز الجيش السوري في حمص ووصوله حدود العراق، بدأ يستشعر خطورة تسليم مصير ربع العراق سكانياً وثلث مساحته الجغرافية لتنظيمات تلعب ورقة مذهبية عراقية، تنطلق من الكثير من مصادر الشكوى والتهميش، لكن ذلك سيعني ولادة دولة لم تتمكن القاعدة من بنائها في أفغانستان، ويصير التجذّر والتمركز فيها إذا أريد له التأثير على الموازين السورية تسليماً لساحل المتوسط من جهة والامتداد نحو الحدود الأردنية والسعودية من جهة مقابلة لتنظيم القاعدة، الذي سيسيطر على تشكيلات الجيش النقشبندي لعزة الدوري، بقوة التماهي والتفوق العقائدي الديني، ومهابة الدور وجذرية التصادم مع القوى المكونة للديمغرافيا العراقية، وسيكون الثمن الغربي عندها مكلفاً وفوق القدرة.

لحس المبرد نكاية بإيران وسورية وحلف المقاومة وروسيا ليس سياسة، ومقايضة فيديرالية عراقية بفيديرالية أوكرانية ليست تجارة رابحة، فالمستفيد عراقياً هو القاعدة بينما تدافع روسيا عن فيديرالية هي من سيستفيد منها حصراً.

طارت السكرة وجاءت الفكرة كما يقال وبدأت الحسابات الصعبة.

انعكاسات تطورات العراق على لبنان والاستحقاق الرئاسي

في ظل هذه الأجواء، فالاستحقاقات الداخلية الداهمة لم تُحل دون المراقبة الدقيقة لتطورات الوضع في العراق في ضوء تمدد تنظيم «داعش» إلى مناطق عراقية واسعة في ظل المعلومات التي تتحدث عن مؤامرة كبرى ضد العراق واستقراره شاركت فيها السعودية وتركيا وقطر، من خلال تقديم الدعم المالي والسلاح، وغض النظر عن تدفق المسلحين باتجاه الأراضي العراقية.

وفيما أعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بدء العملية العسكرية لاستعادة المناطق التي سيطر عليها المسلحون، إذ تمكن الجيش العراقي ومجموعات المتطوعين من استعادة بعض المناطق ومنع تقدم «الإرهابيين» في مناطق أخرى، كان لافتاً توحّد جميع العراقيين باستثناء قلة قليلة وراء قيادتهم السياسية لمواجهة غزو الإرهابيين، ما أدى إلى إرباك الدول المتآمرة على العراق التي لاذت بالصمت حيال ما قام به تنظيم «داعش» في الأيام الماضية من احتلال وتمدد في مناطق عراقية واسعة.

وقد رجحت مصادر سياسية عليمة أن يتأثر الاستحقاق الرئاسي في لبنان بما يجري في العراق، خصوصاً أن تمدُّد «داعش» لم يكن وليد قرار من هذا التنظيم الإرهابي بل هو نتيجة تحريض ودعم من قبل عواصم إقليمية، الرياض وأنقرة، ولذلك توقعت المصادر أن تؤدي هذه التطورات في العراق إلى إدخال مزيد من التعقيدات على ملف انتخابات رئاسة الجمهورية، خصوصاً أن فريق 14 آذار لم يتخلّ عن رهاناته الخارجية وهو بالتالي ما زال يراهن على حصول متغيرات لمصلحة حلفائه في المنطقة تؤدي إلى توازنات جديدة داخلياً تصب في مصلحة رهاناته وأهدافه.

وفي السياق أكد مصدر مطلع لـ»البناء» أن حزب الله لن يتدخل في العراق فسياسات الحزب لا تقوم على انتقال الحزب للقتال في كل ساحة تشهد أزمة، مشيراًُ الى ان تدخله في سورية يختلف ولا يقارن بالعراق، فلسورية خصوصية ومشاركة الحزب في القتال إلى جانب الجيش السوري في حربه ضد الارهاب كان دفاعاً عن لبنان ولدرء الارتدادات عنه. وأكد المصدر ضرورة تضافر الجهود الإقليمية والدولية لمحاربة الارهاب والعمل على مشروع مصالحة وطنية.

موفد الراعي في عين التينة لحث بري على عقد جلسات يومية

وإذا كانت كرة رئاسة الجمهورية معلقة بانتظار ان تنفرج إقليمياً، سجلت أمس زيارة للأباتي أنطوان خليفة المعتمد من البطريركية المارونية في عين التنية إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري. وأكدت مصادر بكركي أن الزيارة هي لحث الرئيس بري على عقد جلسات يومية لانتخاب رئيس الجمهورية لا أن تقتصر دعوته على الجلسات الأسبوعية عل ذلك يحث النواب على الإسراع في انتخاب رئيس، الذي يبدو أنه يحتاج إلى عملية قيصيرية، مشيرة إلى أن التوجه نحو انتخاب رئيس توافقي مرضى عنه من فريق 8 آذار وغير مرفوض من 14 آذار.

وأكدت مصادر بكركي أن أي لقاء قريب لن يعقد بين الأقطاب الموارنة في الصرح البطريركي، فاللقاء إن عقد يجب أن يكون مجدياً ومثمراً والأجواء لا توحي بذلك اليوم في ظل تشبث كل قطب بموقفه من الترشح.

وفي السياق، بحث رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون مع البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، في الاستحقاق الرئاسي وما يواجهه من تعقيدات.

لقاء قريب بين الحريري وجنبلاط

وأمس اتصل رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وتم الاتفاق على لقاء بينهما في موعد يحدد لاحقاً، وذلك أثناء استقبال الحريري وزير الصحة وائل أبو فاعور في مقر إقامته في الدار البيضاء في المغرب.

لقاء إيجابي بين بري وكنعان

ولما كانت الدولة تهربت من مسؤولياتها في ما يتعلق ببث مباريات كرة القدم التي ينتظرها اللبنانيون كل أربع سنوات، لم يعد مستهجناً تلكؤها عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب التي بعد أن دخلت الاتصالات في شأنها منذ يوم الثلاثاء في غيبوبة، مع استنفاد كل المحاولات على كل الأصعدة، وتهرب مجلس الوزراء من مسؤوليته التي تفترض أن يتطلب رد المشروع إلا أن الحكومة مجتمعة لا تريد أن تتلقف كرة النار.

في غضون ذلك، تعود المشاورات واتصالات يوم الاثنين المقبل سعياً إلى تأمين عقد جلسة الخميس المقبل لإقرار السلسلة، بعدما انعشت زيارة رئيس لجنة المال الموازنة النائب ابراهيم كنعان إلى رئيس المجلس النيابي نبيه بري هذه الاتصالات.

وعلمت «البناء» أن الاجتماع بين بري وكنعان الذي تم بحضور وزير المال علي حسن خليل الذي يملك الأجوبة على كل الأسئلة المطروحة، كان مفيداً جداً وشهد تبادل أفكار في موضوع حقوق المعلمين بالدرجات الست، والزيادة للعسكرين لردم الهوة بينهم وبين الأسلاك الأخرى بالاضافة إلى الايرادات بعدما ارتفعت كلفة السلسلة المطروحة إلى 2100 مليار ليرة. وتم الاتفاق في الجلسة الأخيرة على إقرار 1300 مليار ليرة فإن هناك إمكانية لتأمين واردات إضافية من قطاع الكهرباء بقيمة 350 مليار ليرة، إضافة إلى رفع الضريبة على القيمة المضافة TVA إلى 15 في المئة على بعض الكماليات والتي تأتي بـ150 مليار ليرة، إضافة إلى تأمين 100 مليار ليرة من الضريبة على الأملاك البحرية و60 مليار ليرة على المشروبات الروحية.

لا يمكن ترك ملف السلسلة المتفجر

وأكد كنعان لـ»البناء» أن الرئيس بري كان أكثر من ايجابي، مشيراً إلى أن تحركه يهدف إلى إنضاج تصور مشترك في ملف السلسلة، مشيراً إلى أنه اتصل برئيسة لجنة التربية النائب بهية الحريري التي تبدي مرونة في موضوع السلسلة وإعطاء الاساتذة حقوقهم وسيستكمل الاتصال بلقاء يوم الاثنين في المجلس النيابي، على أن يلي ذلك جولة على الكتل السياسية.

ولفت كنعان أيضاً إلى أنه التقى عضو كتلة المستقبل النائب جمال الجراح عضو في لجنة المال الموازنة وبحث معه في ملف السلسلة. وشدد كنعان على أن لا مساومة على الخطوط العريضة، فهو يسعى لإقرار سلسلة تضمن الحقوق لأصحابها وتكون وارداتها مؤمنة.

وإذ أشار إلى أن محاولته قد لا تنجح، أكد أن تحركه ينطلق من خطورة الوضع، فالبعد في المواقف لا يبشر بالخير، ولا يمكن ترك هذا الملف المتفجر والوقوف مكتوفي الأيدي في ظل الشلل الحاصل في البلد والشارع يغلي. وأكد أن هناك مجالاً للتوافق حول هذا الملف إذا توافرت النوايا الصافية.

وفي ملف الاستحقاق الرئاسي أكد كنعان أن لا شيء جديداً في الملف الرئاسي، مشيراً إلى أن جزءاً من الزيارة إلى عين التينة له علاقة برئاسة الجمهورية، وارتدادات الشغور في موقع الرئاسة، وآلية العمل في المجلس النيابي ومجلس الوزراء.

بو صعب ينجح في الامتحان

في غضون ذلك، نجح وزير التربية الياس بو صعب أمس في الامتحان الذي خاضه في المفاوضات مع هيئة التنسيق النقابية، حيث جرت الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة في يومها الأول في شكل هادئ. وأكد بوصعب خلال تفقده مراكز الامتحانات أن ما حدث هو إنتصار للأساتذة والأهالي والتلامذة، ونصر للوزارة، فقد تعاون الجميع معاً، مكرراً موقفه: «أننا لن نتخلى عنهم ولا عن مطالبهم. ولقد أبلغت مجلس الوزراء عدم الإستعداد للضغط عليهم من أجل التصحيح، بل يتوجب على الكتل السياسية في مجلس النواب محاورة الهيئة للوصول إلى حل لقضية السلسلة ترضي الجميع».

الجيش يبدأ عملية أمنية لتطهير جرود عرسال

في سياق آخر، بدأت وحدات كبيرة من الجيش اللبناني وعلى رأسها فوج المجوقل عملية عسكرية ـ أمنية شاملة في جرود عرسال لتنظيف المنطقة من المجموعات المسلحة التي تختبئ في المنطقة وتستخدمها للقيام باعتداءات وأعمال إرهابية ضد القرى المحيطة وكان آخرها قصف محيط بلدة الهرمل وخطف مواطنين من خراج رأس بعلبك ومخيمات النازحين الفلسطينيين.

وتهدف العملية إلى البحث عن المسلحين من أجل توقيفهم وتمشيط جرود عرسال والبحث عن المواطن مخايل مراد الذي كانت المجموعات المسلحة خطفته قبل أيام عدة مع عدد من المواطنين السوريين. وقد أحكمت وحدات الجيش سيطرتها على عدد من التلال الاستراتيجية الحساسة في جرود عرسال، وألقت القبض على ستة مسلحين سوريين يوم أمس، ويُتوقع أن تستمر العملية حتى بسط السيطرة الأمنية على السلسلة الشرقية.

وأعلنت قيادة الجيش في بيان أن قوى الجيش نفذت عملية دهم واسعة في جرود منطقة عرسال بحثاً عن المسلحين والمشبوهين في علاقتهم بنشاطات إرهابية، وأوقفت داخل مخيمات النازحين السوريين في المنطقة أحد الأشخاص الذي ينتمي إلى كتائب عبدالله عزام الإرهابية وآخرين من التابعية السورية، وذلك لحيازتهم كاميرات تصوير وأجهزة كمبيوتر وأقراص مدمجة تثبت اشتراكهم في تدريبات مع مجموعات إرهابية.

مصادر أمنية

وقالت مصادر أمنية لـ«البناء»: «إن الخطة كان يجري الإعداد لها منذ فترة لإعادة السيطرة على السلسلة الشرقية بعد تزايد اعتداءات المسلحين». وأضافت: «أن العملية ستستمر حتى إنجاز كل ما هو مطلوب منها، من حيث إعادة الأمن والاستقرار إليها، ولذلك فما حصل يوم أمس لن يتوقف عند ما تم إنجازه في العملية العسكرية ـ الأمنية مشيرة إلى أن وحدات الجيش فرضت سيطرتها على تلال استراتيجية ومناطق حدودية مع سورية».

وفي هذا السياق، نفذ الطيران السوري ثلاث غارات على منطقة تل الحرف المتاخمة لحدود البلدين، حيث توجد مخابئ للمجموعات المسلحة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى