إلى أين يتجه مسار الصراع في المنطقة العربية؟
محمد شريف الجيوسي
من الواضح أنه كلما حقق محور المقاومة تقدماً على الأرض في مواجهة الإرهاب الدولي الذي يشنّ حرباً عليه، فتح تحالف القوى الإمبريالية الاستعمارية الصهيونية الرجعية، باباً جديداً لخلط الأوراق، في محاولات بائسة يائسة لتغيير النتائج وتحقيق مكاسب سياسية لم يحقّقها خلال الحرب، التي أنجز فيها كثيراً من التدمير والتخريب والقتل وتجارة البشر ونشر الجريمة المنظمة، تجارة السلاح والمخدرات والتهريب والفتن، لكنه لم يتمكن على رغم ذلك من كسر إرادة الصمود والمقاومة حتى تحقيق النصر.
فالورقة الجديدة التي يجرى استخدامها الآن هي الهجرة الى البلدان التي رسمت خطوط المؤامرة ووزّعت الأدوار بين أطرافها وسلحت ودرّبت وموّلت أو أمنت مصادر التمويل ودعمت المؤامرة إعلامياً واستخبارياً وسياسياً.
ومن غير المعقول أن تكون خطط التهجير وتقاسم أعداد المهجرين ابنة ساعتها، وردّ فعل على صورة ذاك الطفل السوري الكردي البريء، ما دفع سكان المنطقة إلى الهجرة على اختلاف مكوناتهم الدينية والمذهبية والطائفية والإثنية والمناطقية، فالهجرة جارية منذ قرن أو أكثر، ولكن الهجرات السابقة كانت تتم على نحوٍ فردي، طلباً لعمل أو علم أو فرصة للنجاح أو مغامرة تحولت إلى مكوث طويل أو نهائي، ولم تكن في كل حالاتها لتدخل في نطاق المؤامرة المباشرة، ولكنها تدخل في مجال وضع المنطقة عموماً في مناخ يفتقر للأمن والسلام والعمل لكل مواطني المنطقة، الأمر الذي كان يضطر البعض للهجرة.
أما هجرة اليوم فمختلفة، من حيث أنها تستهدف تهجير من يقيمون في مخيمات اللجوء في دول محيطة بسورية، ومن خارج المخيمات ممن هم على ملاءة مالية أو يمتلكون كفاءات علمية، الذين غادروا غالباً مناطق تسيطر عليها العصابات المسلحة طلباً للأمن وهروباً من تطرف هذه العصابات وضغوطها بفرض سلوك اجتماعي وطقوس متطرفة غير مقبولة، ومعاقبة من لا يتبع هذه الطقوس الغريبة الشاذة، فضلاً عن الإتجار بالبشر واستعباد الأقليات وسبي النساء، ومصادرة إنسانية وطفولة الأطفال وتدريبهم على سفك الدم.
وهجرة اليوم تقوم على التشتيت الجغرافي، حيث تتقاسم دول رأسمالية عديدة أسلاب المهجّرين، وهناك يجرى نزع الأطفال والشباب عن أسرهم وتاريخهم، وإدخالهم ما يشبه الغيتوات، وتجرى عمليات غسيل الأدمغة، فيلقنونهم خلالها ما يجرّدهم من إنسانيتهم وحضارتهم العربية وانتمائهم، بحيث يصبحون أعداء موضوعيين ومحتملين لماضيهم وأسرهم ووطنهم.
وستستقبل دول الغرب وربما الكيان الصهيوني أيضاً ما لا يقل عن 200 ألف مهجر سوري، من كفاءات علمية وملاءات مالية وقدرات شبابية صالحة كعمالة رخيصة وقدرات قتالية يجرى تجنيد ما أمكن منها ضد وطنهم لاحقاً.
لقد طوّر التحالف الغربي الأميركي الصهيوني الرجعي العربي والتركي، أشكال تآمره على سورية وشقيقاتها، منذ مطلع الألفية الثالثة وكان البعض منهم مستتراً وهم الآن يعملون على جبهتي: الهجرة وتفاصيلها، والمناكفة السياسية حيناً وطرح الحلول السياسية حيناً آخر.
لقد توصل الغرب الأوروبي والأميركي من دون الصهاينة والرجعيتين العربية والتركية إلى قناعة مفادها أن استمرار الحرب على سورية والمنطقة بشكلها الراهن لا جدوى لها، بل على النقيض، هي ترتد عليه وعلى تابعيه ومريديه بالأسوأ، لذا هو بقدر هذه القناعة يريد كسب الوقت، حتى تعديل عقيدة الحرب هذه، بحسر مخاطر الإرهاب عن بلاده وإعادة الكرة باتجاه الدول ذاتها أي سورية وأخواتها، بل ومدها وفق رؤى عدوانية جديدة ضد إيران وروسيا والصين وفنزويلا وأخواتها.
لا صحة بالمطلق أن واشنطن والتابعين لها دولاً كبرى ورجعيات، تريد حلولاً سلمية تقود إلى الاستقرار والأمن والسلام العادل والدائم والشامل سواء في فلسطين أو في المنطقة ككل، بل ولن يتحقق ذلك إلا بإلحاق هزيمة شاملة كاملة عميقة بذاك التحالف، وإلحاق هذه الهزيمة بكل أطرافه ليس أمراً سريعاً متاحاً، لكنه ممكن في المدى الأدنى للمدى المتوسط.
ويصبح إلحاق الهزيمة أسرع وأشمل وأعمق كلما شملت الحرب وتداعياتها كل أطراف التحالف الغربي الصهيوني الرجعي، واستباق محور المقاومة وأصدقائه مناورات الغرب لكسب الوقت، وكذلك استباق محاولاته نقل دائرة الصراع إلى موسكو وبكين وطهران وكراكاس.
يعلم الغرب أن نتائج حربه على الدولة الوطنية السورية وشقيقاتها سيرسم خريطة مستقبل المنطقة والعالم لعقود وربما لقرون، فهو يستشرس، فضلاً عن طبائعه الموغلة في سفك الدم وحروبه العالمية، وبين أطرافه على مدى 1000 سنة، وبهذا لن تتوقف الحرب إلا بهزيمته الشاملة. أما سورية وأخواتها ومحور المقاومة والحلفاء فيخوضون حربهم العادلة على أراضيهم، والهزيمة ستكون في النهاية للغرباء لسافكي الدم وناشري الدمار الآتين من الخارج.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk