جهاد عقل على خشبة «الأونيسكو»… حين يُحْيي النّغَم الأفئدة التَّعِبة

لمى نوّام

بعيداً من ضجيج الحياة وضغوطاتها، تقاطر عشّاق الموسيقى والفنّ الراقي إلى قصر الأونيسكو في بيروت، ليغمضوا أعينهم، فيما تتفتّح آذانهم لتلقي نغماتٍ يتراءى لنا أنها لا تأتي من آلة موسيقية يتحكم بها فنان مبدع، إنما من مكان ما في هذا الأثير، في هذا الوجود، أو ما وراء الوجود.

الموعد كان مع موسيقيّ من الطّراز الرفيع، ينقل الحاضرين إلى عوالم أخرى مليئة بالسحر والخيال. إنّه عازف الكمان المبدع جهاد عقل، الذي أحيا حفلاً مع الأوركسترا الوطنية اللبنانية الشرق ـ عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج، حضره عدد كبير من متذوّقي الموسيقى الراقية.

أطلّ عقل حاملاً بيده الكمان التي تلازمه كظلّه، وقدّم مع ستّين عازفاً من الأوركسترا الوطنية اللبنانية الشرق ـ عربية التابعة للكونسرفتوار الوطني اللبناني، أجمل المقطوعات الموسيقية التي اختارها بعناية فائقة، لتكون تحيةً منه لعطاءات عظماء الفن في لبنان والعالم، الذين قدّموا للفن روائع الأعمال.

«البناء» التقت جهاد عقل في كواليس الحفل، وأجرت معه لقاءً مقتضباً، قال فيه إنه اختار باقة من الأعمال للفنانين الكبار كتحية لهم ولعطاءاتهم. ومن هؤلاء: فيروز، وديع الصافي، صباح، الأخوان الرحباني، رياض السنباطي.

ويقول عقل: أنا أحبهم لأنهم قدّموا للفنّ روائع الأعمال، فاخترت باقة منوّعة من أعمالهم لأقدّمها في هذه الأمسية. إضافة إلى معزوفة موسيقية ألّفتها بنفسي، وستكون من ضمن ألبومي الموسيقي الجديد الذي أنا في صدد التحضير له.

ويضيف عقل: نحن نعيش في ظروف صعبة، لكن لبنان اعتاد على هذا القلق الذي نتلمسه ونشعر به. ولا بدّ للحياة أن تستمر. الفن من الوسائل الأفضل والأقوى لاستمرارية الحياة والعيش المشترك. لأن الفن هو الوحيد الذي يقدّم الصورة الجميلة للبل. وهو دليل على أنّ لبنان يبقى عابقاً بالمحبة والثقافة على رغم كلّ الظروف.

وعن آلة الكمان التي أوصلته إلى شهرة واسعة قال: السبب الرئيس في شهرتي يتمثل في الموهبة وإحساسي، وفي أسلوبي المختلف. عندما أعزف على آلة الكمان، أعزف كأنني أعبّر عن شعوري، وعن أمور إنما هي رسائل موجّهة إلى الناس، تتحدّث عن جمال الحياة.

من ناحيته، قال المايسترو أندريه الحاج: افتتحنا اليوم الموسم الجديد للأوركسترا، التي تحيي هذه السنة حوالى 13 حفلة. أولى حفلاتنا اخترناها مع الفنان جهاد عقل لتكون انطلاقة قوية، لما يحمله من ذائقة فنية راقية، ولأنّ موسيقاه عموماً، تنقلنا إلى عالم آخر. فكيف إذا دمجت موسيقى عقل مع عزف ستين من الموسيقيين التابعين للأوركسترا؟ حتماً سنحيا ملحمةً موسيقية لم نشهدها في لبنان من قبل.

أما عن المعزوفات فقال الحاج: المعزوفات منوّعة، إذ أحبّ جهاد عقل أن يوجّه تحية إلى كِبارنا. ومن المعزوفات: «سماعي بياتي» لإبراهيم العريان، و«لونجا نهاوند»، ومقدمة «نجوم الليل» لفريد الأطرش، ومقطوعة للمؤلف الموسيقي إياد كنعان.

عزف جهاد عقل موسيقاه، فانطلق نغم كزهر السيسبان، لا بل كإكسير يحيي الأفئدة التعبة. في القاعة الكبيرة، وحده التصفيق المتكرّر كان علامةً لانتهاء معزوفة، انتبه إليه أحد ما، ربما كان فاتحاً عينيه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى