الفوضى: مخاض الولادة المتعثرة
وليد زيتوني
يا… أنت، أيها القادم إلى الشأن العام من سريرك الوثير. وفي فمك ملعقتك المذهّبة، أتعرف معنى الرغيف؟ كيف يصنّع الرغيف؟ وكم من الأيدي احترقت بنار الموقدة؟ أتعرف الخضرة البرية، كالهندباء والقرص عنة والبصيلة والعكّوب، كيف تُجمع تحت وهج الشمس المحرقة؟
يا… أنت، أيها الجاهل والمجهول، هل تعرف الناس وقيمة الناس، وعرق الناس، وتعب الناس، وألم الناس، بغير أرقامهم وأرقام مديونيتهم في حسابات مصارفك؟
يا… أنت، أيها المدّعي معرفتك بالعطور، هل تستطيع التمييز بين رائحة الزيزفون والياسمين، بين رائحة الطيّون والوزال؟ هل شممت لمرة واحدة رائحة التراب حين يمتزج بـ»الهطلة» الأولى من المطر؟ وهل تنشّقت عبق الدم حين يعانق الأرض دفاعاً عن الوطن، كلّ الوطن؟
يا… أنت، أنت تعرف من الروائح فقط، رائحة الدولار وتميّزه جيداً عن روائح العطور الباريسية الممزوجة برياح الاستدمار والنهب لمصلحة مربط خيلك، وتبعيتك وارتباطك بالخارج.
يا… أنت، هل تعرف التمييز بين الملول والبلوط، بين الشربين والسرو؟ إلا ما وجد منها زينة في حديقة قصرك. وهل تستطيع التمييز بين كركرة الحجل ونعيب الغراب؟ بين سقسقة الساقية وهدير النهر؟ بين خوار الثور وعواء الذئاب؟ على رغم أنك تتصرّف مع شعبك وأهلك، تصرّف الذئاب مع الغنم.
نعم، أيها المجهول، لم نعد غنماً بل أسوداً تطارد الذئاب. ولم نعد جاهلين بخطاباتك المؤدلجة بالحقد على الفقراء و»الغلابا».
نحن نؤمن بشعب واحد واقتصاد واحد يقوم على قاعدة الإنتاج، فهل ترينا ماذا أنتجت غير النهب لأموال الناس، وأرزاق الناس؟ سرقت أمنهم وأمانهم، سرقت فرحهم وطيبتهم، وتحاول الآن أن تسرق كراماتهم وعزتهم. خسئت يا هذا، ما ذكرتك بالاسم مخافة القيء منك ومن أمثالك، ومن هم أمامك وخلفك، ومن هم على يمينك ويسارك.
نحن نعرف والجميع يعرف موقعك، فإنك لن تتعدّى قاعدة سلّم النهب العالمي. ونفهم دفاعك عن مصالح الناهبين الكبار، أرباب سلطتك وثروتك.
نحن نعرف أنك تسعّر الصراع بين الشرائح الاجتماعية المنتجة فكراً وصناعة وغلالاً.
ونحن نعرف أنك مدفوع إلى العمل بأوامر أسيادك لزيادة وتيرة الفوضى، ونعرف أنك عبد مأمور عند الحيتان العالميين، العاملين على امتصاص دمائنا، وشرذمة مجتمعنا، وتمزيق قيمنا، وتهديم أخلاقنا في محاولة لدفعنا إلى الهاوية، وإرجاعنا عشرات السنين حضارياً وعلمياً وسياسياً واقتصادياً.
اسمع يا هذا: إنّ الوطن للجميع، والأرض للجميع، ليس هناك من أرض للست وأرض للجارية، فعصر الإمبراطويات قد زال، وعهد العنتريات الفارغة قد ولّى. وغداً ستشهد أنّ البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي قد أفلساً، وأنّ أدوات النهب التي تحميك من منظمة التجارة العالمية، وعولمة الاقتصاد، والشركات العابرة للأوطان لم يعد لها مكان في النظام العالمي الجديد، نظام العالم المتعدّد الأقطاب.
اسمع يا هذا… إن دولة المزرعة ستزول، ودولة «البقرة الحلوب» سيجعلها العامل والفلاح والصناعي الوطني مصدر رزق الشعب، ولن تبقى حكراً على مجموعة من المستأثرين بمقدراتها.
اسمع يا هذا: إنّ السوليدير والشركات المماثلة هي نهب مقونن، واستعادتها عمل مشروع بحكم قوة الشعب وحقوق الشعب.
اسمع يا هذا: بلّغ أسيادك أنّ دورك انتهى، وأنّ دورهم أيضاً انتهى، وألاعيبهم لن تنطلي علينا، لا في الإعلام، ولا في تدريب كادرات متخصصة، ولا في خطوط دفاعهم المرسومة بالإدارات.
إنّ الشعب يريد حقه، يريد كرامته، يريد سيادته غير المصنّعة في دوائر المخابرات. عصر التبعية، وشراء الذمم، ومسك الشارع من فوق بالفوضى البناءة أو غير البناءة ذهب إلى غير رجعة.
بلّغهم أننا كرهنا موقفك العنصري.